You are here

قراءة كتاب آثار الوثاق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
آثار الوثاق

آثار الوثاق

كتاب " آثار الوثاق " ، تأليف جليل حسن محمد ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

1ـ موجبات الغربة

تجد بين الناس من يضطر ـ تحت طائلة الفقر ـ إلى أن ينزح عن الوطن، ويولي وجهه نحو ديار الغربة فيضرب في أرضها ساعياً بلهفة وراء حاجته، وباحثاً بحرقة عن مخرج للعيش الذي ينوء بأثقاله، ترى هل وقع الجواهري تحت هذا التأثير فتوسل بالغربة واستقوى بها؟ أقول: أما الفقر فقد عانى منه الكثير، وكانت له عليه وطأة، بيد أنه لم يتخذ الفقر ذريعة للغربة، ولم يكن من أولئك الذين يلهثون وراء المال، أو يجدون في طلبه، ولو كان من أولئك لحاز منه الكثير، ونمت له فيه ثروة لمجرد أن يسكت، أو يساير، أو يداهن، ثم إنه من بلد يتدفق عطاءً، وهو ابن دجلة التي تنشر الخير العميم، وتفيض بالمنافع الكثار، وها هو يقول بأفصح الكلم:

دمشقُ: لم يأتِ بي عيش أضيق به فضرعُ دجلةَ لو مسّحتُ درّارُ([63])

بهذا القول يخاطب دمشق حاضرة سوريا وبمثله يخاطب بيروت حاضرة لبنان تبرئة لنفس أبية، ودفعاً لسوء مظنة إذ يقول :

أنا ـ بيروتُ ـ إِنْ طَلَبْتُ مَحَطَّاً عِنْـدَ أَهْلِي فَلَسْتُ أَطْلُبُ رِفْدَا

غـيركِ الـثالمونَ منّي فرنـدا فَـلْتكـوني غِمْداً يَضُمّ الفِرَنْدَا([64])

إذن لم يكن الفقر بحاديه إلى الغربة، فهل كان نيل الجاه أو الشهرة في المغترب المبتغى الذي إليه يسعى، والضالة التي إليها كان يمضي؟ هذا تساؤل لو حمل إلى شعر الجواهري لجاء الرد عليه بالنفي أيضاً، ولسان حاله يقول :

ومـــــا أنا طالبٌ مـالاً لأني هنـــــالـك تـاركٌ مالاً وآلا

ولا جاهاً فعندي منه إرثٌ تليدٌ لا كجاههمُ انتحالا([65])

ورب امرئٍ يرى أن الجواهري شاعر، وقول الشاعر لا يقوم حجة له فيما يدعيه من المجد التليد والنسب الأثيل، وهل لدى الجواهري ما يؤيد ادعاءه، ويرسي صحة زعمه؟ أجل له ذلك، وآية ذلك أنه (قد تحدر عن أسرة عريقة في العلم والأدب والشعر، اكتسبت شهرتها من باني مجدها العلمي الشيخ محمد حسن صاحب كتاب (جواهر الكلام) وكان لهذه الأسرة كما لباقي الأسر الكبيرة في النجف مجلس عامر بالأدب والأدباء يرتاده كبار الشخصيات الأدبية والعلمية)([66]).

لم يكن الجواهري من المغرمين بالمال أو الحريصين عليه ليشد الرحال إلى بلاد الغربة للكسب، ولم يكن مغمور النسب خامل الذكر في أهله ليسأل عن النباهة قي غير أهله، أقول: لا هذا ولا ذاك، وإنما شيءٌ ثالث قد حمله على النأي، وهو بكل بساطة حبه للوطن ومناهضته للذل والرداءة، إنه يغادر البلاد مضطراً مرغماً:

يا دجلةَ الخيرِ يا نبعـاً أُفارقُـهُ على الكراهةِ بين الحينِ والحينِ([67])

وإلا فإن حبه للوطن راسخ في سويدائه كما يترسخ الدين في فكر المرء ونفسه وهو لهذا يقول:

جـدِّدي ذكرَ بـلادي إنني بهواهـا أبــــــدَ الـدهرِ رهينُ

أنا لي دينانِ دينٌ جـامـعٌ وعـراقي وغرامي فيه دينُ([68])

وهو بسبب هذا التعلق الحميم بالوطن يؤثر أن تنزع منه الكبد قبل مفارقته إياه :

خذوا كبدي قبل الفراق فإنـها مـعوّدةٌ أن لا تقرَّ على النَّزْحِ([69])

إنه مسكون بحب الوطن ولا يمكن لمثله أن يتخلى عن هذا الحب سواء أكان مقيماً في ربوعه أو مشرداً نازحاً عنه، فحبه في الحالتين سيان، وهو لهذا ساجد للوطن على كل حال، ومؤد طقوس التقديس والولاء:

يا تـربةً نـهفو إليـ ـها كـالإلهِ ونسجـدُ

ونحـبها حـتى ونحـ ـنُ مـطاردٌ و مشرّدُ([70])

Pages