أنت هنا

قراءة كتاب ماذا جرى للوحش الأبيض؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ماذا جرى للوحش الأبيض؟

ماذا جرى للوحش الأبيض؟

الرواية مستوحاة من قصة حقيقية تتحدث عن بحار فرنسي شاب فقد على أحد شواطئ استراليا في منتصف القرن التاسع عشر، وتبنته قبيلة محلية قبل أن تجده سفينة إنجليزية بعد 17 عاما، وخلال هذه الفترة كان قد فقد لغته الفرنسية ولم يعد يتذكر اسمه الحقيقي.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
هدّأت الحوارات والأوامر المتتالية التي تخيلها من روعه, لقد كان خيار القبطان مصيباً إنه خيار بحار . لم يرَ الأمر على أنهم تركوه عمداً أو خيانة وجهت إليه بشكلٍ شخصي لكنها نتيجة ٌ خلفها وضعٌ محفوفٌ بالمخاطر. خالف الأوامر بابتعاده عن المجموعة وهذا خطأ يستحق عليه العقاب, إن ضربات مساعد القبطان لا تقلقه فقد اعتاد هذا في ورشة الأحذية مع أبيه وفي المدرسة وفي الطرف الأمامي للسفينة, إنه يأمل أن يفلت من العقاب وبعد مضي شهرين أو ثلاثة سيقهقهون لذكر هذه المغامرة المشؤومة.
 
ازداد هبوب الريح وراء الخليج وبدأ البحرُ الخالِ بالتكور ليرسم لفائفاً تتكسر على حاجز المرجان. رمى إحدى الحجارة عفوياً على كومةٍ من الأغصان الميتة ظهرت سحلية ٌ بلون فضي قفزت بين شجر العليق ثم توقفت وهزَّت برأسها المرقط ثمَّ اختفت.
 
أيقن فقط الوضع الذي حلَّ به فانتابه الخوف. مهجورٌ صفر اليدين على شاطئ ٍ منفيٌ تحيط ُ به حيواناتٌ متوحشة ووحوشٌ من أكلي لحوم البشر وما إن يرخي الليل سدوله حتى تنقض وتفترسه. كما ليس بحوزته ما يسد به الرمق أو ما يروي به الظمأ أو ما يوقد به النار, تقتصر ثروته برمتها على سكينٍ معلقٍ بحزامه وثياب تدثره.
 
يضيء البحر الهائج بصيص أمل بعودة السفينة قبل هبوط الليل وإلا فعليه أن يفترش الأرض ليخلد للنوم بيد أنه لا يريد أن يفارق برج المراقبة تلك القمة النائفة على الخليج ومحيطه. ساورته فكرةٌ دفاعية ٌ ضبابية ٌ فانكب يشغل نفسه بقطع بضعٍ من أغصانِ أشجارٍ مستقيمة ثم يقشرها ويشذبها ليحصل على حزمةٍ من الخشب المدبب كحرابٍ قصيرةٍ ونبالٍ ثخينةٍ فألقت هذه الأسلحة مع أنها بدائية الطمأنينة بنفسه المضطربة.
 
أثقل الشعور بالجوع والوحدة كاهله كتعبٍ مبرحٍ والشمس تنزل عن عرشها لتنبئه بأنه بقي للنهار ساعة ٌ وللنور ساعتين فتساءل في قرارة نفسه أين سيمضي ليلته وتعلن الريح التي تزداد قوةً عن المطر وتحذره من النوم أعلى الجرف الصخري, نزل إلى الوادي فعثر على مكانٍ كثير الرمل تحت الأشجار ثم باشر بتشييد ملجأ له, كسَّر بضعة أغصان وشبكها بعضها ببعض ثم أسندها إلى شجرتين ملتصقتين تقريباً. هناك, ليس ببعيد نمت سراخس طويلة فصنع منها حضناَ ينفع للسرير والجدران. فقد يقيه هذا الكوخ المتواضع من الطقس السيء كما أنه قد ينهار إذا ما أراد أن ينقض عليه حيوان أو وحش وبذلك سيتنبه ويمسك بسهامه فتكلف حياته ثمناً غالياً.
 
يكاد قرص الشمس يخبو فسارع إلى موقع المراقبة , تتسابق غيومٌ كبيرة في عتمة السماء, يرتجف البحر كبحيرةٍ من القطران تخطها نصولٌ فضية, تتكسر الأمواج على الحاجز المرجاني مصدرة صخباً يصمٌّ الآذان وما من بارقة أمل ولا بصيص نور يلوح في عرض البحر.

الصفحات