أنت هنا

قراءة كتاب السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي

كتاب " السياسة الأمريكية المعاصرة تجاه الأقليات الدينية في العالم الإسلامي " ، تأليف د.سلمان داود سلوم العزاوي ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

اما الدكتور السيد (محمد الشاهد) فانه يعرف الخطاب بالعقل وعندما يستمد مبادئه من الواقع يكون الخطاب عند ذلك وضعي وان كل ما وراء الواقع هو خرافة لا يدركها العقل ، كما يرى ان كل خطاب لا يمكن ان يكون الا فلسفيا يحوي في ثناياه على مستويات مختلفة تحددها جملة من العوامل الموضوعية والمادية ([28]) ، وهذا ما يؤكده الجابري عند تحليله للخطاب العربي المعاصر اذ يرى انه العوامل ذاتها التي تدعونا الى تقسيم الخطاب الى اربعة انواع هي : الخطاب النهضوي والخطاب السياسي والخطاب القومي والخطاب الفلسفي لكونه بناء من الافكار يحمل طابعاً استدلالياً للمستوى او النوع الذي يحدده ([29])

وفي ضوء ما تقدم وبالقدر الذي استطعنا فيه تناول مفردة الخطاب كمفهوم لغوي وفكري وفلسفي على وفق معايير مختلفة سواء أكانت في معاجم اللغة العربية والاجنبية او كما تناولها القرآن الكريم وعرضها بعد ذلك جملة من المفكرين والباحثين العرب والاجانب كان لزاما علينا ان نخلص الى القول ان الخطاب (Discourse or speech ) هو رسالة من باعث الى متلقٍ تضم في طياتها مجموعة من المعاني قد تحمل اكثر من رأي وقد تسكت عن آراء اخرى تتغير على وفق معطيات كل مرحلة او حقبة زمنية بكل ما تحمله من آمال وتحديات .

فللخطاب بنية قائمة بذاتها ووثائق وادبيات وتقارير لكي تعطي من يتداولها القدرة على الاستقرار على وفق ما تمليه عليه خلفيته الثقافية وقناعته العقائدية ، فيشكل بذلك الجانب الثاني للخطاب ، واذ كان للخطاب مستويات عديدة فان اكثرها اقترانا به هو المستوى السياسي وذلك ما سيتم تداوله وتوضيحه في دراستنا هذه لانه سيكون الاساس المنطقي الذي نستند عليه في شرح معاني واتجاهات الخطاب السياسي الامريكي المعاصر موضوع بحثنا .....

فعلى الرغم من ان مصطلح الخطاب السياسي أخذ حيزا كبيرا من حصة المفردات التي يتناولها الباحثون والمفكرون في تعبيرهم عن توجهات الدول السياسية في السنوات الاخيرة الا انه لم نجد اي تعريف واضح للدلالات والمعاني لماهية مفهوم الخطاب السياسي بالتحديد في المعاجم كلها والبحوث السياسية والفكرية التي وقعت تحت ايدينا لذا كان لزاما علينا ان نحدد الملامح الرئيسة لهذا المفهوم في ضوء فهمنا السابق لمعنى الخطاب ، فماذا يعني لنا الخطاب السياسي؟ هل هو دستور تتبناه الدولة او رموز تلوح بها ام هو تعبير عن ايديولوجية الدولة او الحزب الحاكم ام مفهوم مرادف للثقافة السياسية بكل معتقداتها الواقعية ورموزها التعبيرية التي تحدد الوضع الذي يحدث الفعل السياسي في اطاره ([30]) ؟ بمعنى اخر هل الخطاب السياسي تعبير عن مجموعة من المعتقدات والقيم والاتجاهات السائدة لدى الجماعة الوطنية ( الشعب ) بصورة عامة والنخبة السياسية المسيطرة ( السلطة ) بشكل خاص ، ومن هي الجهة او الجهات التي يصدر عنها الخطاب السياسي ولماذا ؟ فالاستاذ مختار الفجاري يرى ان الخطاب يقترن بالسلطة مباشرة ([31]) . بينما يرى الدكتور (احمد يوسف القرعي) ان الخطاب يعكس توجهات السياسة العامة للبلد ([32]) . في حين يعتبر الدكتور (مصطفى النشار) الخطاب السياسي هو احد الوسائل المهمة التي تقودنا الى تحديد معالم الفكر السياسي للدولة التي ينطلق منها الخطاب ([33]) ومن هذا نستشف ان الخطاب لا يكون سياسيا الا اذا اقترن بالدولة وكان معبرا عن توجهاتها لانه وكما بين ذلك الدكتور(صادق الاسود ) بقوله " ان السياسة تنحصر في الدولة فقط وذلك لان السياسة لا يمكن ان تنفذ عملياتها الا في ظل نظام مستقر وان الاستقرار لا يتحقق الا في اطار الدولة"([34]) وفي ظل الدولة الواحدة هناك اكثر من جهة يمكن ان يصدر عنها الخطاب السياسي لكن خطاب السلطة هو الاكثر تمثيلا للدولة لان مفهوم الدولة يرتبط بمفهوم السلطة وكلاهما ينبثق منه وعنه مفهوم الحكومة حيث يعد( هارولد لاسكي ) ان الحكومة هي هيئة من الاشخاص يصدرون اوامر باسم الدولة الى زملائهم المواطنين ويمارسون سلطة تنفيذ ذلك ، وان الاحتفاظ بهذه السلطة يعتمد على قدرتهم على اصدار الاوامر بحكمة ([35]) ، لهذا نجد ان الدكتور مصطفى النشار يقسم الخطاب السياسي الى اربعة انواع عند قراءته التحليلية للخطاب السياسي في مصر القديمة توضع جميعها في اطار الدولة الواحدة في محاولة منه لشرح مستوى الفكر السياسي المصري القديم وعلى النحو الاتي :

