أنت هنا

قراءة كتاب جوهر الإنسان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جوهر الإنسان

جوهر الإنسان

يتناوَل هذا الكتاب أفكاراً كانت قد قُدِّمَت في بعض كتبي الأولى، ومحاولات لتعميقها وتطويرها. ففي "الهروب من الحريّة" ناقَشتُ مُشكلة الحرية بالإضافة إلى السادية والمازوخية والتدميرية.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

يُعتبر السؤال حول ما إذا كان الإنسان ذئباً أم خروفاً مجرد صيغة خاصة لسؤال شكّل ـ في أوجهه الأوسع والأكثر عموميّةً ـ إحدى أكثر المشكلات أساسيةً في الفكر الفلسفي والديني الغربي: هل الإنسان في جوهره شرير وفاسِد، أم أنّه خَيّرٌ وكامل؟ لا يقول العهد القديم بفساد الإنسان من حيث الجوهر. حيث لا يُدعى عصيان آدم وحوّاء لله بالخطيئة، وليس هناك في أي مكان منه ولو إشارة على أنّ هذا العصيان قد أفسدَ الإنسان. على العكس، إن ّالعصيان هو شرطٌ لوعي الإنسان لذاته، ولقدرته على الاختيار، وبالتالي فإنّ سلوك العصيان الأوّل هذا هو ـ بالتحليل الأخير ـ خطوة الإنسان الأولى نحو الحريّة. ويبدو أنّ عصيانهما هو نفسه ضمن خطّة الله، إذ إنّه وفقاً للفِكر الرسولي، وبسبب طرد الإنسان من الجنّة غدا الإنسان قادراً على صنع تاريخه الخاص، وتطوير طاقاته البشريّة، وتحقيقِ تناغُمٍ جديد مع أخيه الإنسان والطبيعة، كَفَردٍ كامل النمو بدلاً من التناغُم السابق الذي لم يكُن فيه فرداً بَعد. ويتضمّن مفهوم الأنبياء في المسيحية الجزم بأنّ الإنسان غير فاسد من حيث الأساس، وأنه يُمكن إنقاذهُ بدون أيّة مِنَّةٍ إلهيّة. إلا أنّ ذلك لا يتضمّن أنّ إمكانيّة الخير هذه ستفوز بالضرورة. فإذا ارتكبَ الإنسان شرّاً فسيُصبِحُ أكثر شرّاً. عندئذٍ "يقسو" قلب فرعون لأنّه يواصل فِعل الشَّر، وتتزايد قساوته إلى الحد الذي يتعذّر معه حدوث أي تغيير أو توبة. ويُقَدِّم العهد القديم أمثلةً على فِعل الشّر ـ على الأقل ـ بقدر ما يُقَدِّم على فِعل الخير، وهوَ لا يستثني حتى أشخاصاً رفيعي المقام مثل الملك داؤود من قائمة مُرتَكبي الشّر. ويقول العهد القديم بامتلاك الإنسان كلتا القُدرَتين: فعل الخير وفعل الشَّر، وأنّه على الإنسان الاختيار بين الخير والشّر، البركة واللعنة، الحياة والموت. ولا يتدخّل حتى الله في خياره هذا، بل هو يساعدهُ عَبرَ إرسال رُسُلهِ، الأنبياء، ليعَلِّموه المبادئ التي تقودهُ لإدراك الطيبة والصَلاح، ومعرفة الشّر، والتحذير والاحتجاج. ولكن بعد ذلك، تُرِكَ الإنسان لوَحدهِ في مواجهة الاختيار بين "كفاحين": الكفاح في سبيل الخير والكفاح في سبيل الشّر، والقرار هو قرارهُ وَحده.
أما التطوير المسيحي فكانَ مُختَلفاً. ففي سياق تطوير كنيسةٍ مسيحية، اعتُبِرَ عصيان آدَم خطيئةً. وهو خطيئة إلى الحد الذي أفسَدَ طبيعته وطبيعة نسلهِ كلّه، وبالتالي لن يتمكّن بجهوده هو من التخَلّص من فسادهِ هذا.وحدها قوة الله وظهور المسيح،الذي مات من
أجل الإنسان، يمكن أن تخلص الإنسان من فساده، وتقدم الخلاص لأولئك الذين قبلوا المسيح.
إلا أنّ عقيدة الخطيئة الأصلية لم تُقبل أبداً في الكنيسة بدون أيّة معارضة. حيث هاجمها "بيلاجيوس" إلا أنه هُزم. ومال إنسانيّو عصر النهضة ضمن الكنيسة لإبعادها ـ مع أنهم لم يستطيعوا مهاجمتها أو إنكارها بشكل مباشر ـ في الوقت الذي كان ذلك ما فعله تماماً العديد من الهراطقة. وقد كان للوثر نظرة أكثر جذرية إلى الفساد والشر المتأصل في الإنسان، في حين سيأخذ مفكرو عصر النهضة والأنوار لاحقاً خطوة متطرفة في الاتجاه المعاكس. حيث ادّعى هؤلاء الأخيرون أن كل الشر الذي في الإنسان ليس إلا نتيجة للظروف، وبالتالي لم يكن هنالك من خيار حقاً لدى الإنسان. غيِّر الظروف التي تنتج الشر فيأتي الخير المتأصل في الإنسان تلقائياً، هكذا فكروا. لقد سبقت وجهة النظر هذه فكر "ماركس" وخلفائه. كان الاعتقاد بخير الإنسان نتيجة للثقة بالنفس الجديدة لديه والتي اكتسبها نتيجة للتقدم السياسي والاقتصادي الهائل الذي بدأ في عصر النهضة. في المقابل، فإن الإفلاس الأخلاقي للغرب الذي بدأ في الحرب العالمية الأولى وقاد بعد هتلر وستالين وكوفنتري وهيروشيما إلى التحضير الحالي للإبادة الكونية، جلب معه مجدداً التأكيد التقليدي على ميل الإنسان للشر. كان هذا التأكيد الجديد ترياقاً ضد الاستخفاف بالقدرة المتأصّلة للشر في الإنسان، إلا أنّه في ذات الوقت استُخدِمَ للسخرية من أولئك الذين لم يفقدوا إيمانهم بالإنسان، وذلك أحياناً إما من خلال سوء فهم أفكارهم أو حتى تشويهها.

الصفحات