أنت هنا

قراءة كتاب المرشـد الواضـح في الـحـج والعـمــرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المرشـد الواضـح في الـحـج والعـمــرة

المرشـد الواضـح في الـحـج والعـمــرة

كتاب " المرشـد الواضـح في الـحـج والعـمــرة " ، تأليف  محيي الدين محمد عطية ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
الصفحة رقم: 5

أخي المسلم:

إن كنت ممن أكرمك الله تبارك وتعالى ،وأذن لك بزيارة بيته ، والتنعيم في رحابه ،فعليك أخى الحبيب عند عزومك على قضاء هذه الفريضة التي أكرمك الله بأدائها عليك مراعاة ما يلى :-

1- ابدأ عهداً جديداً مع ربك، بالتوبة من جميع الذنوب والمعاصي، وحقيقة التوبة: الإقلاع عن جميع الذنوب وتركها، والندم على فعل ما مضى منها، والعزيمة على عدم العودة إليها، لقوله تعالى :{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([114]) وتذكر أنك في رحلة مباركة، وهجره إلي الله تقوم على توحيده والإخلاص له، وتلبية دعوته، وطاعته، ولا أعظم من ذلك أجرا فالحج المبرور جزاؤه الجنة.

2- الإخلاص لله سبحانه وتعالى هو الركن الأول من أركان العمل الصالح قال عز وجل {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.([115])

فليكن حجك أخي الكريم أختي الكريمة خالصًا لله عز وجل لا رياء فيه ولا سمعة بل ابتغاء مرضاة الله، لا لأجل أن تتباهى بحجك، ولا لأجل أن يقال عنك: الحاج فلان، فالإخلاص الإخلاص.

3- المتابعة لرسول الله عليه الصلاة والسلام هو قدوتنا وأسوتنا في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، والفوز والنجاة في متابعته والسعادة والهناء في هديه، قال عز وجل: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}([116]) . وقال عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}([117]) .

فجعل متابعة الرسول من لوازم محبته ومن الأدلة على صدق المحبة، فهل أنت تحب رسول الله عليه الصلاة والسلام حقًّا؟.فواجب عليك أحى المسلم أن يكون عملك وحجك موافقاً لما جاء به النبي الأمين r عن ربه فإن أي عمل لم يأت بهr مهما كان لونه ومهما كان القصد منه فهو مردود على صاحبه؛ لأنه مما لم يشرعه الله لعباده، والله تعالى ما تعبد الناس إلا بما شرعه لهم وما عدا ذلك فهو من اتباع الهوى الذي نهانا الله عنه، قال الله تعالى لنبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه : "ثم جعلناك على {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ المُتَّقِينَ}([118]). وفي الحديث الصحيح : "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"([119]) وفي رواية أخرى "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ([120]).

فالخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع، وقد قال r : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" ([121]).

4- العلم الصحيح هو الطريق إلى العبادة الصالحة قال عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}([122]) ، فالعلم هو السبيل الصحيح لاعتقاد صحيح ولعملٍ صالحٍ قويم،لأنك بالعلم تعرف مراد الله، وتعرف هدي رسول الله عليه الصلاة والسلام فاحرص قبل كل عبادة من العبادات على تعلم أركانها وشروطها وواجباتها وسننها حتى تفعلها، واحرص على معرفة ما يبطل الأعمال وينقضها ويفسدها حتى تبتعد عنه.

5- أوصيكم ونفسي بتقوى الله على كل حال ، فإنها جماع كل خير ووصية الله تعالى للأولين والآخرين ، قال تعالى : { وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ}([123]) ، وتتحقق تقوى الله عز وجل في امتثال أمره واجتناب نهيه عن إخلاص ومحبة له سبحانه ورغبة في ثوابه ، وحذراً من عقابه ، على الوجه الذي شرعه الله لعباده وبينه الرسولr لأمته ، كما قال الله تعالى له :{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}([124]) .

6- أوصيكم ونفسي بتحري الحلال في المطعم والملبس والمشرب والنفقة والصدقة ، فإن ذلك يعين على الطاعة ويكون سبباً في قبولها ، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: "أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" ([125])

وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} ([126]) ، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}([127]) ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟ ([128])، فاختاروا لحجكم وعمرتكم نفقة طيبة تعينكم على إجابة الدعاء وقبول الأعمال .

