كتاب " السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي " ، تأليف د.سلمان داود سلوم العزاوي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي
1- المفهوم اللغوي للاقليات :
لقد ورد مفهوم الاقليات ( Minorities ) ([109]) في العديد من المعاجم والمراجع اللغوية العربية والاجنبية حيث جاء الجذر اللغوي (قلل) في مختار الصحاح ( لأبي بكر الرازي) بمعنى الشيء القليل وجمعه قل أي افتقر .والقل والقلية كالذل والذلة ويقال الحمد لله على القُلّ والكثر .والقُلة اعلى الجبل ([110]) .
كما ورد في المعجم اللغوي محيط المحيط لبطرس البستاني ان معنى (القلة) هي ضد (الكثرة) وقل الشيء يقل قلاً وقُلا.
والقلة اعلى الرأس والسنام والجبل .وقلل من الناس .أي اناسٌ متفرقون من قبائل شتى او غير شتى فاذا اجتمعوا جمعا في مكان فهم قلل ([111]) .
اما في المعاجم الاجنبية فقد ورد مفهوم الاقلية في قاموس وبيستر مثلا بمعنى العمر الذي يتراوح بين اعمار ( 15-18) سنة كالشباب . او قد تأتي بمعنى الجزء الاصغر من نصف العدد للمجموعة ، او بمعنى مجموعة عرقية أو دينية او سياسية اصغر من المجموعة المسيطرة وتختلف عنها ([112]) .
2- المفهوم الاصطلاحي للاقليات في القانون الدولي .
تنوعت التعريفات المطروحة لمفهوم الاقليات من قبل الباحثين وخاصة اولئك المتخصصون في مجال القانون الدولي حيث اختلف الكثير منهم على المعايير التي يستند عليها كل منهم في تناول ومعالجة المفهوم فهناك من سيطرت عليه فكرة المعيار العددي واخرين وضعوا تعاريفهم انطلاقاً من المعيار الموضوعي او المعيار الشخصي([113])، فكان لكل واحد وجهة نظره ،وحججه في تبني المعيار الذي يرجحه وهذا ما سنبينه تباعاً.
أ- المعيار العددي :
اصدرت اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الاقليات التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في الامم المتحدة عام 1977 م دراسة للبروفيسور (فرانسسكو كابوتوري) من ايطاليا حول حقوق الاشخاص المنتمين الى الاقليات الاثنية والدينية واللغوية طبقاً للمادة (27) من اتفاقية الحقوق المدنية والسياسية ،وقد اعتمد المؤلف المذكور في تلك الدراسة تعريفاً يقوم على اساس المعيار العددي ، لذلك عرَّف الاقلية على انها "مجموعة اقل عدداً بالنسبة لباقي السكان في الدولة التي ينتمون اليها ، وتمتلك هذه المجموعة خصائص ثقافية طبيعية او تاريخية او دين او لغة تختلف عن باقي السكان".([114])
كما قدم السيد ( جون ديشين )(*) تعريفا للاقلية على المعيار نفسه مفاده "هي جماعة من المواطنين في دولة ،يشكلون اقلية عددية ،وهم في وضع غير مهيمن في تلك الدولة ،ولهم خصائص اثنية او دينية او لغوية تختلف عن خصائص اغلبية السكان، ويربط بينهم شعور بالتضامن ، تدفع ولو بشكل مستتر ارادة جماعية للبقاء ، وهدفهم هو تحقيق المساواة مع الاغلبية في الواقع والقانون " ([115]) .
ويتضح من التعريفات السابقة ان اللجان المتخصصة بالقانون الدولي اخذت بالمعيار العددي لتحديد مفهوم الاقليات واستبعاد (الجماعة) التي تكون في وضع مسيطر على الدولة في هذا المعيار ،وهذا ما اكدته المحكمة العليا في الهند بالقضية ( A-m -pat rooni – V – E skesavan ) اذ بينت انه في حالة عدم وجود تعريف خاص بالاقليات فيأخذ بالمعيار العددي ([116]) .
وبالنظر لكون هذا المعيار يغلق الباب امام الاقليات الجديدة التي قد تظهر مستقبلا لذلك تعرض الى الانتقادات بالاضافة الى انه لا يأخذ بنظر الاعتبار الاقليات التي لها الهيمنة والسيطرة على الاغلبية في الدولة الواحدة مما يؤدي الى نتائج مضلله ([117]) .
ب- المعيار الموضوعي ( السوسيولوجي / الاجتماعي )
يتجه انصار هذا المعيار في تحديد مفهوم الاقليات انطلاقا من اختلاف الجنس او العقيدة او اللغة او التقاليد الخاصة بمجموعة من افراد الجماعة الوطنية ، فيذهب (فان ديك) الى تعريف الاقلية بانها "مجموعة من الاشخاص في دولة تختلف من حيث الجنس او الديانة او اللغة عن باقي الشعب .وليس لها الهيمنة او السيطرة بجنسية الدولة .وتصبوا الى حماية ثقافتها وتقاليدها ولغتها الخاصة " ([118]).
