أنت هنا

قراءة كتاب مجنون ساحة الحرية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مجنون ساحة الحرية

مجنون ساحة الحرية

"مجنون ساحة الحرية" مجموعة قصصية تتألف من 14 قصة رشحت لجائزة القصّة والرواية الأجنبية في صحيفة الإندبندت عام 2010، وجائزة مزانك أو كنوز العالمية عام 2010؛ يمثل حسن بلاسم - قاصاً وشاعراً، وكاتب سيناريو - تياراً متميزاً في الأدب العربي، ذلك أن (واقعية) بلاسم

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
قطعت سيارة الجماعة الثانية مسافة طويلة هذه المرة· ربما وصلنا أطراف بغداد· فقد أنزلوني في قرية موحشة تسرح فيها الكلاب وتعوي في كل مكان· حبسوني في زريبة أبقار· وكان هناك رجلان يتبادلان حراسة الزريبة ليل نهار· لا أعرف لم عمدوا إلى تجويعي وإذلالي· كانوا يختلفون تماماً عن الجماعة الأولى· وكانوا ملثمين طوال الوقت، ولم يتكلموا معي البتة· وكانوا يتفاهمون فيما بينهم بالإشارات· بل لم يكن هناك أي صوت بشري يسمع من القرية سوى نباح الكلاب طوال الشهر الذي قضيته في الزريبة· كانت الساعات تمر ثقيلة ومضجرة· كنت أتمنى أن يحدث أي شيء، بدل هذا السجن المؤبد مع ثلاث بقرات· توقفت عن التفكير بهؤلاء الناس، وإلى أي طائفة أو حزب ينتمون، ولم أعد أندب حظي· كنت أشعر بأنني قد عشت ما يحدث لي في زمن ما، وأن هذا الزمن مجرد برهة لن تدوم طويلاً· لكن الإحساس بهذا الزمن هو الذي يصطنع البطء والدوار· لم يعد يخطر ببالي محاولة الهرب، أو سؤالهم عما يريدون مني· لقد شعرت أنني أقوم بمهمة ما· واجب قسري علي أن أؤديه حتى النفس الأخير· ربما هناك قوة خفية تكاتفت مع قوة بشرية للقيام بلعبة سرية أهدافها أكبر من أن يتخيلها رجل بسيط مثلي (لكل إنسان واجب شعري وآخر إنساني) كان الأستاذ يقول· لكن إن كان ذلك صحيحاً كيف لي أن أميز، وهكذا بسهولة، بين حدود الواجب الإنساني والآخر الشعري؟  فأنا أفهم مثلاً أن العناية بزوجتي وأطفالي هي من الواجبات الإنسانية، وأن رفض الكراهية هي من الواجبات الشعرية· لكن لم كان الأستاذ يقول إننا نخلط بين الواجبين ولا نعترف بالشق الشيطاني الذي يوجه كلا الواجبين· فالواجبات الشيطانية هي القدرة على الوقوف في وجه الإنسان حين يوّجه إنسانيته، أو حتى الشعر المتطرف، صوب الهاوية· وكان هذا كثيراً جداً على عقل رجل بسيط مثلي، أكمل دراسته المتوسطة بمشقة كبيرة· على كل حال، أظن إن ما أقوله لا علاقة له بطلب اللجوء· فما يهمكم هو الفزع· ولو كان الأستاذ حاضراً، لقال بأن الفزع يكمن في أبسط الألغاز التي تلمع في نجمة باردة من سماء هذه المدينة· أخيراً دخلوا الزريبة بعد منتصف الليل· قام أحد الملثمين بفرش زاوية من الزريبة بالسجاد الفاخر· ثم قام زميله بتعليق لافتة سوداء مكتوب عليها:  جماعة الجهاد الإسلامي فرع العراق· بعد ذلك دخل المصور مع كاميرته، وقد بدا لي أنه مصور الجماعة الأولى نفسه· كانت حركات يديه  شبيهة بحركات المصور الأول· الفارق الوحيد أنه يتفاهم الآن مثل الآخرين بالإشارات· طلبوا مني أن أرتدي دشداشة بيضاء، وأجلس أمام اللافتة السوداء· قدموا لي ورقة، وأمروني أن  أقرأ ما فيها، أي أنني أنتمي إلى جيش المهدي، وأنني ذباح شهير، وقمت بفصل مئات الرؤوس من رجال السنة، وبأننا نتلقى المساعدات من إيران· وقبل أن أنهي القراءة، صدر عن إحدى البقرات خوار عال، طلب المصور إثره أن أعيد القراءة· أخرج أحد الرجال، البقرات الثلاث، كي نكمل تصوير مشهد الزريبة·

الصفحات