7- وأوصيكم ونفسي بالمحافظة على الصلاة وأدائها جماعة ما استطعتم ، فإنها عماد الدين وفرق ما بين المسلم والكافر وآخر ما يرفع من الدين وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، فمن ضيعها فهو لما سواها من الفرائض والواجبات أضيع ، والله تعالى يقول: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلَّا أَصْحَابَ اليَمِينِ* فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ* عَنِ المُجْرِمِينَ* مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ المِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّى أَتَانَا اليَقِينُ* فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ }([129]) .

والمحافظة كذلك على سائر الفرائض والواجبات فمن ضيعها أو تهاون بها أو قصر في أدائها فهو على خطر عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين.

8- وأوصيكم ونفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الحكمة والموعظة الحسنة ؛ لقول الله تعالى :{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} ([130]) . ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" ([131])

فابذلوا النصح لإخوانكم في رفق ولين فما من أمة ضاع فيها هذا الواجب إلا عمها الله بعذاب ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم" ([132]) وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "بايعت رسول الله عليه الصلاة والسلام على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم"([133]) .

9- الصبر! الصبر! الصبر! وأكثر من قول: «قدّر الله وما شاء فعل» واحذر من أن تقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ([134]) ولكن أكثر من الاسترجاع وتذكر قول الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ}([135]) .

واعلم: إن لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه([136]).

بل من عقيدتنا الإيمان بقضاء الله وقدره خيره وشره، وأن الله عز وجل لا يكلف نفسا إلا وسعها.

وأحسن الظن بالله عز وجل، وأنه سيعوضك خيرا كثيراً؛ فإن رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول في الحديث القدسي فيما يرويه عن ربه أنه تعالى قال: "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء"([137]) الحديث. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "عجباً لأمر المؤمن أن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"([138]).

10- ويجب على الحجاج وغيرهم اجتناب محارم الله تعالى والحذر من ارتكابها كالزنا ،واللواط ،والسرقة، وأكل الربا وأكل مال اليتيم ،والغش في المعاملات ،والخيانة في الأمانات، وشرب المسكرات والدخان، وإسبال الثياب، والكبر ،والحسد، والرياء، والغيبة والنميمة، والسخرية بالمسلمين وسائر أنواع المعاصى،فإن هذه كلها من المنكرات التي حرمها الله على عباده في كل زمان ومكان، فيجب أن يحذرها الحجاج، لأن المعاصي في هذا البلد الأمين إثمها أشد وعقوبتها أعظم وقد قال الله تعالى{وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}([139])، فإذا كان الله قد توعد من أراد أن يلحد في الحرم بظلم فيكف تكون عقوبة من فعل ؟! لاشك أنها أعظم وأشد فيجب الحذر من ذلك ومن سائر المعاصي ولا يحصل للحجاج برُّ الحج وغفران الذنوب إلا بالحذر من هذه المعاصي وغيرها مما حرم الله عليهم .

11- اختيار الصحبة الصالحة من أهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين، فإنك إذا اخترت رفقة من الصالحين لا شك أنك تستفيد منهم، وتربح ربحا كبيرا في الدنيا والآخرة، فإنهم يذكرونك إذا نسيت، ويعلمونك ما جهلت، ويعاونونك على ما عجزت عنه، وينشطونك على نوافل العبادة، ويساعدونك على ما قد تغفل عنه إذا كنت وحدك.

12- التخلق بالخلق الحسن، ، والخلق الحسن يشمل: الصبر، والعفو، والرفق، واللين، والحلم، والأناة وعدم العجلة في الأمور، والتواضع، والكرم والجود، والعدل، والثبات، والرحمة، والأمانة، والزهد والورع، والسماحة، والوفاء، والحياء، والصدق، والبر والإحسان، والعفة، والنشاط، والمروءة؛ ولعظم فضل حسن الخلق قال r: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا.." ([140])، "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"([141]).

