أنت هنا

قراءة كتاب تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن

كتاب " تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

ويبدو أن أبرز القضايا التي شغلت الباحثين والدارسين في هذا المحور هي تلك التي اهتمت بالكشف عن استيعاب الإبداع العربي (شعراً ونثراً) لتجربة الحداثة في الإبداع العالمي، وحاولت الإجابة عن أسئلة مثل: إلى أي مدى استطاع الشاعر العربي الحديث أن يتمثل روح العصر، ويرسم - بالتالي - رؤية حداثية - فكراً وفناً، ويرتفع بتجربته الشعرية نحو أفق إنساني واسع، لا شأن ذاتي ضيّق. وهو الأمر الذي يصدق أيضاً على الروائي، والمسرحي، والفنان التشكيلي، وغيرهم. كل ذلك تحت مظلة رغبة جامحة في لقاء حضاري بات ضرورياً ولازماً بعد سنوات من العلاقة المضادة مع الآخر (الغرب/ المستعمر) والتحوّل بسهم الحركة الحضارية من (الصراع) إلى (الحوار)، وهنا يشير فخري صالح في هذا السياق إلى "أنّ تطوّر العلوم الاتصالية الحديثة، وازدياد عمليات التمازج والتلاقي بين الثقافات، وظهور تيارات ثقافية تعد الهجنة عنصراً إيجابياً من عناصر الثقافة يدخل الدراسات الأدبية المقارنة عالماً جديداً دشنته أقلام باحثين جدد من العالم الثالث، ينظرون إلى التجربة الاستعمارية وتأثير الغرب على ثقافات بلادهم التي كانت واقعة تحت عبء الاستعمار الأوروبي المباشر، نظرة جديدة... تتغير فيها النظرة الثنائية إلى ثقافة الآخر الأنا، كما يرى إدوارد سعيد"(6).

وفي إطار الجهود المقارنة الواقعة في أدب الحداثة مما أنجزه الباحثون والأكاديميون في الأردن يمكن أن نلاحظ اتساع دائرة المقارنات لتشمل العديد من الأجناس الأدبية والفنية في الشعر والرواية والقصة والمسرح والفن التشكيلي والسينما وفنون أخرى كالرقص والنحت وغيرها. وأكتفي في هذا المسار بثلاثة قد تكون دالّة على جهود مقارنة في الشعر، والرواية، والمسرح. فقد صدر كتاب (عز الدين المناصرة): (الأجناس الأدبية في ضوء الشعريات المقارنة) عام 2010. وكان قد صدر له أيضاً (علم الشعريات، 1992).

ففي الجانب الأول، وإضافة إلى ما كتبه جيل الرواد من المقارنين في الأردن من دراسات مقارنة في أدب الحداثة، تأتي دراسة (علي الشرع): (الفكر البروميثي والشعر العربي الحديث) الصادرة عام 1993م في نحو مئة وستين صفحة لتشير إلى نمط من الأعمال المقارنة التي تنحو منحى الكلية والشمولية في دراسة الظاهرة الأدبية المقارنة، وقد أعلن الباحث نفسه أن دراسته تمثل "جزءاً من اهتماماته في تعقب التحولات التي طرأت على الشعر العربي الحديث مضموناً ومنهجية فكر، وأسلوباً شعرياً. وقد اقتصرت هذه الدراسة على ما أسميته (بالفكر البروميثي)؛ أي ذلك الفكر المنسوب إلى (أسطورة بروميثيوس) الذي يقوم أصلاً على أساس التمركز حول الإنسان باعتباره كائناً متطوراً في عالمه الأرضي، وباعتباره إنساناً خالق حضارته، وباني تاريخه، ومسؤولاً عن مصيره في الوجود"(7).

ومع هذه الدراسة تراوح حول التمثلات الفكرية وتأثر الشاعر العربي الحديث بالمضامين التي تحملها هذه الأسطورة وكيفية توظيفها في محتوى القصيدة وبنائها العام. ولم يعتن الباحث - بطرف أو آخر - بالجانب الفني لتوظيف الأسطورة في شعرنا الحديث، فقد وجدنا باحثاً آخر وهو (إبراهيم خليل) يهمه كثيراً الجانب الفني الذي يسري في جسد القصيدة جرّاء تأثر صاحبها بظاهرة شعرية أو قضية أدبية أو شاعر ما، وذلك بيّن في بحثه الموسوم بـِ (تأثير فريدريكو غارثيا في شعر محمد القيسي) قائلاً بعد تتبع متقصٍ لمظاهر التأثّر: "نجد القيسي يستخدم ألفاظاً أسبانية مثل استخدامه كلمة (غيتاني) للدلالة على (الغجري) في (أيّها الغيتاني الطيب).. إلى جانب الإفادة من منهج لوركا القائم على محاكاة الأغاني الفلكلورية في شعره، وإخضاع القصيدة للنغمة الشجية التي ترافق الكثير من نماذج الغناء الشعبي. وهذه الظاهرة برزت في شعر محمد القيسي (وشعراء آخرين)، ابتداءً من قصيدة (الصمت والأسى) وظلّت تبرز في قصائده، وما تزال تلوح في بعض نتاجه الجديد من حين إلى آخر"(8).

