أنت هنا

قراءة كتاب السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

كتاب " السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي " ، تأليف د.سلمان داود سلوم العزاوي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

المطلب الأول :الخطاب السياسي ... تحديد المفهوم

قبل ان نلج في تحديد مفهوم الخطاب السياسي بشكل دقيق لا بد من تناول المدلولات اللغوية لمفردة الخطاب (speech ) لأنها تتضمن الرؤية الأساسية لأية فكرة تقترن بها بالإضافة الى كونها تتعامل مع معطيات كل مرحلة او حقبة من الزمن بافاقها وامالها ومخاطرها وتحدياتها([1])

فللخطاب مدلولات لغوية وفكرية متعددة ومختلفة فهنالك من يرى انه مفهوم غربي من وضع المفكر الفرنسي الحديث ( ميشال فوكو ) الذي راى ان الخطاب ( Discourse ) هو مفهوم نقدي في جوهره ([2]) ، في حين نجد ان اللغة العربية غنية بالمعاني والدلالات الفكرية واللغوية لتلك المفردة وإشتقاقاتها ، فالتأصيل اللغوي لها ، كما مبين في معجم لسان العرب لابن منظور يعني مراجعة الكلام ، وإذ نقول خاطبه بالكلام مخاطبة وخطاباً وهما يتخاطبان ... والخطبة مصدر الخطيب وخطب الخطيب على المنبر وأختطب يخطب واسم الكلام الخطبة ، وان الخطبة مصدر الخطيب لايجوز الاعلى وجه واحد ،هو ان الخطبة اسم للكلام يتكلم به الخطيب فيوقع موقع المصدر ([3]) ، وفي تاصيل لغوي اخر لمفردة خطاب يرى ( جبران مسعود) في معجمه اللغوي ( رائد الطلاب ) ، ان مصدر كلمة خطاب هو خاطب اي ما يكلم به الانسان صاحبه، وان فصل الخطاب يعني الفصاحة وتعني ايضا الخطاب الذي ليس فيه إسهاب أو اختصار وإن الخطاب اقرب ما يكون في معناه الى الرسالة ([4]) .

