أنت هنا

قراءة كتاب جوهر الإنسان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جوهر الإنسان

جوهر الإنسان

يتناوَل هذا الكتاب أفكاراً كانت قد قُدِّمَت في بعض كتبي الأولى، ومحاولات لتعميقها وتطويرها. ففي "الهروب من الحريّة" ناقَشتُ مُشكلة الحرية بالإضافة إلى السادية والمازوخية والتدميرية.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

إنني كواحد من الذين غالباً ما تمَّ تشويه أفكارهم وعرضها على أنّها تستخفّ بقدرة الشَر لدى الإنسان، أوَدّ التأكيد على أنّ هذه التفاؤليّة الوجدانيّة ليست بطابع أفكاري. وسيكون من الصعب حقّاً على أي شخص يتمتّع بخبرةٍ سريرية طويلة كمحلِّل نَفسي، أن يستخف بالقوى التدميرية الكامنة في الإنسان. فهو يرى في المَرضى ذوي الحالات الشديدة هذه القوى أثناء عملها، ويختبر الصعوبة الهائلة عند محاولة إيقافها أو توجيه طاقاتهم في اتّجاهات بنّاءة. وسيصعب أيضاً على أي شخص كان قد شهد الاندفاع الانفجاري للشّر والتدميرية منذ بدء الحرب العالمية الأولى، ألا يرى قوّة وشدّة التدميرية البَشَريّة. ومع ذلك هناك خطر الإحساس بالعجز الذي يعتصر الناس اليوم ـ جميعهم من أكثرهم عاديّة إلى أكثرهم ثقافةً ـ أمام تلك القوّة المتزايدة باضطراد، الأمر الذي قد يؤدّي بهم إلى قبول نسخةٍ جديدة من الفساد والخطيئة الأصليّة تسمح بعقلنة المنظور الانهزامي الذي يقول بعدم إمكانيّة تجنّب الحرب لأنّها النتيجة الطبيعية لتدميرية الطبيعة البشريّة. مع أنّ هذا المنظور الذي يتباهى بذاته على أساس واقعية مُتقَنة مزعومة، هو غير واقعي لسببين. أوّلاً، لا تتضمّن شدّة الكفاح التدميري ـ ولا بأي شكل من الأشكال ـ أنّه لا يقهَر، بل ولا تتضمن حتّى هيمنته وسيادته. أما المغالَطة الثانية في هذا المنظور فتكمن في أنّ الحروب تنتج عن قِوىً نفسيّة. وبالكاد هناك ضرورة لمناقشة مغالَطة "العقائديّة النفسية" هذه عند محاوَلة فهم الظواهر الاجتماعيّة والسياسيّة. إذ أنّ الحروب هي نتيجة لقرار القادة السياسيين والعسكريين ورجال الأعمال بِشَن الحرب من أجل اكتساب أراضٍ جديدة، أو موارِد طبيعيّة، أو امتيازات تجاريّة؛ أو من أجل الدفاع ضدَّ تهديدات حقيقيةٍ أو مزعومة لأمنهم القوميّ من قِبَل قوَّةٍ أُخرى، أو من أجل تعزيز مجدهم ومقامهم الشخصي. ليس هناك أي اختلاف بين هؤلاء الرجال والبشر العاديين: هم أنانيّون، لكن قدرتهم على إنكار مصلحتهم الشخصيّة من أجل الآخرين محدودة تماماً، إنّهم ليسوا بمتوَحّشين ولا بفاسدين. وعندما يَصل رجال كهؤلاء ـ في الحياة العادية ربّما هم أخيار أكثر منهم أشرارـ إلى مواقع في السلطة يستطيعون فيها أمرَ ملايين الناس والتحكُّم بأشد الأسلحة تدميراً،و قد يتسَببون بضررٍ هائل. ففي الحياة العادية قد يُدمّرون مُنافِساً ما، أما في عالَمٍ الدوَلٍ ذات السطوة والتجَبُّر (ونقصد بالتجبُّر عدم خضوع الفرد لأي قانونٍ أخلاقيّ يُقَيّد سلوك الدولة المُتَجبرة)، فهم قد يُدَمّرون العرق البشريّ بأكمله. إنّ خطر "إنسانٍ عادي ذو قوّة غير عاديّة" هو الخطر الأعظم الذي يتهدّد الجنس البشري، وليس العفريت أو السادي. ولكن، وكما يحتاج المرء أسلحةً لمواجهة حَربٍ ما، يحتاج لرغبات الكراهية والنقمة والتدميرية والخوف من أجل دَفع ملايين الناس للمُخاطَرة بحيواتهم والتحوّل لِمُجرمين. تُعتبر هذه الانفعالات شروطاً ضرورية لِشن الحروب، إلا أنّها ليست أبداً أسبابها، إلا إذا اعتبرنا الأسلحة والقنابل أسباباً للحروب. وقَد عَلَّق الكثير من المراقبين أنّ الحرب النووية تختلف في هذا الصَدد عن الحرب التقليدية. فالرجل الذي سيضغط زر إطلاق القذائف النووية ـ وهي قذائف ستقتل مئات آلاف الناس، لن يعرف بالكاد سوى شعور وخبرة قتل أي أحَد بالمعنى الذي يعرفه جنديّ اختبرَ القتل بالحَربة أو الرشّاش. ومع ذلك، ومع أنّ سلوك إطلاق الأسلحة النووية ليس، من حيث الوعي، أكثر من طاعة عمياء لأمرٍ ما، يبقى هناك سؤال حول ما إذا كان في الطبقات الأعمق للشخصية ـ أم لم يكن ـ لامبالاة عميقة بالحياة ـ هذا إذا لم تكن هناك ثورانات تدميرية ـ لتجعل من سلوكيات كهذه أمراً ممكناً.
سأشير هنا إلى ثلاث ظواهر تُشّكّل– في رأيي ـ أساس أشَدّ أشكال التوجيه البشري خطراً وفساداً. تلك الظواهر هي: حبّ الموت، النرجسيّة الخبيثة، التثبيت السفاحيّ التعايشيّ. وتشَكل هذه التوجّهات الثلاثة عند اجتماعها "متلازمة انحلال"، تدفع الإنسان للتدمير من أجل التدمير، والكره من أجل الكراهيّة. وفي مقابل "متلازمة الانحلال" سأصف "متلازمة نمو" تقوم على حب الحياة (مقابل حب الموت)، والإنسانية (مقابل النرجسيّة)، والاستقلاليّة (مقابل التثبيت السفاحي ّالتعايشيّ). هذا ولا يُلاحظ التطور الكامل لإحدى هاتين المتلازمتين دون الأُخرى إلا عند قلّة من الناس. إلا أنّه في ذات الوقت لا شكّ أبداً في أن الإنسان يمضي في اتّجاهٍ هو مَن اختاره: إمّا الحياة أو الموت، إمّا الخير أو الشّر.

الصفحات