13- اغتنم فترة وجودك في هذه الرحاب الطاهرة والبقاع المقدسة في الإكثار من صالح الأعمال والأقوال كأداء الفرائض ، والإكثار من النوافل ، والانشغال بتلاوة القرآن الكريم ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والحرص على الصدقة ، والإحسان إلى الغير ، ومساعدة المحتاج ، وإرشاد الضال ، وقراءة في الكتب النافعة، ومدارسة للعلم، وغير ذلك من أعمال البر وأفعال الخير فإن الحاج ما خرج من بلده، وترك أهله؛ إلا لطلب الأجر والثواب، وهو يرجو أن يعود وقد غفر اللهُ له ذنبه، فعليه أن يغتنم الأوقات الفاضلة في الأماكن المقدسة، وعليه أن يحذر من إضاعة الوقت فيما لا نفع فيه،

14- ينبغي للحاج الاستغناء عما في أيدي الناس والتعفف عن سؤالهم لقوله صلى الله عليه وسلم "ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله" و قوله صلى الله عليه وسلم "لا يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة([142]) لحم([143]).

15- طهر نفسك برد الحقوق والمظالم إلي أهلها، واطلب الصفح ممن ظلمتهم، واسترضِ من أخطأت في حقه أو سبق لك الاعتداء عليه، وصل أرحامك وبر والديك وارضِ إخوانك وجيرانك.

16- يستحب للمسافر أن يكتب وصيته، وما له وما عليه فالآجال بيد الله تعالى، قال الله عزوجل: { إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ }([144]) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"([145]).

17- أوصي نساء المؤمنين بوصية خاصة ، هي وصية الله عز وجل لهن، حيث قال جل شأنه : {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ }([146]) . فالواجب على النساء أن يتقين الله، وأن يحذرن أسباب الفتنة من الزينة والطيب وإبراز بعض المحاسن، كالوجه واليدين والقدمين عند اجتماعهن بالرجال، وخروجهن إلى الأسواق ، ، وأشد من ذلك وأعظم في المنكر كشفهن الرؤوس ولبس الثياب القصيرة التي تقصر عن الذراع والساق ؛ لأن ذلك أعظم أسباب الفتنة ؛ ولهذا قال الله عز وجل : "وقرن {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}([147]) ،وقال عز وجل: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}([148])

18- حث أبناءك، وبناتك، وأهلك، وإخوانك على تقوى الله والتمسك بآداب الدين والمحافظة على أداء فرائضه. وهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ الله وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لله مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ الله غَنِيًّا حَمِيدًا }([149]) .

19- يستحب للمسافر أن يودع أهله، وأقاربه، وأهل العلم من جيرانه، وأصحابه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أراد سفرًا فليقل لمن يخلِّف: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه"([150]) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يودع أصحابه إذا أراد أحدهم سفرًا فيقول: "أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك"([151]) ، وكان r يقول لمن طلب منه أن يوصيه من المسافرين: "زوَّدك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسَّر لك الخير حيثُ ما كنتَ"([152]) . وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد سفرًا فقال: يا رسول الله أوصني، فقال: "أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف"، فلما مضى قال: "اللهم ازوِ له الأرض، وهوِّن عليه السفر"([153]) .

20- يستحبُّ للمسافر أن يدعو بدعاء الخروج من المنزل فيقول عند خروجه: "بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله([154])، اللهم إني أعوذ بك أن أضِلَّ أو أُضَلَّ، أو أزلَّ أو أُزَلَّ، أو أظلِمَ أو أُظلَمَ، أو أجهلَ أو يُجهلَ عليَّ"([155]).

ويستحبّ له أن يدعو بدعاء السفر، إذا ركب دابته، أو سيارته، أو الطائرة، أو غيرها من المركوبات فيقول: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر" { سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ }([156])، "اللهمّ إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوِّن علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهمّ أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهمّ إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب: في المال، والأهل.." وإذا رجع من سفره قالهن وزاد فيهن: "آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون"([157]).

ويستحبّ له أن لا يسافر وحده بلا رفقة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :"لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده"([158]).وقال r: "الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، الثلاثة ركب"([159]). و يستحبّ له أن يكثر من الدعاء في السفر؛ فإنه حريٌّ بأن تجاب دعوته،ويُعطى مسألته؛لقوله صلى الله عليه وسلم : "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده"([160]).