كما وردت لفظة خطاب في اللغة الانكليزية بلفظ ( speech ) او ( Discourse ) وهما يعنيان الكلام او الحديث او خطبة او لغة او لهجة او مقالة او محاضرة ، واخيراً هي ملكة الكلام أو القدرة عليه([5]). فالخطاب هو فصل الكلام ويشمل المحادثة العامة او المناقشة داخل القاعات او باستخدام (رمز صوتي او رمز مرئي ) وهي الحركات والتصرفات التي يستخدمها الشخص المتحدث كالذراع او اجزاء الجسم الاخرى لاغراض تجسيد الخطاب ([6]) ، كما ان قاموس وبستر ( websters ) يحدد الخطاب بمفردة لغوية مفادها ( The ability to speak ) القدرة على الكلام او الملكة على الكلام وان اسم الفاعل هو (speech ifying ) ومعناها يخطب باسلوب رنان وبالتالي فان (speech ) هي الوسيلة لاحداث تغيير عن طريق الارسال بالكلام ([7])الذي ينتج عن مجموعة افكار يتم التعبير عنها بالكلام او الكتابة الموجهة الى اشخاص محددين وبذلك يمكن ان نطلق على تلك الافكار بالرسالة (Message ) والرسالة بالمفهوم اللغوي هي اتصال شفاهي او تحريري، اي كتابة او مخاطبة شخص لاخر، فقد تكون هي الرسالة التي يحملها الملائكة الى الانبياء ، او الرسالة التي يحملها الشباب ، او الرسالة من الرئيس الى اخرين عبر مبعوث ( الشخص الذي يحمل الرسالة ) ([8]) ، وان هذه الرسالة لابد وان تحمل فكرة معينة او وجهة نظر محددة يروم الكاتب او الباعث ايصالها الى المتلقي بواسطة نصوص مكتوبة او شفوية وهذا بحد ذاته (خطاب) وبالتالي فان القارئ لهذه الأفكار ووجهات النظر سيستخلص منها ما يختاره بفعل العادة او عن وعي وارادة وهذا ما يسميه الدكتور (محمد عابد الجابري) " تأويل الخطاب " او قراءة له وهذا يعني، ان هنالك جانبين يكونان الخطاب ، هما ما يقوله الكاتب وما يقرأه القارئ ، حيث نستنتج من ذلك أن الخطاب هو اقاويل وتاويل ، ينتج عنهما بناء لمجموعة من الافكار كما يعبر عن ذلك الفلاسفة العرب القدماء([9]) ، مما يعني ان كلمة خطاب مفردة اصيلة في اللغة العربية وقد وردت بمدلولات مختلفة وفي مناسبات عديدة على مر القرون فاذا اردنا ان نحدد وبدقة متى وردت كلمة خطاب لاول مرة ، فان الامر يستدعي منا التشفع والاستدلال بالقران الكريم في محاولة تحديد ذلك تقديراً ... حيث وردت احدى مشتقات كلمة خطاب لاول مرة على لسان نبي الله ابراهيم عليه السلام عندما تسأل من المرسلين الذين بعثهم الله سبحانه تعالى قائلاً ( قال فما خطبكم ايها المرسلون)([10]) . كما وردت كلمة خطبكم ايضا في ثلاث سور اخرى كما في قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام ( قال فما خطبك يا سامري ) ([11]) . وقوله تعالى على لسان عزيز مصر ( قال ما خطبكن اذ راودتن يوسف عن نفسه)([12]) . وقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام ( قال ما خطبكما، قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير )([13]) ، وقد جاءت كلمة خطبكم في هذه الآيات جميعها بمعنى الشان او الامر او الغرض ([14]) ، ولكن ما يهمنا هنا كما بين الدكتور (مختار الفجاري) هو كلمة خطبكم في سورتي الذاريات والحجر المذكورتين سابقاً حين اجاب المرسلون على استفسار نبي الله ابراهيم عليه السلام، بان الامر او الغرض الذي بعثهم الله من اجله هو لتطهير الارض من المفسدين اما باصلاحهم واعادتهم الى جادة الصواب او بسحقهم ، اي ان خطابهم الذي يحملونه ليس امرا عاديا وانما هو ذو شان عظيم . وبتعبير اخر هم يحملون (رسالة) تضم في طياتها بزوغ مشروع حضاري مخلص للبشرية من العذاب الذي ينتظرهم في رسالة سماوية وخطاب يحمل دلالات عظيمة ([15]) ، ولم يقتصر المصدر (خَطبْ) على هذه المعاني في هذه الايات الكريمات فقط بل ورد في سبع ايات اخرى بمعاني ودلالات مختلفة ، حيث جاء في سورة البقرة بقوله تعالى ( ولا جناح عليكم فيما عرَّضتم به من خِطَبةِ النساءِ)([16]) ، بمعنى بما لوحتم به واشرتم اليه، وهي دلالة على استخدام الاشارة والرموز في حين ورد الفعل ( خطاب ) ثلاث مرات بمعنى الكلام حيث قال تعالى في سورة الفرقان ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)([17])، وفي سورة هود (واصنع الفلك باعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون)([18]) ، وفي سورة المؤمنين ( ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون )([19]) ، في حين وردت كلمة خطاب في سورة النبأ بقوله تعالى ( رِبّ السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خِطاباً )([20])، بمعنى لا يستطيع احد ابتداء محادثة الله سبحانه وتعالى الا باذنه ... ولكون الخطاب كما بينا يتمثل دائما بجانبين قائلا للخطاب وقارئا له بعين من التفحص وقدرة على الرد فقد جاءت الاية الكريمة في سورة ص( ان هذا اخي له تسعً وتسعون نعجةً ولي نعجةٌ واحدةٌ فقال اكفلنيها وعزَّني في الخطاب )([21]) لتؤكد ان الخطاب جاء هنا بمعنى المجادلة والمحاجة ، اي طرح كل طرف لحجته وبالتالي فان الحجة الأقوى هي التي لها الغلبة([22]) ، في حين جاءت الآية الكريمة ( وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصلَ الخطاب )([23])من سورة ص ، لتضيف شيئا جديدا لمفهوم الخطاب حيث تحمل دلالة النفوذ والسلطة لانجاز الشان او الغرض الذي انشأ الخطاب من اجله فهو الكلام الذي له القدرة التعبوية والسلطة المؤثرة في المتلقين كما يرى ذلك الاستاذ مختار الفجاري ([24]) حيث بين القران الكريم ان الله سبحانه وتعالى اعطى سلطات خارقة لداود عليه السلام ليمكنه من السلطة الكافية التي ضمنها لخطابه لاستمرار حكمه على الارض .

ان هذا التنوع في استخدام المفردة الواحدة الذي انفرد به القران الكريم قد كان له الاثر العظيم في اثراء الثقافة العربية وتكريس المفاهيم اللغوية وتعضيدها ومنها كلمة الخطاب التي تردد ذكرها بشكل كبير في كتب السيرة والاحاديث النبوية وكتب الادب والشعر العربي لدرجة يصعب احصائها فلا تكاد تذكر مناسبة اوعيد او غزوة او ظاهرة من الظواهر الا واقترنت بمشتق من مشتقاتها )[25]) . فالخطاب مفهوم عربي اصيل تداولته الالسن على مر العصور على الرغم مما يقوله البعض من ان الخطاب مفهوم غربي حددته الثقافة الفرنسية لكونه من وضع المفكر الحديث ( ميشال فوكو ) الذي يعد الخطاب اداة يعالج بها قضايا الفكر وهو ليس الفكر بحد ذاته . وقد اعتمد فوكو على عدد من المبادىء في تحليله للخطاب من اهمها :

انه لا يمكن القناعة بما يذكره الخطاب بل لابد من التركيز على ما سكت عنه الخطاب حيث يكون اكثر اهمية مما هو مذكور احيانا بالاضافة الى اننا لابد ان نكون على اهبة الاستعداد في اي لحظة لتقبل الخطاب على انه جديد ([26]) ، بينما يعرف د. حسن حنفي المفكر الاسلامي المعروف الخطاب على انه (( صياغة الفيلسوف لافكاره في قوالب لغوية تخدم عملية اتصاله بالاخرين وتاثيره فيهم )) ويقسم الخطاب الى اربعة مستويات هي ([27]) :

1. مستوى اللفظ الذي هو وحدة اللغة الأساسية .

2. المستوى الفكري المتضمن لقيم الخطاب ومعانيه .

3. مشاهدات ومقولات العالم الخارجي التي يستند اليها الخاطب .

4. مستوى الافعال الذي يتجسد في الارادات الفاعلة للخطاب .

الصفحات