أنت هنا

قراءة كتاب تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

كتاب " تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

أما في مجال (المقارنة التراثية)، فقد أُنجزتْ عدة بحوث باتجاهين (من الذات إلى الآخر) و (من الآخر إلى الذات)، وهي تبيّن دور الأدب المقارن في توجيه الحوار الحضاري؛ فالدراسات التي أُنجزت في هذين المحورين حاولت تأصيل مبدأ (التبادل الثقافي والأدبي) بين تراثنا العربي وتراث الآخر (اليوناني والفارسي) وهو تبادل باتجاهين كما أشرت، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن عدداً منها يكشف - لأول مرة - وبطريقة استقصائية حجم المعرفة التي امتلكها أحد التراثين من تراث الآخر، وطرق وصول هذه المعرفة وتفاصيل أخرى، لم نكن نعرفها من قبل، وإنّ الكشف عن طبيعة ذلك الحراك الثقافي والحضاري أمر في غاية الأهمية، "فكثيراً ما قيل - ويقال - إنّ المجتمع العربي المسلم قد أفاد من الفكر والثقافات الدخيلة، وفتح صدره وأبوابه على مصاريعها أمام المبادئ والثقافات المستوردة ولا بأس، بل من الواجب والحتم أن تكرر التجربة، وتعاد المحاولة بفتح عقولنا وقلوبنا لهذا الفكر بلا تحفّظ، وبلا قيود أو حدود، وأن نفعل كما فعل أسلافنا"(1) شريطة أن يتم ذلك ونحن في موقع الإنجاز والإنتاج، لا الأخذ والاستهلاك، وهو ما جعل الأجداد ينفتحون على تراث الآخر دون حرج: هنا كان (روحي الخالدي، وسليمان البستاني) قد تطرقا (عام 1904م) إلى علاقة (العرب بالشعر اليوناني)، وتطرق البستاني في بحثه الرائد لـ (هوميروس والعرب، عام 1904)، في مقدمة ترجمته لإلياذة هوميروس. وهنا يحضرني أيضاً ما كتبه (فهمي جدعان) عن (هوميروس عند العرب، عام 1971م) حيث أبان لنا في هذا البحث الطريف من الدراسات التراثية المقارنة طرفاً مهماً من موضوع التراث العلمي والأدبي المنحدر إلى العرب عن الإغريق، "فقد مضى زمن كان فيه الخوض في مسألة الأدب اليوناني عند العرب أمراً لا طائل وراءه. وقد سال مداد كثير من أجل هذه القضية، لكن دون جدوى، حتى لقد أصبح الجواب بصددها بداهة لا يرقى إليها أي شك". فالعرب لم يعرفوا إلا تراث الإغريق العلمي والفلسفي، وهم جهلوا جهلاً مطبقاً كل ما يتصل بالشعر والمسرح لأسباب متنوعة يظل أوجهها وأكثرها رجحاناً - نعني انبثاث العناصر الميثولوجية والدينية (الشركية) فيها - أمراً منازعاً فيه، لأن ادعاءً كهذا لابد أن يفترض أنّ العرب قد عرفوا، أولاً، مؤلفات هوميروس الشعرية في أصلها اليوناني بمعرفة حقيقية كافية، وأنهم، ثانياً، قد نبذوها لمعارضتها للمقررات العقيدية وللحساسية الدينية الإسلامية، وهذا أمر لم تقم عليه حتى الآن أية بيّنة. ثم إنه ينبغي أنْ يكون منّا على بال أنّ العرب لم يترددوا في نقل بعض النصوص الفلسفية اليونانية التي لا تخلو من عناصر محرمة دينياً... إننا لم نعرف حتى اللحظة الراهنة، هل نقل الشعر اليوناني إلى اللغة العربية أم لم يُنقل؟"(2) ومن هنا كان هذا السؤال هو محور قيام مثل هذه الدراسة التي نشرها فهمي جدعان عام 1971م في مجلة الأبحاث (الجامعة الأمريكية) ثم أعاد نشرها فيما بعد في كتاب (نظرية التراث: ودراسات عربية وإسلامية أخرى). ولا تفوتني الإشارة إلى أن بحث جدعان هذا يمكن تصوّر أهمية مبتغاه حين نعرف أن أبرز المتخصصين في التراث الأدبي الإغريقي لا يعلم شيئاً مما حاوله فهمي جدعان فقد أشار أحمد عتمان إلى مثل ذلك بقوله: "ولست أدري ماذا يمكن أن نقول نحن العرب بالنسبة لما تمتلكه مكتبتنا عن الأدب الإغريقي؟.. إننا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا إنّ كل ما لدينا بالمكتبة العربية من الأدب الإغريقي لا يعدو أن يكون مجرد قشور طفيفة. وكل الجهود المبذولة من أيام طه حسين وحتى الآن تعد بمثابة جولات استطلاعية عامة وغير منظمة"(3). وهو الأمر الذي غيّرته الجهود المقارنة التي ندرسها. ربما كان جهد جدعان هذا أحد العوامل التي حفزت (إحسان عباس) لإنجاز دراسة فريدة سمّاها: (ملامح يونانية في الأدب العربي)(4). فرغ منها أيام وجوده أستاذاً زائراً بجامعة برنستون 1976م - 1977م، وهي عندي تاج الدراسات التراثية المقارنة التي أنجزت - ليس في الأردن فحسب، بل في العالم العربي بوجه عام. وكان (عز الدين المناصرة)، أول من أنصف مساهمة إحسان عباس في الأدب المقارن، في بحثه: (إحسان عباس، والنقد المقارن) في مجلة فصول المصرية، العدد 65، عام 2005م".

