أنت هنا

قراءة كتاب الأبيض والأخضر.. رحلة في أسرار المكان والزمان في المغرب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأبيض والأخضر.. رحلة في أسرار المكان والزمان في المغرب

الأبيض والأخضر.. رحلة في أسرار المكان والزمان في المغرب

تدوين الرحلة حفظ لذاكرة الحدث وللتفاصيل التي لا تستعاد، وأرشفة لتخليد اللحظة المعاشة. والكتابة عن البلدان والناس والأماكن والشوارع والمقاهي والمحطات كتابة قديمة قدم الإنسان لارتباطها بدهشة الاكتشاف الأول للآخر والمجهول.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3
ربطني بالمغرب رابط قوي جدا وهو الدم حيث امتزجت الدماء المغربية عن طريق زوجتي بدمائي لتتكون من خلال أولادي عائلة مشرقية مغربية! وهذا التزاوج أثّر في مجمل حياتي· حتى المطبخ قد تغير فأصبح مزيجا من المطبخ الخليجي والمغربي! بل إن الشاي الأخضر أو كما يسميه أهل المغرب الأتاي قد حلّ في بيتنا مكان الشاي الأسود!
 
لكن ليس درجة القربى ما جعلني أحب هذا البلد على نحو خاص، فكل المغاربة الذين التقيت بهم في المغتربات، وحتى قبل أن أرى المغرب، أثّروا في حياتي عميقا· فهم مثال للطيبة والكرم وللإنسان المهاجر المكافح، لذا فالجالية المغربية في مختلف الدول التي استقروا فيها هم في الواقع أكثر الجاليات حبا للسلام على الإطلاق، بل أكثرها حبا للعمل· فالمغربي بطبعه إنسان مسالم، يندمج سريعا في المجتمعات ويعطيها الكثير بالقدر الذي يأخذ منها في علاقة تبادل مع الآخر نادرة·
 
كل المدن المغربية أثّرت بي بشكل أو بآخر· ومنها كلها أفدت· والمغرب من البلدان النادرة التي تتنوع أجواء مدنه وقراه، فلا مدينة تشبه الأخرى، كل مدينة لها خصوصيتها، تاريخها، تراثها ، ونكهتها! وهذا ما يجعل السياحة في المغرب من أثرى السياحات·
 
أما أن تكون طنجة قد جذبتني أكثر من غيرها فلهذا الانجذاب في الحقيقة قصة طويلة، لكن هذا لا يعني أن المدن الأخرى مثل فاس والرباط وغيرها لم يكن لها سحرها وألقها، بل على العكس ففي الإختلاف غنى طرد ملل التكرار والتشابه·
 
لكن طنجة هي بلد الرحّالة الشهير شمس الدين الطنجي ابن بطوطة الذي تحل الذكرى المئوية السابعة لمولده هذا العام، وكان قد بدأ رحلته الشهيرة التي استغرقت أكثر من ربع قرن انطلاقا من طنجة! ومن المصادفات أو المفارقات الساخرة في الحقيقة أن يأتي الناس من كل مكان لكي يكتبوا عن طنجة مدينة ابن بطوطة! بينما ابن طنجة كتب عن بلدان وبلدان عبر رحلاته في قارات العالم القديم! بل إن رحالة الزمن الحديث مثل (جينيه وتينسي وليامز وبول بولز) أصروا ألاّ يفارقوا مدينة ابن بطوطة بعد وصولهم إليها! (هل هذا من أسرار الزمان والمكان في المغرب!؟)·
 
وأعود إلى أدب الرحلات فهو عموما أدب عريق جدا، لكن كان قد غلب عليه في الماضي السرد والوصف، وهو أمر كان يستدعيه عنصر الدهشة الذي ينتج عن قلة وسائل الاتصال بين مدن العالم وتباعد الجغرافيا آنذاك، لذا كان عنصر المفاجأة كبيرا، وكان للأشياء سحرها الخاص، وللاختلاف نكهة مثيرة، لذلك لم يكن ثمة من وسيلة لنقل ما يحدث في أي مكان في العالم القديم سوى ما يكتبه الرحالة، وليس كل الرحالة بالطبع كتّابا! فالرحالة العاديون ينقلون ما يرونه من عمران وعادات وتقاليد وأنماط سلوك وأزياء وغير ذلك شفاهة، لذا تصبح أغلب رواياتهم بعد أن يتداولها الناس مبالغا فيها، بل أشبه بالأساطير· أما اليوم فإن العالم قد أصبح أصغر مما نتوقع، وتنقل إلينا الكاميرا كل ما دار ويدور في العالم· لم يبق شيء إلا والتقطته هذه الآلة الجهنمية: العدسة! التي يقال إن أول من اخترعها هم البابليون!

الصفحات