أنت هنا

قراءة كتاب السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

كتاب " السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي " ، تأليف د.سلمان داود سلوم العزاوي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

المطلب الثاني :الخطاب السياسي الامريكي المعاصر

تعرفنا في المطلب السابق على مفهوم الخطاب السياسي من خلال تصدينا الشامل لمفرداته اللغوية والفكرية والسياسية كافة ، كي نعتمده منهاجاً اساسياً يمكن الاستناد عليه في توضيح مفاهيم الخطاب السياسي الامريكي المعاصر وابعاده والتعرف من خلاله على اهم العناصر الاساسية والفاعلة في بناء مضامينه التي ستعتمد عند تحديد ملامحه على احد المناهج الاستقرائية للخطاب الذي يشكل الجانب الثاني كما عرفنا ذلك سابقاً .

فللخطاب ثلاث قراءات هي : التأويلية والاستنساخية والتشخيصية . فالمنهج التأويلي لقراءة الخطاب لا يتوقف عند حدود التلقي المباشر فقط وانما يسهم بوعي وادراك في انتاج وجهة النظر التي يحملها الخطاب ولا تقف عند حدود العرض والتحليل بل تذهب الى اعادة بناء ذلك الخطاب بالشكل الذي يجعله اكثر تماسكا واقوى تعبيراً .

اما المنهج الاستنساخي للقراءة فانه لا يتجاوز حدود التلقي المباشر للخطاب الذي يكون باقل تدخل ممكن من القارئ اي انه ذلك الاسلوب الذي يتم فيه عرض الخطاب على وضعه بدون التعرف على صحة محتواه من عدمه وليس من شأنه اظهار ما يسكت عنه الخطاب لبيان الاهداف الحقيقية من انشائه وطرحه .

اما المنهج الاخير فهو القراءة التشخيصية التي تعتمد على الاسلوب التحليلي النقدي للخطاب وتشخيص عيوبه وليس اعادة بناء مضمونه حيث يبغي كشف وتشخيص وتفنيد المضامين المتناقضة له ([44]) .

وحرصنا في مطلبنا هذا على تناول الخطاب السياسي الامريكي على وفق المنهج الاستنساخي دون التعرض اليه او تقييمه ،ليس لاننا نؤمن بما ورد فيه من مفردات وانما لكي نمكن القارئ من تأمل الخطاب الامريكي بنفسه بكافة معانيه ومدلولاته دون ان نملي عليه استنتاجاتنا بل سنجعله يقوم بنفسه بالتمحيص والتحليل والاستنتاج ، ثم نقوم بعد ذلك في الفصل الرابع من هذا البحث بتفنيد الخطاب الامريكي وكشف التناقضات التي تفضح ازدواجية الخطاب وزيف ادعاءاته من خلال مضامينه المعلنة او اهدافه المبيتة التي سكت عنها ، التي مهما تغيرت معانيها ودلالاتها فانها لا بد ان تتلائم وتتوافق مع المصالح القومية والستراتيجية الامريكية وتستجيب للمتغيرات الدولية ([45])،التي لا يمكن التلاعب بها من قبل العناصر الاساسية في تكوين السياسة الامريكية التي يحددها الدكتور (فواز جرجس) بالسلطة التشريعية الممثلة بالكونكرس ، والقيادة السياسية المتمثلة بالرئيس الامريكي ومكتبه التنفيذي ([46])،والنخبة المفكرة، والشخصيات الاكاديمية ذات الثقافة السياسية التي تعكس الرأي العام وتعبر عنه ([47]). فان هذه العناصر التي تشكل جميعها الاساس الفعلي في صناعة القرار الامريكي هي ذات العناصر التي تشكل الخطاب السياسي ، الذي تطل به الولايات المتحدة الامريكية على العالم ولكن صاحب القدح المعلى في حجم التأثير يكون للقيادة السياسية المتمثلة بالرئيس الامريكي الذي يلعب دورا اساسياً في صياغة مضامين الخطاب بحكم الصلاحيات والسلطات التي يمنحها الدستور له ومن خلال ارتباط اكثر الاجهزة فعالية به كوزارة الخارجية ووزارة الدفاع ومجلس الامن القومي ووكالة المخابرات المركزية ووكالة الاعلام والاتصالات ([48]).