هذا ملمح بارز من ملامح الدراسات الأدبية المقارنة في مجال (المقارنات التراثية) مما أنجزته الحركة النقدية في الأردن. فيما يمكن الإشارة إلى ملمح آخر لا يقل أهمية في هذا الاتجاه (التراثي المقارن) وهو توجيه مسار المقارنات إلى العلاقة بين شعوب العالم الإسلامي على اختلاف لغاتهم، فكانت المقارنة بين الأدبين (الفارسي والعربي) عملاً في غاية الأهمية من الوجهة المقارنة، وقد تخصص فيها أهم أعلامها في الأردن الناقد الأكاديمي (يوسف بكار)(5). الذي غدا متخصصاً بأشهر شعراء فارس (عمر الخيام ورباعياته المعروفة)، وبالتأثيرات الأدبية بين العرب والفرس، قدماء ومحدثين، في هذا الميدان، حتى صدر له من الدراسات ذات العلاقة ما لم يصدره ناقد آخر، فكان بكَّار أحد أبرز المتخصصين في تراث الخيام وعلاقة الأدباء العرب به. وبطبيعة الحال ينضم إلى هذا كله دراسات تراثية مقارنة متفرقة، لنقّاد وأكاديميين ودارسين آخرين لا شك أنّ لها موقعها في سياق الدراسات الأدبية المقارنة في الأردن. ثمة عدد من الدراسات المنجزة عن (أثر الموشحات الأندلسية في شعر التروبادور) كما نجد عند إحسان عباس في دراسته لهذه المسألة في كتابه المشترك مع وداد القاضي وألبير مطلق (دراسات في الأدب الأندلسي) 1976م، وعند (عزّالدين المناصرة) في دراسته (النص... والآخر: الموشحات الأندلسية وشعر الطروبادور) في كتابه (النقد الثقافي المقارن: منظور جدلي تفكيكي، 1988م). وفي مقالة له عن (الموشحات والشعر الأوروبي بعنوان (بنية التفاعل)) في كتابه (الشعريات: قراءة مونتاجية، 1992م). وكذلك عند (إبراهيم ملحم) في دراسته (الحب عند الطروبادور: قراءة الفكر العربي والاستشراقي) أحد اثبت في كتابة (قراءة الآخر)، وجدير بالذكر أنّ الأكاديميين الأردنيين الذين تعلموا في (ألمانيا) تحديداً كتب بعضهم في موضوعات جديرة بالنقد والدراسة، وريما كانت ستحدث نقلة جيدة في مثل هذه الدراسات منهم: (خليل الشيخ، زياد الزعبي)، وأذكر منها ما كتبه (زياد الزعبي) عن (الأثر العربي في عنائيات الحب الألمانية ""minnesang). وكل هذا سيكون موضع عناية الباحث الحالي في دراسة أشمل عن النقد المقارن في الأردن.

ما سبق إطار عام للمقارنات التراثية وهي تمثل المحور الأول لوضعية الأدب المقارن في هذا البلد، أمَّا (المحور الثاني) المتعلق بالأعمال المقارنة الخاصة بأدب الحداثة فلربما مثّلت الكم الأكبر من حركة النقد الأدبي المقارن عندنا.. وثمة أسماء كثيرة يمكن رصدها في هذا الجانب، فبالإضافة إلى (مشاركة الأسماء السابقة) في هذه الدراسات، يمكن أن نذكر أسماء مثل: (محمد شاهين، فخري صالح، ديمة طهبوب، نضال الموسى، خليل الشيخ، بسام قطوس، ريما مقطش، إبراهيم خليل، إبراهيم السعافين، شكري الماضي، خالد الكركي، إلياس فركوح، حنان إبراهيم، أحمد مجدوبة، أحمد العرود، عبد القادر الربّاعي، قاسم المومني، محمد درابسة، محمد الخوالدة، محمد عصفور، محمد الخزعلي، أحمد الزعبي، محمد الزغول، عوني أبو غوش، عمر القيام، علي الشرع) وغيرهم.

الصفحات