1. خطاب السلطة السياسي المتمثل في المراسيم الصادرة عن الملوك المصريين القدماء سواء تلك التي تصدر كنصائح الى الامراء او على شكل وصايا الى وزرائهم .

2. خطاب الحكماء او النخبة وهو صادر عن صفوة الشعب يبين رؤاهم بشان المستقبل واتنقاداتهم الى الحكام الذين تسببوا في الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها مصر انذاك ، والخطاب هنا اقرب ما يكون الى الفلسفة السياسية .

3. خطاب الشعب : ذلك الخطاب السياسي الذي يصدر من افراد عاديين تعرضوا للمظالم فرفعوا شكواهم الى السلطة السياسية معبرين عن سخطهم على الاوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة .

4. الخطاب الدبلوماسي الذي يشمل رؤية السلطة للعلاقات الدولية وشكل المعاهدات مع بقية الدول على وفق اصول وتقاليد محددة تلائم مصلحة البلاد ([36])

وان هذه الصور المتعددة للخطاب السياسي تعبر لنا عن منطلقات الفكر السياسي للمرحلة التي تمثلها وهو يحقق المنهج القائم على اساس ان للخطاب جانبين باعث او كاتب للخطاب وقارئ او مؤول له ، فتمثلت الدولة هنا بالجانب الاول لما تطرحه عبر خطاب السلطة والخطاب الدبلوماسي في حين كان الشعب والنخبة هما الجانب الثاني للخطاب ... فالخطاب السياسي غالباً ما يطرح مشكلة الدولة والمجتمع والعلاقة بينهما من منظور يعالج بالاساس مسالة السلطة يعدها الممارس الشرعي للسياسة ([37]) ، لذا فان الرسالة التي تطمح بايصالها الى الدول الاخرى او السلطات المضادة ستتعرض لجملة من الاجراءات الاحترازية لضمان عدم وصول تلك الرسالة او الخطاب الى ساحاتها مما سيدفع واضع الخطاب الى اللجوء للتمويه وانتهاج الحيل السياسية للتوصل الى فرض ذاته وتطبيق المنهج الذي يخضع لثنائية الظاهر والباطن ، ففي الخطاب السياسي ( ظاهر ) يحمل كل ما يجعله مقبولا لدى الطرف الثاني على وفق اسلوب علمي مدروس يبدوا مشروعا وعلميا ويعبر عن طموحات وامال من يوجه اليهم و (باطن) ينطوي على معاني ومضامين يهدف من خلالها الى تمرير سياسته المطلوب تنفيذها على وفق الاسلوب الذي يخدم مصالحه من غير ان يحمله التزامات غير مستعد للايفاء بها ([38]) وبذلك ينطبق على هذا الاسلوب السياسي قول الشاعر:

يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ عنك كما يروغ الثعلب ([39])

