أنت هنا

قراءة كتاب والذكريات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
والذكريات

والذكريات

في كتاب "والذكريات"، تكتب عادة المذكرات من قبل قواد الجيوش أو أساطين السياسة أو علماء الاقتصاد والمخترعين والمكتشفين وأمثالهم، ليطلع عليها بالمستقبل قواد الجيوش في الحروب ويعلموا أسباب من ظفر قبلهم بالحروب أو من دحر الجيش نتيجة الأعمال المغلوطة، أو ليطلع عل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3
طفولتي
 
ولدت في مدينة الموصل بتاريخ 25 كانون الأول 1894 من والدين، السيد محمد سعيد بن عبد الرحمن بن الشيخ عبدالله شمس الدين الدملوجي والسيدة خديجة بنت الشيخ عبد الرحمن العقراوي، ولي سبعة إخوة وأخوات أنا أصغرهم، وفي سنة 1900 توفي والدي ولي من العمر ست سنوات، وكان أخونا الأكبر محمد صديق موظفاً مدنياً في أقضية الموصل الشمالية، ويليه محمد فاروق الذي كان قد سافر إلى إستانبول والتحق بكلية الطب البيطري، ويليه نعمة الله وبالنظر لضعف بنيته، لم يتمكن من الاستمرار بالدراسة، فباشر التمرن على الاعمال التجارية على يد خالنا المرحوم أمين عقراوي تمهيداً للاشتغال بها·
 
وأما أخونا الرابع عبدالله فلم يزل تلميذاً بالمدارس الابتدائية بالموصل، وهكذا بقيت بين يدي السيدة والدتي الصالحة رحمها الله، التي صرفت كل محبتها وجهودها على تربيتي وإدارتي حيث كنت أصغر أولادها·
 
ولما بلغت السادسة من عمري، لم يكن في تلك الأزمنة مدارس حضانة أو روضة أطفال في الموصل حتى ولا في أي من المدن العثمانية فأرسلت إلى دار ملا المحلة الملا محمد التي لا تبعد عن دارنا أكثر من مئة متر، لأتعلم قراءة القرآن الكريم مع كثير من أولاد المحلة·
 
وهكذا بقيت مع الملا محمد مدة ثلاث سنين حتى ختمت القرآن ولم أر خلال هذه السنين من حياتي من مباهج الدنيا ونعيمها سوى بيتنا، وأحياناً أذهب مع والدتي إلى دور أخوالي آل عقراوي، لألعب مع أولادهم أو إلى دار خالتي آل الحاج نعمات الدباغ، وبالطبع دار الملا محمد لقراءة وحفظ القرآن، وعصا المعلمة العجوز التي تراقب الأولاد الذين يتعلمون وعصاها الطويلة والفلقة بجانبها لربط أرجل الولد الذي يخالف أوامرها ولجلده بالعصا·
 
ولم يكن في الموصل في ذلك الزمن غير مدرسة ابتدائية واحدة أو اثنتين، وتبعد عن دارنا مسافة بعيدة جداً، وبالنظر إلى عدم وجود وسائل نقل وصعوبة الذهاب والإياب إلى تلك المدرسة وحيداً، فقد أدخلت مدرسة مسيحية تسمى بيت الباتري القريبة من دارنا، وأساتذتها من المسيحيين العرب وبعض الرهبان، ويديرها راهب فرنسي ويُدرس فيها اللغة العربية والفرنسية وتغلب عليها الصبغة الدينية، وبالطبع تُدرس فيها الدروس الدينية للأولاد المسيحيين، وعندها أخرج أنا ومن معي من الأولاد المسلمين من الصف خلال هذه الدروس أو الصلاة·
 
ولم يمر على دوامي في هذه المدرسة السنة الواحدة، حتى أنذرت الحكومة أهلي بضرورة إخراجي من هذه المدرسة··· إذ لا يجوز إدخال أولاد المسلمين في مدرسة مسيحية حسب عقيدة وعقلية تلك الأزمان، وهكذا أخرجت من هذه المدرسة بعد أن بدأت أتعلم القراءة والكتابة العربية، ولاسيما مبادئ اللغة الفرنسية، وبقيت مدة محروماً من المدرسة والثقافة الابتدائية، حتى قضى الله عودة أخي الطبيب البيطري محمد فاروق إلى العراق·

الصفحات