وبالطبع فإن مثل هذه الدراسات المقارنة التي تتعقب ظاهر كلية أو جزئية في الإبداع الشعري تعقباً مقارناً إلى ثقافة الشاعر الحديث من جهة، وإلى قدرته وكفاءته في تطوير أدواته الشعرية من خلال الاطّلاع على تجارب أدبية عالمية، وهو ما فعله (إحسان عباس) في دراسته النقدية الفكرية لشعر (عبدالوهاب البياتي وعلاقته بالشعر التصويريين "imagists") مستنتجاً أن بين البياتي والتصويريين ملامح مشتركة، تجعل من البياتي في الشكل العام شاعراً تصويرياً، وتجعل الصورة قاعدة لقصيدته. ومن هذه الزاوية التصويرية يستطيع الناقد أن ينفذ إلى شعره بالدراسة والتحليل والحكم (والمقارنة). قبل أن يفارق البياتي التصويريين يتم اللقاء بينه وبين إليوت؛ لأن هذا الشاعر متأثر بالتصويريين إلى حدّ ما في شعره، فالبياتي وإيليوت يلتقيان أيضاً في ذلك التسجيل (الفوتوغرافي) لأجزاء الصورة، وخاصة الجانب غير المضئ منها.. أعني أنهما يضعان قاعدة جديدة للانتقاء ويتعلقان بما يسمى التوافه أو الأشياء التي يستعلي عليها الناس أو يهملونها عامدين، ومن هذه الأشياء يؤلفان المنظر العام.. وهذه الطريقة التي رأيناها عند التصويريين بها ترتفع الصور العادية إلى مرتبة الشعر وتنتحل قوته وسيرورته"(9). ثم يتابع إحسان عباس دراسة عناصر الفن المشتركة بين البياتي الشاعر وحركة الحداثة في الشعر العالمي.. وهو الأمر الذي اقترب من حدّ الكليّة والشمول في دراسته اللاحقة عن (اتجاهات الشعر العربي المعاصر) المنشورة 1978م، وقد وقف فيها على أبراز المضامين الفكرية والفنية التي ميّزت حركة الشعر العربي المعاصر، وصبغت شخصيتها، وهي وإن لم تكن دراسة مقارنة في الأصل، إلا أن المقارنات التي تضمنتها تشير إلى أن شعرنا العربي الحديث لا يمكن أن يقرأ القراءة الصائبة بعيداً عن حركة الحداثة Modernism وتأثيراتها الفكرية والفنية، وقد أشار محمد حوّر أحد أهم عوامل إنجاز هذه الدراسة هو "ربط هذا الشعر (الحديث) بالحركات التحررية في أرجاء العالم. فيتنام وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها... وتوحدّرموز التضحية بين لوركا وغيفارا وغسان كنفاني وكمال ناصر.."(10). وبطبيعة الحال توالت الدراسات المقارنة التي تقع في إطار التواصل بين الشعر العربي الحديث والمعاصر وشعر الحداثة العالمي عند أبراز شعرائه، فدرس المقارنون في الأردن العلاقات الأدبية بين أعلام هذا الشعر عند العرب (نازك، البياتي، نزار قبَّاني، أدونيس، المناصرة، درويش، القاسم، السياب، دُنقل، حجازي، الفيتوري، سعاد الصباح، ثريا ملحس،... وغيرهم). يضاف إلى هذا كله استمرار جيد في دراسات الحداثة المقارنة، لما بدأه النقاد في الأردن من اهتمام بمقارنة آداب الشعوب الإسلامية، فاهتمام (يوسف بكار) ومجموعة من المقارنين بالمقارنات بين العربية والفارسية مما تحدثت عنه في محور (المقارنات التراثية) يجد صداه عند بعض الباحثين اللاحقين، فها هو (بسام ربابعة) يكتب عن (تشابهات الشعر الحديث في الأدبين العربي والفارسي). كل ذلك في طار من التنوع البحثي الذي يضعنا أمام دراسات تناول بعضها تأثر وتأثير فني، وتمثل فكري، سيرورة ظاهرة أو ثيمة أدبية وغريه من موضوعات المقارنة ومجلاتها المتعددة كما نلحظ في المقارنات التي أجراها الباحثون الأردنيون في مجال الرواية، وهو المجال الثاني الذي سأشير إلى نماذج منه في سياق الحديث عن المحور الثاني (مقارنات أدب الحداثة). لعل هذه النماذج تتضمن ميزة مهمة وهي مشاركة نقاد وباحثين وأكاديميين متخصصين بلغات أخرى غير العربية، أبرزها اللغة الإنجليزية وآدابها، مثل: (نضال الموسى، أحمد مجدوبة، محمد شاهين، إلياس فركوح، فخري صالح حنان إبراهيم، تحرير حمدي، ديمة طهبوب، ريما مقطش) وغيرهم. ففي دراسته (THE ARABIC BILDUNGSROMAN: AGENERIC APPRAISAL) يناقش (نضال الموسى) (رواية تكوين الشخصية) بين الأدبين: العربي والغربي نشرها بالمجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، بالإنجليزية، يعمل فيها على استنطاق مجموعة من النصوص السردية (الروائية والقصصية) لمجموعة من الكتّاب العرب (ذو النون أيوب، ويحي حقي، وسهيل إدريس، وتوفيق الحكم...) في محاولة لكشف مدى تحقق الشروط الموضوعية والفنية لرواية تكوين الشخصية في أعمالهم.

الصفحات