أنت هنا

قراءة كتاب والذكريات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
والذكريات

والذكريات

في كتاب "والذكريات"، تكتب عادة المذكرات من قبل قواد الجيوش أو أساطين السياسة أو علماء الاقتصاد والمخترعين والمكتشفين وأمثالهم، ليطلع عليها بالمستقبل قواد الجيوش في الحروب ويعلموا أسباب من ظفر قبلهم بالحروب أو من دحر الجيش نتيجة الأعمال المغلوطة، أو ليطلع عل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
السفر إلى بغداد
 
بالنظر إلى قلة المدارس وبعد الموجود منها عن بيتنا وإخراجي من مدرسة بيت الباتري فقد بقيت مدة طويلة بلا مدرسة حتى نقل أخي فاروق من ولاية حلب إلى ولاية بغداد ووصل إلى الموصل في أوائل سنة 1905، وعليه تقرر أن أسافر معه إلى بغداد لإدخالي المدارس الابتدائية فيها، كان أخي عبدالله قد أرسل إلى بغداد قبل سنتين لإكمال تحصيله الإعدادي العسكري في فرع الطب، على أن يسافر إلى إستانبول للالتحاق بالكلية الطبية العسكرية بعد إنهاء دراسة الإعدادية العسكرية في بغداد·
 
وكان أمر سفري إلى بغداد من أهم الأمور الصعبة عليّ، وأنا حتى هذا العمر لم أفارق والدتي ولم أبتعد عن دارنا يوماً واحداً، وكانت سلوتي الوحيدة هي ركوب الحمار حين يأتينا راعي أغنامنا باللبن والحليب والسمن من نتاج أغنامنا مرة كل أسبوع، وعليه عندما أخبروني بأنني سأسافر مع أخي فاروق إلى بغداد، كنت أرفض وأبكي وأتمرد··· وأخيراً وافقت بشرط واحد··· أن يشتروا لي حماراً وساعة أحملها في جيبي وهذا عقل أطفال وقد حصلت الموافقة (فرضياً) على ذلك وتهيأنا للسفر·
 
وكان السفر من الموصل إلى بغداد على الأغلب بواسطة الأكلاك··· والكلك هو عبارة عن سلخ (أي جلد أغنام منفوخة) ويوضح فوقها ألواح خشب، وتربط بعضها ببعض حيث تصبح كسفينة بلا صوار، ويوضع فوقها بضاعة التجار المراد شحنها إلى بغداد وأمتعة المسافرين، وينام المسافرون فوقها··· أما المسافر الذي تساعده حالته المادية، فيرفع فوق الكلك مظلة وتسمى عرشة وهي عبارة عن غرفة من ألواح خشبية، وتغطى بمشمع للوقاية من حر الشمس صيفاً أو الأمطار في موسمها·
 
ومن المعلوم بأن الكلك يطوف ويسير مع مجرى النهر، وفي سبرة من الموصل إلى بغداد يتوقف على مستوى ارتفاع نهر دجلة، ففي موسم الفيضان يقطع هذه المسافة بمدة تتراوح بين ثلاثة أو أربعة أيام، أما في موسم الصيف، فقد لا تقل عن عشرة أيام أحياناً·
 
وبطبيعة الحال وفي كل الفصول والمواسم، فإن الكلك ينحدر مع مجرى النهر من الموصل إلى بغداد فقط، ولا يمكن سيره أو سحبه معكوساً إلى الموصل، وأما المسافرون من بغداد إلى الموصل فيسافرون حسب الحال، على ظهور الحمير والبغال أو الخيل (كما سأبينه عند إيابي المتكرر إلى الموصل)، وهكذا سافرت لأول مرة من الموصل أوائل سنة 1905 مع أخي فاروق وخادمنا ــ من عشرات السنين ــ محمد وكان قد بلغ عمري 10 ــ 11 سنة، وفي الحقيقة وبالنظر إلى الأسباب والظروف التي بينتها آنفاً، فأنا لم أكن سوى طفل مدلل فقط·
 
وكان الموسم معتدلاً ولم تصادفنا أمطار في سفرتنا هذه، وكان ارتفاع نهر دجلة في حالته الطبيعية، وعليه طالت مدة سفرتنا خمسة أيام وأذكر أننا كلما مررنا بمدينة أو قرية على سواحل النهر، كنت أثور وأبكّي نفسي في العرشة، وأطلب أن يشتروا لي حماراً وساعة·· وهكذا إلى أن وصلنا بغداد·
 
ونزلنا في بغداد مؤقتاً في دار أحد أقاربنا شريف بن الحاج خالد الدباغ والتقينا أيضاً بالأخ عبدالله الذي كان يدرس في الإعدادية العسكرية ومقيماً بالمدرسة ليلاً في القسم الطبي، وبعد أيام قليلة استأجرنا داراً في محلة رأس القرية·

الصفحات