أنت هنا

قراءة كتاب التفسير الوجيز على هامش القرأن العظيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التفسير الوجيز على هامش القرأن العظيم

التفسير الوجيز على هامش القرأن العظيم

كتاب " التفسير الوجيز على هامش القرأن العظيم " ، تأليف د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

16 ـ أولئك الذين استبدلوا الضلالة بالهدى، واختاروا الكفر وتركوا الهداية، فما ربحوا في تجارتهم باتباعهم الكفر بدل الإيمان، وما كانوا مهتدين إلى الحق والصواب في شرائهم الكفر بالإيمان.

17 ـ مثل هؤلاء المنافقين في إعلانهم الإسلام، كمن أوقد ناراً ينتفع بها مع رفاقه، فلما أضاءت بهم النار، انطفأت، وأظلم ما حولهم، وأذهب الله نورهم، وتركهم يتخبطون في ظلمات الشك والنفاق، لا يبصرون طريق الحق، ولا يعرفون الخير من الشر.

18 ـ إنهم صُمٌّ عن الحق، لا يسمعون منادياً، خُرْسٌ لا يتكلمون، عُمْيٌ عن طريق الهدى لا يرونه، فلا يرجعون عن غيهم وضلالهم.

19 ـ ومثل هؤلاء المنافقين في تشبيه آخر كمثل أصحاب مطر غزير، تخلله رعد شديد وبرق خاطف، يتقون الصواعق: وهي الأصوات الشديدة المهلكة بما فيها من نار حارقة، خشية الموت، بما لا يقيهم منه، والله محيط بالكافرين في قبضته، لا يفلتون من قدرته وعقابه. وسبب نزول هذه الآيات ـ كما ذكر الطبري عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما ـ أن ناساً دخلوا في الإسلام بعد الهجرة، ثم نافقوا، فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة، فأوقد ناراً، ثم انطفأت، وكمثل من تعرض لمطر شديد مصحوب بالرعد والصواعق والبرق فحاول اتقاءها من الخوف، ثم تركها وعاد لكفره، فصار لا يعرف الحلال من الحرام، ولا الخير من الشر، وهكذا مثل المنافق كان في ظلمة الشرك، فأسلم، ثم عاد تائهاً. والمثل الأول لسرعة انكشاف أمرهم، والمثل الثاني لحيرتهم وقلقهم.

20 ـ المنافقون في انتهازيتهم كمثل المتعرض للبرق، يمشون في النور، ويقفون في الظلام، فإذا صلحت أحوالهم المادية واستفادوا من النعم، أعلنوا إيمانهم واستقاموا على الإسلام، وإذا أصابهم البلاء، توقفوا عن السير، وسخطوا وارتدوا كفاراً وأظهروا نفاقهم، والله قادر لا يعجزه شيء، فلو شاء لأذهب أسماعهم وأبصارهم.

21 ـ أيها الناس جميعاً اعبدوا الله وحده الذي أوجدكم، وأوجد من قبلكم من الأمم السابقة، لتتقوا عقابه، وتفوزوا برضائه.

22 ـ والله هو الذي جعل لكم الأرض وطاء للاستقرار عليها والحياة فيها، وجعل السماء محكمة البناء والنظام كالقبة أو السقف، فلا تقع على الأرض، وأنزل الماء من السحاب، فأخرج به مختلف الثمار وأنواع النبات للتمتع والطعام، فلا تتخذوا شركاء لله تعبدونهم كعبادته، وأنتم تعلمون أن الأنداد (الأمثال) لم يخلقوكم ولم يرزقوكم، وأن الله هو الخالق الرازق.

23 ـ وإن كنتم معشر قريش والعرب في شك من إنزال القرآن على محمد  فأتوا بمثل أي سورة منه مهما صغرت، وادْعُوا أناساً يشهدون لكم أنكم على حق، إن كنتم صادقين في ادعائكم، وهذا تحدٍّ سافر من الله.