ويستحب إذا نزل المسافرون منزلاً أن ينضمّ بعضهم إلى بعض، فقد كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال r: "إنما تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان"([161]). فكانوا بعد ذلك ينضمُّ بعضُهم إلى بعض حتى لو بسط عليهم ثوب لوسعهم.

ويستحب ّللمسافر إذا نزل منزلاً في السفر أو غيره من المنازل أن يدعو بما ثبت عنه r: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"؛ فإنه إذا قال ذلك لم يضرَّه شيء حتى يرتحل من منزله ذلك([162]).

ويستحبّ له أن يكبّر على المرتفعات ويسبح إذا هبط المنخفضات والأودية، قال جابر رضي الله عنه : "كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا"([163])، ولا يرفعوا أصواتهم بالتكبير، قال r: "يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنه معكم، إنه سميع قريب"([164]).

ويستحبّ له أن يدعوَ بدعاء دخول القرية أو البلدة فيقول إذا رآها: "اللهم ربَّ السموات السبع وما أظللن،ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها"([165]).

ويستحبّ له السير أثناء السفر في الليل وخاصة أوله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :"عليكم بالدُّلجة؛فإن الأرض تُطوَى بالليل"([166]).

ويستحبّ له أن يقول في السحر إذا بدا له الفجر: "سمّع سامعٌ بحمد الله وحسن بلائه علينا. ربنا صاحبنا، وأفضل علينا عائذًا بالله من النار"([167]).

21- يجب أن تعلم ما أنت مقدم عليه، إنك مدعو من سيد هذا الكون لزيارته ،فلتعلم أن هذه الزيارة شرف لا يطاوله شرف آخر، واعلم أن تلبية الدعوة تكريم من الله لك، وعليك أن تستحضر ذلك كله في ضميرك فإنه يعينك على أن تدرك جلال ما أنت قادم عليه.

22- تذكر رخص السفر([168]) لأن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ومن الرخص إذا كنت صائماَ فالأفضل لك الإفطار ولك أن تقصر الصلاة الرباعية فقط فتجعلها اثنين ولك أن تجمع بين الظهر والعصر أو بين المغرب والعشاء جمع تقديم في وقت الأولى منها أو جمع تأخير في وقت الثانية منها لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يجمع بين صلاة الظهر والعصر، إذا كان على ظهر سير([169])، ويجمع بين المغرب والعشاء([170])، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جدَّ به السير([171])([172])، وعن أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في السفر"([173]).

23-إذا سافرت إلى بلد ما مسافة 81 كيلو متر وأقمت بها أقل من أربعة أيام فإنك تقصر صلاتك فتجعل الصلاة الرباعية ثنائية، فقد ثبت أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان يقصر في أسفاره:حاجًّا،ومعتمرًا،وغازيًا،قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "صحبت رسول الله عليه الصلاة والسلام فكان لا يزيد في السفر على ركعتين،وأبا بكر، وعمر،وعثمان كذلك، y([174]). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "فرض الله الصلاة حين فرضها: ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فَأُقرَّت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر" وفي لفظ للبخاري: "فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعًا وتركت صلاة السفر على الأولى"([175]). أما إذا أقمت أربعة أيام فأكثر في هذه البلد فإنك تتم صلاتك، ولا تقصرها إذ بنية الإقامة يستريح خاطرك، ويهدأ بالك، ولم تبق العلة التي شرع من أجلها القصر، وهى قلق المسافر، وانشغال باله بمهام سفره، أما إذا أقمت في بلد ما لقضاء حاجة، وتنتظر قضاءها، ولا تعرف متى تنقضي، ولا تعرف موعد خروجك من هذه البلد فلك قصر الصلاة مدة إقامتك، ؛ لما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين، وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة".

قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله: "إذا نوى أن يقيم بالبلد أربعة أيام فما دونها قصر الصلاة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة، فإنه أقام بها أربعة أيام يقصر الصلاة، وإن كان أكثر ففيه نزاع، والأحوط أن يتم الصلاة، وأما إن قال غدًا أسافر، أو بعد غد أسافر، ولم ينوِ المقام فإنه يقصر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضعة عشر يومًا، يقصر الصلاة، وأقام بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة. والله أعلم"([176]).

