أنت هنا

قراءة كتاب ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب

ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب

كتاب "ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب"، هذا الكتاب محاولة صادقة من مؤلفه لتقديم صورة عامة عن جهود الدكتور ابراهيم السامرائي الثقافية ، وقد تمثلت هذه المحاولة في تقديم مسارد تفصيلية لما تركه السامرائي من كتب ودراسات تجولت في حقول ثقافية متنوعة ، ودلت على

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3
ويظهر ثاني الأدلّة في تفكيره الحرّ، التنويري الذي أفاده من قراءاته الموسوعية المتباعدة الأطراف، وإقامته الطويلة في فرنسا، واطلاعه على ظواهر الحضارة الغربية وبواطنها، وإحساسه الحادّ بالفروق الطبقية، ممّا جعله يبتعد عن أيّ شكل من أشكال السلطة ليقينه أنَّ تلك الأشكال من السلطة مهما اختلفت واجهاتها إنّما تعمل لصالحها الخاص، قامعة ما عداها، ولن يرضيها سوى النماذج السابقة من المثقفين الذين بسطنا القول عنهم سابقاً، وفي رصد عميق يتحدث د· المسدي عن المثقف العربي الذي روَّضته الأحداث حتى ارتاض بترويضها· كان قد تعوّد على ممارسة الرقابة الذاتية فكادت تصير جزءاً من آلياته الذهنية· استلذّ الانضواء تحت القمع الذاتي فأصبح يزايد في السخاء فيجود بأكثر ممّا يُطلب منه المرجع السابق، ص19، ولم تستطع الأحداث المشتبكة، والخطوب المتوالية أن تروّض الأستاذ السامرائي، أو تفلَّ من عزمه، فظلّ ثابتاً على موقفه، وكأنَّ النتيجة معروفة، فقد بدأت رحلة المنفى الاختياري منذ سنة 1981، ليستقرّ جثمانه في ثرى عمّان بالأردن سنة 2001 كما أسلفنا·
 
إنَّ حرية الفكر التي آمن بها، وعمل على تطبيقها في كتاباته، أتاحت له آفاقاً واسعة في النظر إلى أديان الآخرين، وعقائدهم، ولغاتهم وفق نظرة متسامحة يهديها المنهج العلمي الصارم بحيث تضع الأمور في نصابها بلا تعصّب، أو دافع من هوى، أو سلطة، وظهر هذا أيضاً في تفتّحه الدائم على الجديد من الأفكار، والمناهج بعد أن قتل القديم درساً، ورحل في رحاب هذين: القديم والجديد، وعدّته في تلك الرحلة الشاقة فكر نقدي صقلته الممارسة، ومحاكمة منطقية للقضايا بغية التوصل إلى حلول منهجية لها، فكأنَّ القديم والجديد قد تكاتفا ليكوّنا فكره العلمي، وشخصيته الثقافية·
 
ودليل ثالث ذو علاقة وثقى بما مضى، فهو على تميّزه العلمي، ونبوغه اللغوي بحيث اجتذبته المجامع العربية: المصري، والسوري، والأردني، بالإضافة إلى المجمع العلمي الهندي، وجمعية المعجمية العربية التونسية، والجمعية اللغوية الفرنسية، أقول بالرغم من ذلك كلّه فقد ظلّ مبعداً عن المجمع العلمي العراقي لأسباب لا يعلمها إلاّ أولئك الذين أبعدوه، ولعلَّ ضيقه بالحال، وكتابته بالدم على حدّ قول د· حنفي من الأسباب الجوهرية في ذلك الإبعاد، في حين دخل المجمع العلمي العراقي مَنْ هو أقلّ شأناً بكثير منه·
 
ويأتي الدليل الرابع على هيئة المأساة، حين يُحجب عنه أيّ نوع من أنواع التكريم، فلم ينل جائزة، أو وساماً من جهة رسمية، أو منظمة فكرية، أو مؤسسة ثقافية، مع أنَّ دأبه العميق، وخدمته المخلصة للغة العربية تقتضي مثل هذا التكريم، ولعلَّ هذا ينسجم تماماً مع ما بدأنا به الحديث عن نوعيْ الكتابات، وأصناف المثقفين، فلم يكن يكتب لتلك المؤسسات يجتذب رضاها، بل كان همّه إرضاء الضمير المنهجي، والحقيقة العلمية، ولم يدخل هذان الأمران كثيراً في حسبان تلك المنظمات، والمؤسسات، فلم تكن النتيجة سوى الإبعاد، والحجب، وهذه ظاهرة تستلفت النظر غير أنَّها عند التدقيق تبدو كفلق الصبح، وهل لي أن أقتطع شيئاً من مقال للأستاذ إبراهيم العجلوني كتبه بعد وفاة الأستاذ السامرائي؛ ففيه وشيجة مع هذا الذي نذهب إليه، يكتب الأستاذ العجلوني: سأكتب عن أبي علي وأنا مغمور في حزني عليه، مأخوذ بالتقارير التي غرّبته، مسكون بالغضب على الذين آذوه، مملوء إكباراً لنفسه الكبيرة، ولعزائمه النافذة التي صابر أيامه المدلهمّة بها، كان أبو علي رجلاً متوقدّ الروح، متنكّباً بها المطامع التي يصطرع الخلق حولها، لا يعوج بها إلاّ على روض زاهر، أو أفق عاطر، ويحاذر أن يعلق بها شيء من ظلمات الواقع الذي نبلو، وقد تأدّى به ذلك إلى غربة كأنها غربة أبي حيان، فهو غريب اللغة، غريب الخلق، غريب الجنان جريدة الرأي الأردنية، 27/4/2001، ويصفه د· عبد الكريم خليفة رئيس مجمع اللغة العربية الأردني بأنّه فقيد اللغة في الوطن العربي جريدة الدستور الأردنية، 29/4/2001، أمّا د· صلاح جرار فيعتبره مدرسة بمفرده في التحقيق والبحث والتعليم المرجع السابق· ومع هذا يتحقّق العقوق معه بأجلى مظاهره، وما لنا نذهب بعيداً، وقد أدرك الأستاذ السامرائي نفسه هذا الأمر، وساقه على هيئة قصيدة، ومقطوعة، يقول من أبيات في الأولى:

الصفحات