كما يرى الدكتور ابدوريا ان الرئيس الامريكي "هو اكثر رؤساء الحكومات قوة عرف في عصرنا الحاضر وان كلامه واعماله العامة تراقب بالاهتمام الاعظم في جميع العالم، ان قوته حقيقية يمارسها على مسؤوليته على خلاف ذلك ملك انكلترا ورئيس جمهورية فرنسا ،وانه واع بان ليس هناك متكلم سياسي اخر غيره ، انه الصوت الوطني الوحيد في الامور جميعها فاذا كسب اعجاب وثقة البلاد مرة فليس هنالك قوة منفردة تستطيع معارضته" ([49]) ، فلهذا نجد ان مضامين الخطاب السياسي الامريكي تتغير من حقبة زمنية الى اخرى بفعل تغير عناصر تكوين الخطاب سواء تلك التي تتغير بحكم الدستور كالقيادات السياسية أو نتيجة للتفاعلات الاجتماعية أو بفعل المصالح الستراتيجية الامريكية فضلاً عن وجود جملة من العوامل الموضوعية الأخرى التي تؤثر في مضامين الخطاب السياسي الأمريكي ومنها :-

1- العامل الديني :-

كان فصل الدين عن السياسة في الدستور الامريكي قائما بالاساس على حماية الدين من تدخل الدولة في شؤونه ، حيث كان للكنيسة الامريكية دورا شموليا في شرح الدين بكل جوانب الحياة اليومية والممارسات الانسانية للفرد الامريكي ، وتمثل البروتستانتية الاكثرية الغالبة للشعب الامريكي حيث تشكل اغلب مصادر النفوذ السياسي ليس بسبب كثرة عدد اتباعها فحسب بل لكونها كنيسة الطبقة العليا (W.A.S.P )[(*)] . فلقد كان للكنيسة تاثير واضح في الفكر الامريكي على السلوك السياسي للمجتمع ، بفعل ممارسة اساليب الضغط المنظم (اللوبي) ووسائل الاعلام الحديثة والرأي العام ([50])،مما انعكس على سلوك اعضاء النخبة السياسية وبضمنهم بعض الرؤساء الامريكان (وهذا ما يفسر لنا اهتمامهم بطرح مشاريع حماية الاقليات الدينية المسيحية في العالم ) ، فقد اعلن الرئيس كارتر على سبيل المثال ان ايمانه بالعقيدة المسيحية الاصولية يعد الولادة الثانية له ،في حين إعتبر الرئيس رونالد ريكان ان للدين دوراً اساسياً في حياة السياسة الامريكية وان الكثير من القرارات السياسية التي اتخذت لم تملها المصالح الامريكية بقدر ما يمليه الايمان بالمعتقدات الدينية الاصولية البروتستانتية وخاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني انطلاقا من الايمان بان عودة السيد المسيح مشروطة بقيام دولة صهيون ، تجمع اليهود على (ارض الميعاد) فلسطين إعداداً لمعركة هرمجدون (*) التي ستقضي على الملحدين الشيوعيين والمسيح العلمانيين وغير الأنجيليين والمسلمين ([51])،وهذا ما يفسر لنا عد (اسرائيل) ليست مجرد اصطلاح سياسي بل رمزاً للخطاب الديني المستنبط من تراث المسيحية واليهودية ([52]).

2- القوى الداخلية :-

وتتمثل بالرأي العام وجماعات الضغط ووسائل الاعلام والثورة الالكترونية التي امتد اثرها الى العملية السياسية والى مستوى صنع القرار اذ ان استطلاعات الرأي العام اصبحت تقود القرار السياسي الى ما تبتغيه بفعل نفوذ جماعات الضغط التي باتت لا تتدخل في الخطاب السياسي الامريكي فحسب بل في قرارات التدخل العسكري كما حصل في هاييتي 1990. ولوسائل الاعلام الأثر الفاعل في الترويج للمفاهيم التي تعبئ من اجلها ، ولم يعد خافياً ان صور القناة الاخبارية ( CNN ) اصبحت اكثر نفوذا على قرار الرئيس الامريكي من مذكرات وزراء خارجيته ومستشاريه ([53]).

3- البيئة الخارجية والمتغيرات الدولية والاقليمية :

تعد العوامل والظروف الدولية واحدة من اهم المتغيرات التي تؤثر في السياسة الامريكية وترسم ملامحها حيث تكون الاطار الأساسي للخطاب السياسي فمثلا عندما بدأت مظاهر انهيار الاتحاد السوفيتي تتضح وما تبعها من تغيرات في الخريطة السياسية الدولية والاقليمية تغيرت مضامين الخطاب السياسي الامريكي لتبدأ مرحلة جديدة من التبشير بنظام عالمي سيدخل الانسانية في عهد جديد من الرخاء والتكافل والديمقراطية ([54]) .

الصفحات