أنت هنا

قراءة كتاب نهاية السيد واي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نهاية السيد واي

نهاية السيد واي

كتاب " نهاية السيد واي " ، تأليف سكارلت توماس ترجمه إلى العربية إيمان حرزالله ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 6

لكنّ لعلّ لها أسبابًا أخرى، حيث كان لوماس خارجًا عن المألوف بتفضيله لعالِم الأحياء الثوري لامار(8) (الذي يقول إنّ الكائنات الحيّة تورِّثُ سلالاتها الصفات المكتسبة بالتعلّم) على داروين (الذي ينفي ذلك)، في وقت كان الجميع حتّى صمويل باتلر(9) ـ الذي وُصف بأنّه «أعظم مُرجف في القرن التاسع» ـ يميلون لفكرة أنّنا جميعًا، حقًّا، مخلوقات داروينية متبدّلة. كتب لوماس خطابات للتايمز ينتقد فيها ليس فقط معاصروه، بل كافّة أعلام تاريخ الفكر بمن فيهم أرسطو(10) وبيكون(11). كان مولعًا بفكرة وجود بُعد مكاني رابع وكتب عنه قصصًا غيبية عديدة أزعجت، لسببٍ ما، هؤلاء الذين لا يعتقدون في وجود بُعد آخر، فكان ردّه عليهم: «لكنّها مجرّد قصص!» برغم علم الجميع أنّه يستخدم قصصه أساسًا كوسيلة لتوضيح أفكاره الفلسفية المتعلّق أغلبها بطبيعة الفكر وتطوّره، لا سيّما الفكر العلمي، كان كثيرًا أيضًا ما يصف أعماله الروائية بأنّها «تجارب فكرية».

إحدى قصصه الأكثر إمتاعًا بعنوان «الغرفة الزرقاء» تحكي عن فيلسوفَين دُعيا لحفل في أحد القصور، وبطريقة ما ضلّا طريقهما فيه وهما ذاهبان للعب البلياردو مع مضيفهما وانتهى بهما الأمر إلى غرفة زرقاء في الجناح (المزعوم أنّه) مسكون بالأشباح. للغرفة بابان في جداريها الجنوبي والشمالي وسلم حلزوني في وسطها. يرى أحدهما أن يصعدا السلّم، ويرى الآخر أن يغادرا من أحد البابين. لا يتّفقان على شيء حتّى ينتهي بهما الجدل إلى مسألة وجود الأشباح. يرى أحدهما أنّه لا داعي للخوف لأنّه لا يوجد شيء يُدعى أشباح، ويوافقه الآخر أنّه لا داعي للخوف لأنّه لم يسبق له ورأى شبحًا قطّ لذلك فالأشباح لا وجود لها. متّفقان على أنّه لا يوجد أشباح ومتحمّسان لأنّهما اتّفقا على شيء، يغادر الفيلسوفان الغرفة من الباب الذي دخلا منه في محاولة للرجوع أدراجهما للحفلة. لكن بدا أنّ الجناح الأزرق بالقصر مصمّم بطريقة غير معهودة، إذ وجدا حين خرجا من الغرفة دهليزًا يفضي لسلّم حلزوني حين هبطاه وجدا نفسيهما مرّة أخرى في الغرفة الزرقاء، وحين جرّبا الباب الآخر حدث لهما الشيء نفسه، لكنّهما حين صعدا السلّم الحلزوني، بالطبع وجدا أحد البابين، أيّما طريق يسلكانها يؤول بهما الأمر للغرفة الزرقاء.

يوجد القليل من الأبحاث الأكاديمية عن لوماس بوصفه شخصية تاريخية، وعشر دراسات تقريبًا عن روايته التفاحة في الحديقة. وليس له سيرة ذاتية. في تسعينيات القرن العشرين نسب إليه باحثون من أنصار نظرية الكوير(12) بكاليفورنيا، أو بالأحرى نسبوا ليوميّاته ـ التي قد تجد فيها من بين أشياء أخرى ـ سونيتات إيروتيكية مثلية عن بعض شخصيّات شكسبير الذكورية. لا أعرف ماذا حدث للباحثين المثليّين الآن، لعلّهم فقدوا اهتمامهم بلوماس، الأغلبية تفقد اهتمامها به، وعلى حدّ علمي لا يوجد تقريبًا شيءٌ مكتوب عن نهاية السيِّد واي، كلّ ما كُتب عنها كتبه سول بيرلوم.