فالخطاب السياسي قد يقصد اكثر مما يقال وقد يقول اكثر مما كان يقصد ، ومهمة الباحث هي الكشف عن التوجه الرئيس لهذا الخطاب ([40]) ، وفي الاحوال كلها يعدّ الخطاب السياسي جزء من مجموعة الاعمال السياسية التي تقوم بها الدولة ، فقد يضطر القائم بالاعمال السياسة على وفق رأي الدكتور ملحم قربان بالتمثيل على المسرح السياسي بلبس القناع الذي يعتقد ان الجمهور يستسيغه ويتخفى بالملابس التي تغطي تحتها الطبيعة الحقيقية للسياسة التي يلعبها فقد يكون هذا القناع ايديولوجيا او اخلاقيا او الى غير ذلك من الاقنعة التي يعتقد أنها تنال رضا الجمهور ، ولكن هذه النظرية ليست بالضرورة ملازمة دائما للسياسة ، فاذا كانت كذلك فسترمي ظلا ثقيلا واسوداً على طبيعة السياسة والسياسيين وانها ستجعل من السياسة لعبة قذرة لمن يحتكرها ([41]) لذا نجد ان الخطاب السياسي لا بد وان يتميز بالصراحة والواقعية السياسية ويتضمن عبارات تحتوي على الثوابت والمتغيرات كلها في الفكر السياسي الذي يعبر عنه الخطاب ، فالثوابت هي المبادئ الاساسية التي يتبناها الفكر على الرغم من الاختلالات التي يتعرض لها النظام السياسي للدولة واما المتغيرات في الخطاب فهي العوامل المستجدة التي تؤثر فيه بحكم تغير الظروف السياسية والنهج السياسي للمرحلة القادمة وعلى وفق المصالح التي يبغي الخطاب تحقيقها ، فقد يكون الخطاب مباشرا يظهر ما يبطن بدون اللجوء الى وسائل التمويه وذلك عندما يكون معبرا عن قضية مبدئية مؤمن بها ويناضل من اجلها كما هو الحال في الخطاب السياسي العراقي الذي نجده مفعم بمعاني القومية والتمسك بها ([42]) ، وعلى سبيل المقارنة نجد ان الخطاب السياسي التركي ينطوي على قدر كبير من التمسك بالعلمانية والتشبث بالتغريب وادعاءات الايمان بالفكر الليبرالي من اجل دخول الاسرة الاوربية في الوقت الذي نجد تركيا تفقد اصدقاءها واحدا تلو الاخر بسبب " حالة التخبط السياسي التي تنتهجها ، فمنذ انهيار الامبراطورية العثمانية وحتى الان لم تتمكن تركيا من رسم ملامح هويتها السياسية والثقافية " كما بين ذلك الكاتب التركي سامي كوهين ([43]) 0

وبناءاً على كل ما تقدم وعند التصدي لمفهوم الخطاب السياسي فاننا لم نجد في الواقع اي تعريف محدد تناوله الباحثون للمفهوم على الرغم من تداوله الواسع ولكن من خلال الدلالات اللغوية المتنوعة لمصطلح الخطاب التي مررنا بها ومن الملامح العامة والمميزات المتعددة التي يتصف بها نستطيع ان نلخص مفهوم الخطاب السياسي ( political speech ) بانه فكرة او مجموعة من الافكار ناتجة من طبيعة التفاعل بين المجتمع والدولة يحدد معانيها النخبة المفكرة والسلطة المنفذة في الاطار السياسي الذي ترسمه الدولة بكل مؤسساتها وروافدها ، فهو عبارة عن رسالة سياسية انسانية ، من نتاج العقل الانساني ، تخاطب العقل الانساني ، تبوح باشياء، وتسكت عن اخرى ، وفق ما تراه منسجماً مع مصالح الدولة وبما يحقق غاياتها السياسية ، كما ان الخطاب السياسي يكون مؤثرا في الوسط الموجه اليه عندما تكتمل فيه عناصر القوة المتمثلة بطبيعة النشاة الاجتماعية والثقافية والسياسية لصانعي الخطاب والتوافر في زخم المعلومات التي يستندون اليها في تكوين رسالتهم اخذين بنظر الاعتبار مصالح البلاد العليا وطبيعة الظروف والمتغيرات الدولية التي تمليها السياسات المناهضة لشكل الخطاب او تلك المنسجمة معه ليشكلوا الجانب القارئ للخطاب والمكمل له على وفق المنهج الاستقرائي . والخطاب السياسي يتاثر بتغيير الزمن ولا يكون قادرا على تحقيق الغاية المتوخاة من إنشاءه إلاّ من خلال توافر القدرة على ايصاله للوسط الموجه اليه عبر وسائل الاتصال السياسي المتمثلة بالوسائل الشخصية المباشرة والتقليدية التي يعبر عنها بالجماعات الاولية ، او عبر الوسائل المؤسسية والحزبية، واجهزة الاعلام المختلفة للدولة .

الصفحات