أنت هنا

قراءة كتاب لذة النص وبهاء القراءة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لذة النص وبهاء القراءة

لذة النص وبهاء القراءة

كتاب " لذة النص وبهاء القراءة " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

وفضلا عن ذلك كله يمكن رصد مجالات لغوية أخرى ذات علاقة بموضوعة (الدم) وارتباطاتها بالقتل والموت والجريمة، وذلك مثل: [ السيف، متّ، الحرب، أثكلك، السواد، الحداد، الغدر، الرماد، جثة، سهما من الخلف، الصدام، الحسام، المدنّس، قتلوك، العظام، حزن الجليلة، الثأر، يوقد النار، يد العار، القتيل، طائر الموت، اغتالني، سكّينته، الشهيد... إلخ ].

ففي قصيدة «لا تصالح» مثّلت تجليات الدم مرحلة دلالية أولية من أجل صياغة مفهوم (الدم المهدور).. وهو الحياة التي اغتالتها يدّ الغدر الآثمة من خلال ارتكابها لجريمة بشعة حين أهدر جساس دم أقرب الناس إليه؛ فانقلبت موازين العلاقة الإنسانية من الحب والحميمية الى الغدر والقتل واستباحة الروابط المقدسة، وانقلبت كذلك موازين الحياة وسيرورة أشيائها الطبيعة، وهو ما يوضّحه قول الشاعر:

(هل يصير دمي بين عينيك؟)

فمن خلال الاستفهام الإنكاري تبرز صورة مكثفة لرفض تحول (الدم) بصفته رمزا للعلاقة الالتحامية بين الإنسان والإنسان، إلى (ماء). وهنا يتم إسقاط تحول دم على التحول الدلالي المرفوض لمفهوم الماء اللذي يصبح شيئا سلبيا خاليا من القيمة - وهذا انزياح لغوي ينتهك الدلالة المقدسة للماء - فمع أن الماء رمز الحياة وحيويتها إلا أن الدم، بوصفه علاقة مقدسة تم إهانتها بالغدر والقتل الآثم يسقط تلك الرمزية الحيوية للماء ويهمشها أو يلغيها؛ إذ لا معنى للقيمة المادية أمام القيمة الروحية المقدسة التي يشكل الدم رباطها الوثيق.

والملاحظ ان الجمل الاستفهامية التي برزت فيها حركية الدم وتحولاته تبدأ من الرؤية (بين عينيك) أي أن بين الدم والدم مسافة، ثم تقترب إلى الذاكرة (أتنسى) أي أن الدم صار قابعا في زاوية ما من الذاكرة، وأخيرا تصل إلى التمازج بالجسد (تلبس فوق دمائي) أي أن الدم صار يعم الجسد.

ويمكن إيجاز ذلك التحول فيما يلي:

الرؤية (بُعد) ← الذاكرة (قرب معنوي) ← اللبس (قرب مجسد وتمازج)

هذا على مستوى التشكيل الدلالي، أما على مستوى التشكيل الفني لاستعمال اللغة فإن مقاربة الهيكل اللغوي لهذا التحول المتضمّن في:

1- [ هل يصير دمي – بين عينيك – ماء؟

2- أتنسى ردائي الملطخ..؟

3- تلبس – فوق دمائي – ثيابا مطرزة بالقصب؟! ]

توضح لنا كيف يستثمر التحليل النقدي كمية اللغة والتخلص من كثافتها كجسد مادي يتضاءل شيئا فشيئا كما يلي:

1- هل ......... (حرفان)

2- أ ......... (حرف واحد)

3- ( ) ......... ( )

فالتسلسل – كما هو واضح – يبدأ من الاستفهام ب (هل) وجسدها اللغوي يتكون من وحدتين، وينتقل إلى الاستفهام (بالهمزة)، وجسدها اللغوي يتكون من وحدة واحدة، وأخيرا يأتي الاستفهام بالتنغيم، وهنا تختفي أداة الاستفهام بالرغم من وجوده في الحقيقة لتصبح العلاقة دائرة (الاستفهام) اللذي شكّل مقدمة لصياغة جوّ من التعبير الدرامي، إلى دائرة (النهي) اللذي قطع كينونة الحوار ويخلخل البؤرة الدرامية للتعبير الشعري حين تسيطر صيغة الانفعال اللغوي «لا تصالح» كوضع أخير ونهائي تقف عنده شعرية التعبير الدرامي، فتتوتر الطاقة الشعرية، ويدمّر الكيان التصويري ليحل محله مستوى آخر من التقرير المشحون بالغضب والمباشرة اللغوية. إذ إن خلخلة البنيو التشكيلية والأبعاد الإيحائية والسقوط في المباشرة والنثرية في جملة:

«لا تصالح على الدم حتى بدم»

تقسم النص الشعري إلى مستويين: الشعرية / النثرية، وفي ذلك محاولة لنقل الوظيفه الدلالية من حقلها الخيالي (الصوري) الى حقلها الواقعي (العقلي) الانتقامي، والانصراف - ولو مؤقتا- عن حلمية الشعر وجماليات التخيل الى وضوح الواقع والرضوخ لحقيقته النثرية التي «تشير الى الاستجابة العقليه في حين ان دلالة الايحاء تشير الى الاستجابة العاطفية»(2).

اذن، يمكن القول أن بنية التحول كانت موظفة توظيفا دلاليا متميزا، يكشف عن تماسك وثيق بين عناصر النسيج الشعري لهذا النص على صعيدي الدلاله والتشكيل. فضلا عن ذلك كله يمكن للناقد ان يكشف توظيفا آخر لبعدي الزمان والمكان في العبارة المفتاحية للنص، أي عبارة (لا تصالح)، إذا تم استخدامها - بعد العنوان- بأزمنة تشكل مفاصل أساسية لعناوين مقاطع القصيدة ذاتها، فجاءت «لا تصالح» عنوانا لكل مقطع فرعي من مقاطع القصيدة، أو لكل وصية من الوصايا العشر، غير أن الشاعر - بوعي أو بغير وعي- كرر العنوان «لا تصالح» بما يقارب ضعف عدد الوصايا العشر.

الصفحات