منذ ثمانية أشهرٍ ناقش سول بيرلوم بحثًا بعنوان «لعنة السيِّد واي» في مؤتمر بجرينيتش أمام حضور اقتصر على أربعة أفراد من بينهم أنا، لم يكن بيرلوم قد قرأ نهاية السيِّد واي لكنّه ناقش بدلًا من هذا الزعم بمسألة «اللعنة». كانّ صوته جافًّا مطحونًا. واقفًا بانحناءة طفيفة غير منفّرة، تحدث عن اللعنة بوصفها جرثومة وأعمال لوماس بوصفها جسد كائن حيّ هاجمته تلك الجرثومة وقدره ربّما أن يصير إلى زوال. ناقش أيضًا مسألة المعلومات التي تتعفّن لقلّة تداولها، وختم كلامه بأنّ كتاب لوماس أصابته اللعنة فعلًا، ليس بغيابه، وإنّما بآراء الراغبين في إنكاره.

بعد المحاضرة تمّ ترتيب حفل استقبال في القاعة المرسومة والتي كانت مزدحمة بمتابعي عالِم معروف كان يلقي محاضرة في نفس توقيت محاضرة بيرلوم وكان يستقبل المعجبين في القاعة السفلى الكبيرة أسفل صورة لكوبرنيكوس(13). كنت قد فكرت أن أستمع لمحاضرته لكنّي سررت باختياري بيرلوم بدلًا منه. الآخرون من مستمعي بيرلوم لم يحضروا الحفل ـ رجلان يبدوان كمفتّشي ضرائب سوى أنّهما أشقران، وامرأة في عقدها السادس لها شعر رمادي بخُصلة وردية ـ وهكذا بدأت أنا وبيرلوم بالنبيذ الأحمر، ثملنا سريعًا ونحن مختبئون في ركنٍ ناءٍ بالقاعة العليا. كان يرتدي معطفًا طويلًا من الصوف الرمادي تحته قميص وسروال أسودان. لا أتذكّر ماذا كنت أرتدي.

«هل ستقرؤها إذن»؟ سألته، أقصد بالطبع نهاية السيِّد واي.

«بالتأكيد»، قال مبتسمًا ابتسامته الغريبة. «وأنت؟».

«قطعًا، خاصّة بعد هذا».

«جيّد». قال.

لم يبدُ على بيرلوم أنّه يعرف أحدًا ممّن في القاعة السفلى، ولا أنا، ولم يحاول أيّ منّا مغادرة الرُّكن والاختلاط بالآخرين: عن نفسي لست ماهرة في هذا وكثيرًا ما أُزعج الآخرين دون قصد، وعن بيرلوم لا أعرف ماذا كانت حجّته ـ لعلّه لم يكن قد انزعج منّي بعد ـ انتابني طوال الوقت الذي قضيته في القاعة المرسومة شعور طفيف بأنّني قطعة في صندوق شوكولاتة كبير وسط كلّ تلك التشكيلات البنية والكريمية والذهبية والحمراء في لوحات ضخمة بدت كما لو كانت تذوب من حولي. لعلّنا ـ أنا وبيرلوم ـ كنّا الحشو الداخلي الصلب الذي لا يرغب فيه أحد، إذ لم يأتِ للقاعة العليا أحد غيرنا طوال الوقت الذي قضيناه هناك.

«لا أصدق عدم حضور المزيد من الجمهور لحديثك». قلت.

«لا أحد يعلم بوجود لوماس»، قال. «معتاد».

«ظنّي أيضًا أنّك كنت مقابل السيِّد مشهور». قلت.

ابتسم بيرلوم مجيبًا: «جيم لاهيري، لعلّه هو الآخر لم يسمع بلوماس قطّ».

«نعم» أوافقه. لقد قرأت كتابه الأكثر مبيعًا في العلوم العامّة عن نهاية الزمان وأعرف أنّه حتّى وإن كان سمع بلوماس فلم يكن ليتّفق معه. للعلوم العامّة في هذا الزمن أن تزعم أشياء جامحة للغاية، ومع ذلك لم يزل الغيب خارج نطاقها، وكذلك لامار. يمكنك أن تزعم بوجود عدد ما يحلو لك من أبعاد طالما لا يتضمّن أيٌّ منها أشباحًا أو تخاطُرًا أو شيئًا يكدر صفو تشارلز داروين، أو يحبّه هتلر (بعيدًا عن تشارلز داروين).

أخذ «بيرلوم» زجاجة النبيذ وأعاد ملء كأسينا ثم عقد حاجبيه وهو ينظر لي قائلًا: «لماذا أنتِ هنا إذن؟ طالبة؟ إن كنتِ تعملين على لوماس كنت بطبيعة الحال سأعرفك».

الصفحات