لكن إذا صلى المسافر خلف إمام يصلي أربعاً فإنه يصلي أربعاً تبعاً لإمامه سواء أدرك الإمام من أول الصلاة أو في أثنائها، فإذا سلم الإمام أتى بتمام الأربع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه " ([177]). وعموم قوله: "فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" ([178]). لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما من حديث موسى بن سلمة رحمه الله قال: كنا مع ابن عباس بمكة فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعًا وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين، قال: "تلك سنة أبي القاسم r"([179]). وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا صلى مع الإمام صلى أربعًا وإذا صلاها وحده صلى ركعتين([180]).

ومن صلى أربعاً منفرداً فلا حرج لكن ماسار عليه النبى r هو أولى وأفضل.

24- لك أن تمسح على الخفين والجوربين بدلاًًً من غسل الرجلين عند الوضوء مدة ثلاثة أيام ولياليهن في حالة السفر، أو يوم وليلة في حال الإقامة؛لحديث علي بن أبي طالب t، قال: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم"([181])؛ ولحديث أبي بكرة t عن النَّبي e "أنَّه رَخَّصَ للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة، إذا تطهر فلبس خُفَّيْه أن يمسح عليهما"([182]). وهذه المدة على الصحيح تبتدئ من أول مرة مسح بعد الحدث([183])، وتنتهي بأربع وعشرين ساعة بالنسبة للمقيم، واثنتين وسبعين ساعة بالنسبة للمسافر([184]).

ويشترط لذلك أن يكون الخف أوالجورب طاهراً ساتراً للكعبين، وأن يلبس على طهارة كاملة، وعلى وضوء، وان يكون الجورب ثخيناً يمنع وصول الماء إلي ما تحته وألا يكون شفافاً يرى ما تحته، و أن يكون مباحاً لا مغصوباً، ولا حريراً لرجل، ولا مسروقاً، ولا ما فيه صور لذوات الأرواح، فلا يجوز أن يمسح على ذلك؛ لأن المسح على الخفين رخصة، فلا تستباح به المعصية؛ ولأن القول بالجواز مقتضاه إقرار هذا الإنسان على لبس هذا المحرم، والمحرم يجب إنكاره([185]).

ولا يحل لك المسح بعد انقضاء هذه المدة كما لا يحل لك المسح إذا انتقضت طهارتك، بأن أصابك ما يوجب الغسل كالجنابة أو إذا خلعت الخفين أو ما في معناهما بعد المسح عليهما وفي هذه الحالة عليك خلعهما والاغتسال في حالة الجنابة أو غسلهما في غير هذه الحالة، ثم الوضوء، واستئناف المسح لوقت آخر

ولكي تمسح على الخف أو الجورب ضع أصابع يدك اليمنى على مقدم خف، أو جورب رجلك اليمنى، وأصابع يدك اليسرى على مقدم خف، أو جورب رجلك اليسرى ، ثم تمر بهما إلى الساق فوق الكعبين مرة واحدة وأنت مفرج لأصابع يدك قليلا بحيث يكون المسح عليهما خطوطاً .

قال ابن قدامة رحمه الله: "روى الخلال بإسناده عن المغيرة بن شعبة فذكر وضوء النَّبي e قال: "ثم توضأ ومسح على الخفين، فوضع يده اليمنى على خفه الأيمن، ووضع يده اليسرى على خفه الأيسر، ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة حتى كأني أنظر إلى أثر أصابعه على الخفين"([186]).

قال ابن عقيل: سنة المسح هكذا "أن يمسح خفيه بيديه اليمنى لليمنى، واليسرى لليسرى"، وقال أحمد: "كيفما فعلت فهو جائز باليد الواحدة أو باليدين"([187]).وقد روى عن علي رضي الله عنه قال: "وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه"([188]).

أما المسح على العمائم وخمار المرأة على الصحيح فيشترط للمسح عليهما ما يشترط للخفين على الصحيح، ([189]).

الصفحات