أنت هنا

قراءة كتاب أحلام الياسمين في زمن الرخام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحلام الياسمين في زمن الرخام

أحلام الياسمين في زمن الرخام

تمزج رواية الدكتورة آية عبدالله الأسمر "أحلام الياسمين في زمن الرخام"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، بين الحب والمشاعر الانسانية والواقع السياسي والاجتماعي في عالمنا العربي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7
الفصل الثاني
 
لم تستطع أحلام مقاومة رغبتها الجامحة في معرفة نتيجتها في امتحان الكيمياء الحيوية السابق، فخلعت كل أثواب النعاس والإرهاق عن جفنيها الرازحين تحت وطأة السهر والاستذكار، ونهضت تضيء أنوار النشاط والحركة في جسدها المتحفز دائمًا لإحراق حطب الكسل والخمول· ارتدت ملابسها بعد أن اختارت قميصًا رماديًا مخططًا بخطوط بنفسجية طولية، قميصًا ضيقًا بعض الشيء مبرزًا صدرها الممتلئ الناهد ، مع تنورة بنفسجية تضيق عند محيط خصرها الضيق ثم تبدأ بالاتساع تدريجيًا حتى أسفل ركبتها اليسرى بقليل، بحيث ينتهي الطرف الأيسر قبل الطرف الأيمن الذي يستمر حتى منتصف ساقها اليمنى، وتناولت حقيبة رمادية داكنة مستديرة صغيرة الحجم من خزانتها ووضعتها على السرير، ثم أخذت حذاءً رماديًا داكنًا بكعب عالٍ ارتدته على جوارب نسائية رمادية من النايلون الشفاف· كانت تعلم أن هذه الألوان الهادئة تتناسب مع بشرتها الحنطية الصافية· لم ترتدِ أي شيء من الحلي، ولا حتى قرطًا في أذنيها، لكن تصفيف شعرها البني الفاتح استغرقها وقتًا طويلاً بالرغم من قصره، ربما لأنَّها رغبت في أن يكون مختلفًا بعض الشيء اليوم بالذات، ولأنه بالكاد يلامس كتفيها، ونظرًا لنعومته الشديدة فلقد كان من الصعب عليها أن تبدع فيه كثيرًا، إلا أنها بعد أن يئست أخذت تضع فيه مشابك صغيرة ملونة بألوان مختلفة بصورة عشوائية مرتبة، وما إن انتهت من وضع الكحل الأسود حول عينيها البنيتين الواسعتين، مبالغة بمد خط الكحل على الطرف الخارجي من عينيها حتى يزيد من اتساعهما، ومع تعريض الكحل وتركيزه ازداد بياضهما بياضًا، وبرز اللون البني الفاتح لحدقتهما· مرّرت أحمر الشفاه ذا اللون البنفسجي الفاتح على شفتيها الصغيرتين، وما إن انتهت من اللمسات الأخيرة حتى نظرت إلى نفسها في المرآة فابتسمت كاشفة عن أسنان بيضاء صغيرة مصفوفة بعناية فائقة، فازدادت ابتسامتها اتساعًا عندما أعجبتها زينتها، فذهبت باتجاه الخزانة وفتحتها لترى نفسها بصورة كاملة على المرآة الداخلية للخزانة؛ فازداد إعجابها بنفسها واتسعت ابتسامتها·
 
لم تكن أحلام فارعة الطول، إلا أنها لم تكن قصيرة، ولم تكن ممتلئة لكنها لم تكن نحيلة، وبالرغم من أنها ليست فائقة الجمال، إلا أنها فاتنة بمعنى ما، لها سحرها الخاص وضباب سر ما يحيط بها يجعلها تبدو مغرية وشهية·
 
هل هو جمالها وحده؟ أم هي ابتسامتها الحانية؟ أم نظراتها الصافية؟ أم حركاتها وتصرفاتها البريئة؟ أم خفة ظلها؟ ثقافتها الواسعة؟ شخصيتها الجريئة بأدب والمرحة برزانة؟ أم طلاقة لسانها وعذوبة ألفاظها ولباقة حديثها وعمق أفكارها وسعة أفقها؟ هل هو ذكاؤها المتوقد وسرعة بديهتها؟ أم طموحها ونشاطها؟ أم هو هذا الجنون المسكون في خلاياها المشتعلة إصرارًا؟ ربما كل هذه الأسباب مجتمعة شكلت مزيج جمالها الباهر، وخلقت هالة من البريق تحيط بها أينما كانت، لقد كانت مثل مثلث برمودا فيها جاذبية قوية غامضة!
 
لملمت أحلام أقلامها وأوراق دوسية مادة علم الدم، ثم وضعت شيئًا من العطر وأخذت بعض النقود من خزانتها، ثم خرجت بسرعة إلى الجامعة، وهناك بقيت حوالي نصف ساعة وحيدة جالسة تنتظر الدكتور عيسى قلاد، دكتور مادة الكيمياء الحيوية؛ لتسأله عن نتائج امتحان الأسبوع الفائت· كانت الساعة التاسعة وهي تعرف أن الدكتور عيسى لن يحضر قبل العاشرة اليوم، فاليوم الأحد وهو بالتأكيد في الكنيسة الآن، لكنها آثرت أن تحضر مبكرة قبل مجيء زملائها لتسأله عن نتيجة الامتحان، فبالرغم من حبها واحترامها للدكتور عيسى، وبالرغم من شرحه الوافي للمادة ومحاولته الدائمة إيصال المعلومة لجميع الطلبة بصورة سلِسة ومُبسّطة، وقدرته الفائقة على تحليل كل مركبات المادة إلى عناصرها الأساسية، وتفكيك كل جزيئاتها إلى ذراتها الأوّلية حتى يتمكن من تمريرها في دهاليز خلاياهم الفكرية بسهولة ويسر؛ باذلاً كل جهده ووقته لهم ولمادته ولعمله، إلا أن كل هذا لم يُمكّن أحلام من حب المادة أو فهمها بالشكل المطلوب· كانت تشعر دائمًا بأن ذكاءها يخذلها في هذه المادة، لهذا كانت تشتعل خوفًا قبل كل امتحان لها، وتحترق رعبًا بعده، خشية أن لا تحصل على درجة مرتفعة ترفع رأسها أمام أستاذها الذي تحترم وتقدر، درجة تشي له بتفوقها واجتهادها·

الصفحات