24 ـ فإن لم تستطيعوا، وعجزتم عن الإتيان بسورة من مثله، فاحذروا نار جهنم بالإيمان وأداء الفرائض واجتناب النواهي، تلك النار التي حَطَبُها الذي توقد به: الناس الكفار، والحجارة الأصنام المعبودة، وهيئت للجاحدين الكفرة.

25 ـ وبشر أيها النبي المؤمنين الذين عملوا الأعمال الصالحة المفروضة عليهم والمندوبة بالبساتين الخضراء، التي تجري الأنهار من تحت أشجارها ومساكنها، كلما رزقوا من ثمراتها اليانعة، قالوا: هذا مثل أرزاق الدنيا في الجودة والحسن، ولقد قدِّم لهم في وضع يشبه بعضه بعضاً في اللون والحجم والمنظر والطعم والرائحة، فإذا أكلوا وجدوه مخالفاً لطعم سابقه، ولهم في الجنة أزواج مطهرون من سائر الأدناس الحسية، والمعنوية كالفواحش، وهم مقيمون في نعيم دائم لا ينقطع.

26 ـ إن الله لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ونحوها صغراً وكبراً للعظة والعبرة، فالمؤمنون يعلمون أنه المثل الحق الثابت غير الباطل المنزل من الله، والكافرون يسخرون من هذا المثل ويستخِفّون بفائدته، والله يريد بهذا المثل إضلال قوم وهداية آخرين، ولكن الإضلال للفاسقين، أي الخارجين عن طاعة الله، إنهم فسقوا فأضلهم الله بفسقهم. نزلت هذه الآية ـ كما ذكر الطبري ـ لما طعن الكفار في كون القرآن من كلام الله قائلين: إن الله يستحي أن يضرب المثل بالشيء الحقير كالذباب والنمل والنحل والعنكبوت، فذلك لا يليق بكلام الفصحاء.

27 ـ الفاسقون: هم ناقضو العهد الذين يخالفون ما أمر الله به وعاهدهم عليه من الإيمان به، من بعد توثيق العهد وتأكيده على ألسنة الرسل جميعاً، ويقطعون الرحم والقرابة وموالاة المؤمنين، ويعملون في الأرض بالمعاصي وإعاقة الناس عن الإيمان برسالة محمد ، وأولئك هم أهل النار.

28 ـ كيف تجحدون وجود الله وقدرته ونعمه وتعبدون غيره؟! والله هو الذي أحياكم وخلقكم بعد أن كنتم معدومين، ثم يميتكم في الدنيا عند انتهاء آجالكم، ثم يحييكم بالبعث يوم القيامة، ثم تحشرون إلى الموقف بين يدي الله، فيجازيكم بأعمالكم.

29 ـ والله وحده هو الذي خلق لكم جميع ما في الأرض للانتفاع به من حيوان ونبات وجماد وغيرها، ثم استوى استواء يليق به، والاستواء: الارتفاع والعلو على الشيء، فعدَل وأتقن خلق سماوات سبع على أحسن وجه، فلا اعوجاج فيها، والسماوات: هي المرتفعات الشاهقات ذات الطبيعة المخالفة لطبيعة الأرض، والسماء: ما يقابل الأرض، والله عالم بجميع أموركم وأحوالكم، وبما خلق في الأرض وفي السماء. والآيات تدرجت من ذكر المبدأ والمنتهى، إلى بيان البرهان على البعث، إلى توجيه النفوس نحو الإيمان بسبب تفرد الله بالقدرة على الخلق والإعادة.

30 ـ واذكر أيها النبي لقومك حين قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة هو آدم، استخلفته في عمارة الأرض وفي تنفيذ أحكامي، فسألوا ربهم: أتجعل فيها من يفسد فيها بالشرك وفعل المعاصي؟ وقد علموا ذلك بتعليم الله بوجه ما، ومرادهم أتجعل فيها من يريق الدماء المحرمة بالقتل والأذى والعدوان، ونحن شاكرون حامدون لك، وننزهك عما لا يليق بك؟ قال: أعلم ما لا تعلمون أنه سيكون من الخليقة أنبياء وصالحون.

الصفحات