أنت هنا

قراءة كتاب والذكريات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
والذكريات

والذكريات

في كتاب "والذكريات"، تكتب عادة المذكرات من قبل قواد الجيوش أو أساطين السياسة أو علماء الاقتصاد والمخترعين والمكتشفين وأمثالهم، ليطلع عليها بالمستقبل قواد الجيوش في الحروب ويعلموا أسباب من ظفر قبلهم بالحروب أو من دحر الجيش نتيجة الأعمال المغلوطة، أو ليطلع عل

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10
السفر إلى إستانبول
 
بدأت السفر إلى إستانبول على ظهور البغال في أوائل موسم صيف 1912 وكنا 45 خمسة وأربعين تلميذاً، الناجحين إلى الصف الثالث الإعدادي، وبقيادة ضابط، وكنا نسير كل يوم بانتظام كرتل عسكري من مرحلة إلى أخرى ونقضي الليالي تحت الخيم، وكان طريق السير··· بغداد ــ فلوجة ــ رمادي ــ معقبين نهر الفرات حتى دير الزور، وبعد استراحة يومين في دير الزور، استمر السير حتى ــ مسكنة ــ ومنها إلى حلب، حيث بقينا فيها ثلاثة أيام لاستراحة ومنها إلى الاسكندرونة ــ أدنة ــ ثم إلى إحدى محطات السكك الحديدية القريبة من ــ أدنة ــ التي كانت رأس السكة حينذاك، ولم تمد السكة بعد اتجاه ــ أدنة ــ حلب·
 
واستغرقت سفرتنا الشاقة هذه من بغداد حتى ركوبنا القطار مدة أطول من الشهر على ظهور البغال، أخذنا بعدها القطار من المحطة المذكورة (غاب اسمها عن بالي) وسار بنا عن طريق قونية ــ اسكي شهر ــ محطة حيدر باشا، وأخيراً حطينا الرحال في إستانبول بعد هذه السفرة الطويلة·
 
ملاحظة :
 
كانت الصفوف السابقة التي تسافر إلى إستانبول تتّخذ الباخرة من بيروت إلى إستانبول··· إلا أننا لم نتمكن من السفر بالباخرة، لأن الدولة العثمانية كانت لم تزل في آخر أيام حربها مع إيطاليا، وقد شملت ولاية طرابلس الغرب ليبيا والطرق البحرية غير مأمونة، وعليه فقد سافرنا بالقطار عن الطريق المذكور أعلاه·
 
وكان في استقبالنا في المحطة ممثّلون من آمرية الإعدادي والعسكري في إستانبول وكثير من الطلاب العراقيين من الكلية الحربية ومن المدارس المدنية وغيرهم ممن لهم صداقة أو قرابة مع الطلاب الوافدين، ثم نقلنا بالباخرة من ميناء حيدر باشا إلى ساحل القرية حنكل كوي الواقعة على سواحل البسفور، وفي هذه القرية، توجد المدرسة الإعدادية والعسكرية وتسمى مدرسة قله لي وبها الصف الثالث الإعدادي فقط، وفي هذا الصف، يوجد أكثر من 500 خمسمائة طالب تجمعوا من المدارس العسكرية من جميع ولايات الامبراطورية العثمانية·
 
وبعد أن استقررنا بها، زارنا بعض الأصدقاء ومن لهم أقرباء، وقد أرسلت برقية إلى الأخ عبدالله الذي كان حينذاك في الصف الخامس من الكلية الطبية العسكرية في حيدر باشا، وأتاني إلى المدرسة في اليوم التالي·
 
وما زالت المدارس في العطلة الصيفية ولم تبدأ الدروس فيها إلا بعد أسبوعين من وصولنا، ولا حاجة للقول إن الضبط والربط والروح العسكرية متجلية تماماً هنا أكثر بكثير مما كانت في مدارس بغداد، وقد تفرقنا منذ وصولنا على السرايا والفصائل وتوزعنا على قاعات النوم وغرف الطعام وغيرها·
 
وقد حدثت حادثة يوم وصولنا إلى المدرسة المذكورة عندما دخلنا غرفة الطعام أوَّل مرة، فقد شاهدنا على أحد جدرانها لوحة كبيرة مكتوباً عليها الآية القرآنية الكريمة:ــ
 
{إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا}
 
وبعد المداولة بيننا نحن العراقيين والسوريين وغيرهم من الطلاب العرب في المعنى المقصود من تعليق هذه الآية الشريفة في المطعم، قررنا جميعاً نحن العرب ألاّ ندخل هذا المطعم ثانية قبل أن ترفع هذه اللوحة، وأخبرنا آمرية المدرسة أن غاية الطالب الذي ينتسب إلى السلك العسكري المشرف هي أن يهيّئ نفسه للجهاد والحرب وسفك دمه وروحه للدفاع عن الوطن، وليس كلاجئ أو متسول، وعليه فإن إطعامنا في المدرسة لم يكن في سبيل الله، وطلبنا رفع اللوحة المذكورة مع كل احترامنا للآية القرآنية الشريفة·
 
وبالفعل رفعت اللوحة في نفس اليوم، وقد علمنا أن هذه اللوحة كانت قد علقت في زمن السلطان عبد الحميد الثاني، وبعد أيام بدأت الدروس والمحاضرات النظرية والتدريب العسكري، وتسلّمنا البنادق وباشرنا التدريب على استعمال الأسلحة الخفيفة·

الصفحات