أنت هنا

قراءة كتاب محمد مهدي الجواهري حياته وشعره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
محمد مهدي الجواهري حياته وشعره

محمد مهدي الجواهري حياته وشعره

قال الجواهري ذات يوم: «أنا أحب الحياة، وما زلت شاباً في نفسيتي وفي تطلعاتي رغم المائة التي أقرع بابها على قاب قوسين وسنة». أحب الشاعر الحياة، وغنى لها رغم آلامه وأحزانه ورغم غربته وعذاباته.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 5
ومن شقاوات طفولته، أنه صُنع له مكواراً صغيراً، وهذا من باب تدليله، فكان يحمله أينما ذهب، وذات يوم صحبته والدته معها أثناء زيارتها لبيت أخيها، وفي الطريق رأى ابن عمه «حسين» وكان عمره عشرين سنة، فحاول أن يجرب مكواره فيه، فانتفض حسين ليضربه، فلاذ الطفل بعباءة أمه التي أنقذته من شر مستطير كاد أن يقع عليه إثر شقاوته. كما كان يحب قصص «تفاحة» التي كانت تسردها عليه وخاصة الحكايات والأساطير فكان يستمتع بأحاديثها وقد تركت هذه الأحداث آثارها على نفسه، لتظهر بعيد ذلك في منظومات شعرية.
 
وبعد أن تعدى الخامسة من عمره توفيت جدته لأبيه «صيتة» التي ذاعت شهرتها حتى غلب اسمها على اسم البيت، فكان يقال «بيت صيتة»، وقد أقيم لها حفل كان يسمى «الفاتحة» وكان الطفل مهدي يسمع ويرى أكابر القوم وهم يهتزون طرباً للشعر والشعراء الذين شاركوا في تلك الفاتحة، وقد روى الجواهري أن هذا الحفل لم يكن لامرأة قبلها ولا بعدها. وقد أثرت هذه الفاتحة كثيراً في نفسية مهدي، خاصة وأن والده كان يريد أن تبلغ مثل هذه المجالس مبلغاً جيداً في نفس ولده، لأنه أحبه حباً زاد عن المألوف من حب الآباء لأبنائهم، فكان يصحبه دائماً معه.
 
كان الأب لا يستطيع النوم إلا إذا كان مهدي إلى جواره، وكل ذلك إلى جانب عاطفة الأب الذي كان يرى فيه شيئاً متميزاً. ولذلك كان يريد أن يكون ابنه فقيهاً، فبدأ يهيئه من لحظة طفولته بالتعليم والتربية والإعداد لذلك اليوم الذي يريده له، واستعان بذلك في بداية الأمر بابنه عبدالعزيز وابن عمته علي الشرقي الذي يرعاه عمه لتعليم الطفل أوليات القراءة.
 
ثم نقله والده إلى «الملة أم جاسم» لتعلمه أوائل السور من جزء عم، وكان عندما يعود إلى البيت يتلقفه أخوه وابن عمه ليستمعا إليه، حتى إذا انتهى من هذه المرحلة نقله والده إلى الكُتّاب. وفرض عليه حياة الكبار ليتعلم سلوكيات وكلمات رجال الدين أصحاب العمائم واللحى الكثة. وتأثر الطفل بهذه السلوكيات لأنه لن يعيش طفولته، فكان يسهر مع والده في مجالس العلماء إلى ما بعد منتصف الليل، وربما نام الطفل دون أن يحس به أحد في زاوية من زوايا المجلس، حتى إذا ما انفضّ المجلس، أيقظه والده وعاد به إلى البيت ليتناول العشاء المعد، فيحظى باللقمة الدسمة، حتى أصبحت علامة فارقة ملازمة له، أضف إلى ذلك حضوره مجلس والده الذي كان ينعقد في صباح كل يوم جمعة مع كبار العلماء والأدباء، فكان يسمع منهم ويجلس إلى جانب ابن عمه وهو يضع العمامة فوق رأسه ويلبس العباءة على جسده، وإذا خلا الجو له داعب ابن عمه بقوله: «علي صخلة، علي صخلة»، فيهيج الوالد ويؤنبه ويقول له: «هو علي صخلة ما يخالف.. لكن أنت يسمونك أبو لقمة الدسمة،.. ثم يذكره بلقب آخر ... العنيبي»(4).

الصفحات