أنت هنا

قراءة كتاب والذكريات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
والذكريات

والذكريات

في كتاب "والذكريات"، تكتب عادة المذكرات من قبل قواد الجيوش أو أساطين السياسة أو علماء الاقتصاد والمخترعين والمكتشفين وأمثالهم، ليطلع عليها بالمستقبل قواد الجيوش في الحروب ويعلموا أسباب من ظفر قبلهم بالحروب أو من دحر الجيش نتيجة الأعمال المغلوطة، أو ليطلع عل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
بدء دراستي
 
بعد أن وطدنا سكنانا وأكملنا احتياجاتنا، حان وقت إدخالي المدارس الابتدائية، ولما لم يكن الآن وقت القبول بالمدارس، ولعدم بقائي وحيداً ولمدة طويلة حتى أيام القبول بالمدارس، فقد أدخلني أخي لدى ملا المحلة كما يسمى في الموصل ولاله كما يسمى في بغداد· واللالات هنا في بغداد إيرانيون أو أفغانيون وقليل منهم عرب، والدراسة الأساسية عند اللالات هي القرآن الكريم وبالإضافة إليها يُدرسون القراءة والكتابة التركية وأعمال الحساب الأربع، ومحلات تدريسهم هي الجوامع·
 
وحتى يومنا هذا، لم أتعلم ولم أتكلم كلمة واحدة باللغة التركية، ولما كان رفاقي لدى هذا اللالا قد بدأوا دروسهم قبلي بأشهر، فقد صعب علي جداً مجاراتهم، ولم يمض عليّ مدة طويلة حتى طلب مني اللالا حل بعض المسائل الحسابية بالجمع والطرح والضرب التي لم أسمع بها بحياتي، ولما لم أتمكن من ذلك، أخذ يهينني ويشتمني كل يوم، وبعد أيام قليلة، طلب مني أن أحفظ جدول الضرب، وهنا كنت كما يقول المثل (مثل الأطرش بالزفة) وبعد يومين امتحنني بجدول الضرب، وعندما لم أجب، لزم العصا وأخذ يضربني ضرباً مبرحاً، وعندها فقدت اتزاني وتناولت ما وجد أمامي من محابر ودفاتر وكتب، ورحت أضربه بها وأقصفه من بعد، وهو يلاحقني بالعصا وأنا أهرب من أمامه حتى خرجت إلى الطريق وهرولت هارباً إلى بيتنا باكياً، مما أصابني من عصا هذا اللالا، ومن يومها تركته ولم أذهب إليه، ثم توسط أخي لدى بعض معارفه وأدخلني المدرسة الحميدية الابتدائية (البناء الذي تشغله الآن دائرة الاجراء القانوني والمجاور لأمانة العاصمة) الصف الأول والغاية أن أتعلم ما يمكن تعلمه، ولكي لا أبقى وحيداً، ولا شغل يشغلني حتى نهاية السنة الدراسية الحالية·
 
وقضيت في هذه المدرسة ثلاثة أشهر حتى انتهت السنة الدراسية، وفي الحقيقة أنني هنا بدأت أتعلم الحساب والقراءة التركية والكتابة والإملاء، إلى درجة ما، وكذا بدأت أفيد مرامي إلى درجة ما باللغة التركية·
 
وأتت العطلة الصيفية ولا أمل لي بالسفر إلى الموصل خلال هذه العطلة، إذ لم يمض على مجيئي إلى بغداد أكثر من خمسة أشهر، والسفر من بغداد إلى الموصل في تلك السنين وفي موسم الصيف من أصعب الأمور كما سأبينه عند سفري فيما بعد، وعليه بقيت في بغداد وبي حسرة لرؤية والدتي وإخوتي والموصل، ولكن ليس هناك من مفر· وقد كان الأخ عبدالله قد أكمل دراسته الإعدادية العسكرية ومسافر إلى إستانبول للدخول في الكلية الطبية العسكرية، وهكذا قضيت العطلة الصيفية وحيداً لا مؤنس ولا مسلٍّ لي غير خادمنا الشيخ محمد الذي كان يأخذني أحياناً إلى السوق أو إلى ساحل نهر دجلة، إذ لم يكن حينذاك في بغداد أي متنزه أو حدائق عامة للأطفال والأولاد·

الصفحات