أنت هنا

قراءة كتاب سيدة الملكوت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سيدة الملكوت

سيدة الملكوت

رواية "سيدة الملكوت"؛ هي نشيد طويل طويل منحاز دون مواربة إلى أنوثة العالم في أجواء متداخلة وحافلة بالسحر والغموض تنساب قصة حب وصراع الكائنين الفانيين / الأبديين..

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
 وقفت وانحنيت دون أن أزيح نظراتي عنها· وقفت لأخلع نعلي الأيمن بهدوء ثم نعلي الأيسر بهدوء، ولأضعهما دونما صوت على العتبة، وأخطو حافياً· وقفت أمام الجسد الأسود الثابت أمامي· جسد الربة الحي· الربة التي أحسها هكذا بانتظاري، حية منذ ثلاثة آلاف سنة بانتظاري· الربة التي بانتظاري وتبتسم· الربة التي تبتسم لي بحنان مخيف···
 
نظرتُ وجه الربة· نظرت وجهها المتكشف كما مرآة لهوّة داخلي· نظرت وجهها القاسي الصلب الذي يمنحه لونه البازلتي الأسود الرقة والجلال· نظرت وجه الربة الذي هو وجه أمي عندما كانت صبية وحنونًا··
 
الجرة التي تمسك بها كفاها دعتني لأشرب ودفعتني إلى الدوران·· بطيئاً حولها· بطيئاً دون أن أزيح نظراتي عن عينيها اللتين تلاحقانني وتريانني حتى عندما أصير خلفها··
 
نظرت وجه الربة· وجهها الذي بدأ بالتغير والتشكل، وجوه نساء ميزت منهن وجه أمي ووجه جميلة، ووجه امرأة أحسست أني أعرفها دون أن أستطيع تحديد ذلك· امرأة لها وجه شجرة مشمش مزهرة بتويجات الربيع·
 
اقتربت من الجرة· اقتربت من فم الجرة الذي ينصب منه الماء بعذوبة وهدوء· وضعت شفتي على فم الجرة دون أن أستطيع إزاحة عيني عن عيني حاملتها التي تعرف ذلك وتبتسم··
 
تذوقت لون الماء الذي أراه في عينيها· تذوقت لون الزمرّد، لون العذوبة التي من نار وألم على شفتيّ، وأحسست مع دفق الملامسة بالرمح الذي يأخذ مكانه بهدوء في قلبي·
 
جلست لاهثاً، مسنداً رأسي إلى ركبتها ومحاطاً بالسكينة والشقاء· وأحسست بيدها تمر على شعري بحنان وتبعث فيّ الأمان·
 
نظرت فوقي· نظرت جديلة شعرها المضفور على شكل (حية) وأصبت بالذهول· (الحيّة) بدت أمامي حية للحظة· حية بعثت فيّ الرعب، غير أن ابتسامة ربتي أعادت إلي السلام· ابتسامة أمي وابتسامة وجه شجرة المشمش إياها التي غيبتني عن إدراك ما يحدث···
 
نعم· لماذا لا أبدأ من صالة المعارض في متحف حلب، التي لم تكن باردة مساء ذلك اليوم من نيسان حيث دخلت قادماً من حجرة الملكة، بخطوات شاردة وقميص مطرّز بقبة من الدانتيل أوحت للجميع بأنني قادم من زمن آخر، ودفعتهم للاندهاش·
 
كانت الصالة كما أحسست بها بعد أن استيقظت من شرودي، تشكل مؤتمراً بهيجاً غير مخطط له من قبل شباب اليسار الذين أتوا من مختلف المدن لتأكيد روح التضامن والمساندة، ولعقد لقاءات العمل السياسي أو الجماهيري المغلف بشرعية العمل الثقافي العادي تحت أعين سلطة تجسسية ترصد حتى حركة النمل·
 
القبلات والمصافحات المنداة بشوق الضائعين، الذين حولوا ماء سرابهم إلى ماء، أيقظت في روحي أجنحة طائر كنت قد كبلته بقسوة إلى أن أستبين خيطي في كبكوبة التساؤلات·
 
رأيت، وأنا أدخل، فراشة كبيرة لم أعرف كيف انبثقت متجاوزة إياي، وطائرة باتجاه الفتاة المأخوذة أمام لوحة عازف الناي، بمزماره الذي يرفع الموجودات حوله من أرض وأزهار ونباتات غريبة إلى مجاهل السماء·

الصفحات