أنت هنا

قراءة كتاب سحر الواقع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سحر الواقع

سحر الواقع

كتاب سحر الواقع، لكاتبه ريتشارد دوكينز، والذي ترجمه للعربية المترجم عدنان علي الشهاوي، الواقع هو كل ما له وجود، ويتحقق على الدوام، أليس كذلك؟ لكن الأمر ليس كذلك، هناك مشاكل عديدة.

تقييمك:
2
Average: 2 (2 votes)
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 3

العلم والخوارق.. التفسير ونقيضه

إذن ذلك هو الواقع، وتلك هي الكيفية التي نعلم بها إذا كان شيء ما يمثل واقعًا أم لا. وكل فصل من هذا الكتاب سيدور حول وجه معين من وجوه الواقع، على سبيل المثال، الشمس أو الزلازل، أو أقواس قزح، أو الأنواع المختلفة المتعددة من الحيوانات.
والآن أريد أن أنتقل إلى الكلمة الأساسية الأخرى في عنوان هذا الكتاب: السحر. والسحر كلمة مراوغة: يشيع استخدامها بثلاث طرق مختلفة، وأول ما يجب عليّ عمله هو التمييز بينها. وسوف أُطلق على الطريقة الأولى «السحر الخارق»، والثانية «سحر العرض المسرحي»، والثالثة (التي هي المعنى المفضّل لدي، والتي أقصدها في عنوان هذا الكتاب) «السحر الشاعري».
السحر الخارق؛ هو نوع من السحر نجده في روايات الأساطير والجان. (وفي «المعجزات» أيضا، على الرغم من أنني سأنحّيها جانبا الآن ثم أعود إليها في الفصل الأخير). إن سحر مصباح علاء الدين، وتعويذات المشعوذ، والأخوة جريم Brothers Grimm، وهانز كريستيان أندرسن Hans Christian Andersen ، وجي. كي. رولنج J.K. Rowling هو السحر الخيالي لساحرة تتمتم بتعاويذ وتحوِّل أميرًا إلى ضفدع، أو لساحرة طيبة من الجان تحوِّل ثمرة قرع العسل إلى عربة وضاءة تجرها الخيول. هذه هي الحكايات التي نتذكرها جميعا بحنين من طفولتنا، ولا يزال الكثيرون منّا يستمتعون بها عند تقديمها في عرض تمثيلي صامت في أعياد الكريسماس التقليدية، بيد أننا جميعا نعلم أن هذا النوع من السحر مجرد خيال لا صلة له بالواقع.
في المقابل، فإن سحر العرض المسرحي يحدث حقيقة، وبإمكانه أن يشيع الكثير من البهجة. أو على الأقل، هو شيء يحدث في الواقع، رغم أنه ليس الشيء الذي يفكر فيه المشاهدون. رجل يعتلي خشبة مسرح -عادة ما يكون رجلا، لسبب ما- يخدعنا بالتفكير في أن شيئا مثيرا للدهشة تجري أحداثه ـ بل ربما يبدو خارقًا للمعتاد ـ بينما ما حدث في الواقع كان مختلفًا تمامًا. فلا يمكن للمناديل الحريرية أن تتحول إلى أرانب، والضفادع إلى أمراء، فما نراه على خشبة المسرح مجرد نوع من الخداع. إن عيوننا تخدعنا، أو بالأحرى، يبذل الساحر جهدًا كبيرًا ليخدع عيوننا، ربما كانت مهارته في استخدام الكلمات تتيح له إبعادنا عما يفعله في الواقع بيديه.
بعض من يستحضرون الأرواح يتسمون بالأمانة ويخرجون عن مسارهم ليؤكدوا أن مشاهديهم يدركون أن ما يفعلونه ببساطة مجرد خداع. وأنا هنا أفكر في أناس مثل جيمس راندي «العجيب»، أو بن Penn وتِلر Teller، أو ديرين براون Derren Brown وحتى رغم أن هؤلاء السحرة الذين يحوزون الإعجاب عادة ما لا يقولون للمشاهدين بالضبط كيفية أدائهم للخدعة ـ يمكن استبعادهم من دائرة السحر(*) (نادي العاملين بتحضير الأرواح) إذا ما فعلوا ذلك ـ فهم يؤكدون أن المشاهدين يعلمون أنه لا يوجد سحر خارق متَضمَّن. وثمة آخرون لا يعلنون بوضوح بأنها كانت مجرد خدع؟ غير أنهم لا يطلقون ادعاءات مبالغاً فيها حول ما يفعلون أيضا، على الأرجح هم فقط يتركون الجمهور أسيرا لأحاسيس مبهجة بأن شيئا يكتنفه الغموض يحدث، من دون أكاذيب صريحة حوله. لكن لسوء الحظ هناك بعض محضِّري الأرواح المحتالين، يتظاهرون بأنهم يمتلكون قوى «خارقة للعادة» أو «يتعذر تعليلها»؛ ربما يزعمون أن باستطاعتهم فعليّا ثني المعادن أو تعطيل الساعات عن طريق قوة التفكير فقط. وبعض هؤلاء المحتالين الدجالين («المشعوذين» هي الكلمة المناسبة لتوصيفهم) يتحصّلون على أجور عالية من شركات التعدين أو البترول من خلال ادّعاء قدرتهم على استخدام قوى استشرافية في الإبلاغ عن الموضع الملائم لأعمال الحفر. ويستغل مخادعون آخرون من يعانون من الحزن، إذ يدّعون القدرة على الاتصال بموتاهم. وما إن يحدث ذلك سرعان ما يصبح مادة للفكاهة والتسلية، لكن باستغلال سذاجة الناس وآلامهم. ومن باب الإنصاف، ليسوا كلهم مخادعين، ربما يعتقد بعضهم بحق أنهم يتحدثون إلى الموتى.
المعنى الثالث للسحر هو ما أعنيه في عنوان كتابي هذا: السحر الشاعري. إذ تنساب دموعنا مع قطعة موسيقية جميلة ونصِفُ طريقة عزفها بأنها «عزفٌ ساحرٌ». ونحدّق في النجوم في ليلة مظلمة غاب فيها القمر أو أنوار المدينة، نقول إن المشهد «سحرٌ خالصٌ» ونحن مقطوعو الأنفاس من البهجة. ولعلنا نستخدم الكلمة ذاتها لنصِفَ غروب شمس بديع، أو منظرا طبيعيا لجبال شاهقة، أو قوس قزح في مواجهة سماء داكنة. بهذا المعنى، تعني كلمة «ساحر» ببساطة التحرك العميق، الانتعاش: شيء ما يمنحنا قشعريرة، شيء ما يجعلنا نشعر أننا أحياء على نحو أكثر عمقا. يحدوني أمل أن أوضح لك في هذا الكتاب أن الواقع ـ حقائق العالم الفعلية التي يمكن فهمها بالوسائل العلمية ـ ساحر بهذا الحس الثالث، الحس الشاعري، المناسب لكي يصبح الحس الحي.
الآن أريد العودة إلى فكرة العمل الخارق وأوضّح لماذا لا يمكن أبدا أن تقدم لنا معنىً حقيقيا للأشياء التي نراها في الدنيا والكون من حولنا. حقا، إن الزعم بوجود تفسير خارق لشيء ما لا يمكن أن يطرح تعليلا له على الإطلاق، والأسوأ من هذا، استبعاد أي احتمال لإمكانية تفسيره بشكل نهائي. لماذا أقول ذلك؟ لأن أي شيء «خارق» يجب بالتعريف أن يكون بعيدا عن الوصول إليه من خلال تفسير طبيعي، بل يجب أن يكون بمنأى عن العلم. وعما ترسّخ، في المعرفة وجُرِّب، وفُحِص علميا من وسائل أضحت مسؤولة عن التطورات الهائلة التي نتمتع بها على مدى الـ 400 عام الأخيرة تقريبا. والقول؛ إن شيئا ما خارقا يحدث ليس كالقول: «نحن لا نفهمه» لكنه يشبه القول: «نحن لن نفهمه قط، لذلك لا يجب عليك حتى المحاولة».
غير أن العلم يتخذ النهج المضاد على وجه الدقة. ويتقدم العلم بثبات، يدفعه إلى ذلك عجزه ـ حتى الآن ـ عن تفسير كل شيء، ويستخدم ذلك كدافع لنواصل طرح الأسئلة، بخلق نماذج محتملة واختبارها، حتى نتمكن من شق طريقنا، خطوة خطوة، لنكون أقرب إلى الحقيقة. وإذا ما حدث أن شيئًا ما جاء مضادا لفهمنا الحالي للواقع، فسيراه العلماء نوعًا من التحدي لنموذجنا الراهن، يتطلب منا أن نهجره أو على الأقل نغيّره. ومن خلال مثل هذه العمليات التكييفية والاختبارات التالية نقترب أكثر فأكثر مما هو حقيقي.

الصفحات