أنت هنا

قراءة كتاب أحلام الياسمين في زمن الرخام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحلام الياسمين في زمن الرخام

أحلام الياسمين في زمن الرخام

تمزج رواية الدكتورة آية عبدالله الأسمر "أحلام الياسمين في زمن الرخام"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، بين الحب والمشاعر الانسانية والواقع السياسي والاجتماعي في عالمنا العربي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
وواصلت: أحضرت ملابسي من الكوّى (المغسلة) ثم أحضرت بعض الخضرة من السوق، ثم مررت بصاحب المنزل في الطابق الأول وأعطيته أجرة هذا الشهر، ثم عدت إلى المنزل حتى إن مت أموت في بيتي معززة مكرمة لا على أرصفة الشوارع بين المارة!·
 
ضحكت كل منهما وسوسن تتمتم: بعد الشر، بعد الشر·
 
ثم سألت أحلام: * وامتحان الكيمياء الحيوية؟
 
فتنهدت أحلام تنهيدة أدركت معها سوسن قوة الإعصار الآتي، فصمتتا وتابعتا دراستهما، ولكن لم يمضِ على صمتهما واستذكارهما ساعتان، وإذ بأحلام ترفع يدها اليسرى في الهواء، وتهوي بها على كتابها مبعدة إياه ليسقط عن الطاولة ويجد نفسه ملقىً وسط غرفة الجلوس، وهي تصرخ بهستيرية مفزعة:
 
أكرهه، أكرهه، هو السبب، نعم هو السبب، أكرهه، أنا لا أستطيع، لا أستطيع····
 
وأخذت ترطم رأسها بالطاولة أمامها ودموعها الفارة من عينيها المتفجرتين قهرًا وحزنًا تهرب على شكل قوافل مزدحمة متواصلة مسرعة، لتفسح الطريق لمزيد ومزيد من الدموع الحبيسة منذ زمن، منذ الطفولة، منذ الأزل···
 
ذعرت سوسن حين رأت جسد أحلام ينتفض بكل هذا الجنون، فركضت نحوها وحضنتها واضعة رأسها على صدرها وهي تربت عليه وتقول: * بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الرحمن الرحيم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ، أحلام ، عزيزتي، تعالي، تعالي·
 
وأخذتها لتجلسا جنبًا إلى جنب على الكنبة الكبيرة المواجهة للطاولة، حيث النافذة الرئيسة للغرفة خلفهما مفتوحة، والسماء ممتدة على شكل لوحة زرقاء صافية تلفعُها بعض الأوشحة الحمراء والبرتقالية والصفراء تلوح بها الشمس لهما لتخبرهما أنه قد حان وقت الرحيل·
 
* استعيذي بالله من الشيطان الرجيم، ما بالك يا أحلام؟ أعرف أن مادة الكيمياء الحيوية هذه لا تروق لك ولكنه العام الدراسي النهائي، ولن يجبرك أحد بعد ذلك على دراستها، أما إذا تخاذلتِ من الآن فسوف تشكل لك عقدة لن تتجاوزيها بسهولة أبدًا، ثم إنني عهدتك قوية فلا تفسدي الأمور وهي في خواتيمها، أحلام أرجوك اعتبريها كالدواء، هو مرّ المذاق لكننا نحتاجه للخلاص من مرضنا وعجزنا، نريد منه الفائدة لأنفسنا·
 
أثناء حديث سوسن كان وشيجُ أحلام قد خفت قليلاً، وقوافل دموعها أخذت تتباطأ وتتكاسل في أواخر سلاسلها، فأخذت منديلين مدتهما لها سوسن لتمسح آثار الغارات الدمعية التي أغارت على وجهها وأذنيها ورقبتها· كان وجهها في تلك اللحظات متوهجًا كقرص الشمس في مهد الغروب، مسكونًا بالوجع، بالقهر، وباليأس، كانت أنفاسها المتلاحقة ودقات قلبها المتسارعة وصدرها المتأرجح بين الصعود والهبوط كلها أخذت تهدأ شيئًا فشيئًا· واصلت سوسن فرك يدي أحلام بإحدى يديها واضعة اليد الأخرى على ظهرها تمسحه بها، وقد لاذت بالصمت تنتظر خطاب أحلام الذي تتوقع معظم ما سيأتي به·
 
نظرت أحلام إلى الأرض أمامها، وحاولت أن تركز عينيها التائهتين وسط غابات كثيفة من الذكريات الحزينة على شيء محدد حتى استقرت على بقعة داكنة من السجاد بجانب طاولة الوسط البيضاوية كانت قد اتسخت بالشاي منذ يومين، وأخذت تمعن فيها النظر حتى اخترقتها وواصلت بعيدًا، عميقًا، ثم أبعد وأعمق·
 
تعلمين جيدًا يا سوسن أنه ما من أحد سواي يمكن له أن ينجز ما قمت أنا بإنجازه حتى الآن، فقد استطعت اجتياز الأعوام الثلاث السابقة بنجاح باهر بل وبتفوق وامتياز، بالرغم من كراهيتي لكليتي وللعلوم الطبية المخبرية، ولم يكن حلمي في يوم من الأيام أن أدرس هذه العلوم الطبية المخبرية، ولم أستطع بالرغم من كل محاولاتي أن أتقبلها، أو أستسيغها، لا أستطيع، فأنا أكره مادتي الكيمياء والأحياء حتى الموت، أمقتهما، تعلمين أن رغبتي وحلمي كانا في الهندسة المعمارية، لماذا إذًا أنا هنا بين الجراثيم والمركبات والمحاليل، ؟ لم كل هذا القهر طوال سنوات أربع؟·
 
* وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم، ربما يا أحلام····
 
لا، لا يا سوسن، لا تواسيني بهذه الطريقة، فهذه الآية تنطبق على كل الحالات إلا على حالتي هذه، فأنت تدركين أنني مذبوحة بمقصلة نظام متعسف ومجتمع ظالم وأب أناني، فبالرغم من تفوقي وتحصيلي الدراسي الجيد لم أتمكن من الالتحاق بالكلية التي أريد، هناك من هم غير جديرين بمقاعدهم يجلسون على مقعدي ويحتلون مكاني، ما الذنب الذي اقترفته حتى تجور علي القوانين الظالمة بهذه القسوة؟

الصفحات