وحدد استاذ القانون الدولي ( محمد حافظ غانم) ان اية مجموعة غير مهيمنة او مسيطرة داخل الدولة هي (اقلية) .في الوقت الذي تسيطر فيه الاغلبية ،وهذا ما عدّه المبرر الاساسي لتدخل القانون الدولي العام لحماية الاقليات ([119]) ، مما يعني ان الاقلية غير المسيطرة التي تتعرض للاضطهاد او سوء المعاملة من جانب الاغلبية ستكون مكفولة بتدخل القانون الدولي لحمايتها . ان هذا التعريف قد تعرض الى انتقادات انطلقت من كونه غير جامع وشامل بالقدر الذي يجعل مفهوم الاقلية واضحاً اذ توجد طائفة من الاقليات في العالم تختلف عن الاغلبية من حيث الجنس او اللغة او الدين ومع ذلك تكون هي المسيطرة او المهيمنة ،كما هو الحال بالنسبة للاقلية البيضاء في جنوب افريقيا (حتى عام 1994 ) التي كانت لا تدخل ضمن مفهوم حماية القانون الدولي ([120]) .
وهذا ما يدعونا الى الاستنتاج أن الاقلية على وفق هذا المعيار لا تعني الحماية الأقل عدداً قياساً ببقية سكان الدولة وانما هي الجماعة الاقل اهمية سواء على المستوى الثقافي أو الأجتماعي او الاقتصادي او السياسي قياسا ببقية السكان ([121]) .
جـ- المعيار الشخصي :
ان الاساس الذي يتم الاستناد عليه في تحديد مفهوم الاقليات على وفق هذا المعيار مبني على الارادة والمشاعر ([122]) . أي بمعنى الشعور بالانتماء الى الاقلية او التحرر من هذا الشعور ،حيث يظهر هذا المعيار بأجلى صورة في اوقات الازمات أي عند الاستشعار بحصول تهديدات او ضغوط مباشرة تعرض وجود الاقلية ومصالحها للخطر ([123]) .
وقد وعرف البعض الاقليات على وفق المعيار الشخصي ومنهم الدكتور (سعد الدين ابراهيم) على انها "أي كيان بشري يتسم افراده بوحدة الانتماء لاشتراكهم الجماعي في امتلاك خاصية او خصائص نوعية لا تشترك فيها الجماعات الاخرى او الاغلبية في المجتمع " ([124]) . حيث يظهر هذا المعيار بشكل خاص في المجتمعات التي تتواجد ضمنها الاقليات القومية او الاقليات ذات الحجم (العددي) الكبير نسبياً في الدولة ([125]) .
ان هذا المعيار تعرض كسابقيه الى عدد من الانتقادات ،ذلك لان انخفاض درجة الوعي او الادراك لدى بعض الجماعات بذاتها او بسبب الرغبة لدى ابناء تلك الاقليات يجعلهم في كثير من المجتمعات يميلون الى الاندماج او الانصهار التدريجي في بوثقة المجتمع الكبير وهذا ما يمكن ملاحظته في المجتمع الامريكي وبلدان امريكا اللاتينية([126]).وعليه فان المعيار الشخصي لا يصح بمفرده لتحديد مفهوم الاقليات لان الاعتماد على الاعلان الارادي او الشخصي لتحديد المفهوم لا يعد سندا . ذلك لان الحالة تعتمد اولاً واخيراً على المراكز الواقعية للاقليات .
د- معيار المصلحة :
ان هذا المعيار لا يقل اهمية عما سبقه من معايير في تكوين الجماعات الفرعية وخاصة تلك التي تقوم على اساس الانتماء الطوعي للفرد الطامح في تحقيق مصالحة ضمن اطار الجماعة لعدم تمكنه من تحقيق ذلك بمفرده ([127]) .
ولكنه سرعان ما افتقد تأثيره كاطار عام في تحديد مفهوم الاقليات كما يرى بعض الباحثين ذلك بفعل تغيير المصلحة (Interst ) بحكم التطورات الحاصلة في الساحة الدولية في ظل ما يسمى بالنظام الدولي الجديد الذي تعد العولمة واحدة من اهم مظاهره التي تهدف الى السيطرة على الادراك واختطافه وتوجيهه ،وبالتالي سلب الوعي ثم الهيمنة على الهوية الثقافية الفردية والجماعية مما يؤدي الى تعطيل العقل وتوجيه الخيال ،وان الغاية هي جعل الافراد ثم الجماعات الفرعية الوطنية تبحث عن بدائل تحقق من خلالها مصالح اكبر ، فتتغير الانتماءات وتتجدد الولائات لهثاً وراء المصالح([128]) .