أنت هنا

قراءة كتاب محمد مهدي الجواهري حياته وشعره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
محمد مهدي الجواهري حياته وشعره

محمد مهدي الجواهري حياته وشعره

قال الجواهري ذات يوم: «أنا أحب الحياة، وما زلت شاباً في نفسيتي وفي تطلعاتي رغم المائة التي أقرع بابها على قاب قوسين وسنة». أحب الشاعر الحياة، وغنى لها رغم آلامه وأحزانه ورغم غربته وعذاباته.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 8
ثم كانت مجالس الشعراء التي تُعقد، ويفاضل الحاضرون بين الشعراء وبينهم المشجعون، فيقارنون بين هذا الشاعر وذاك أو يقارنون بين ما سمعوه اليوم والأمس، كل هذا يجري ومهدي يسمع ويراقب ويتفحص وهو لا يزال حدثاً بمعنى الكلمة.
 
عاش مهدي هذه الأجواء وهذه البيئة الخصبة التي ربما لم تتوفر لغيره، فالأب شاعر، وفي الأسرة شعراء، ويزور البيت شعراء وخارج البيت في النجف وفي البلدان من حولها شعراء كثيرون أيضاً والطفل يميل إلى الشعر ويطرب للشعراء. لكن والده يريده فقيهاً، ورجل دين لعله يعيد سيرة صاحب الجواهر أو الشيخ علي، لكن مهدي كان متمرداً على هذه الأفكار فمالَ إلى الشعر، وهو يحس بأنه يتمتع بنباهة ومزايا خاصة يختلف فيها عن غيره من أبناء جيله.
 
طلب منه أن يحفظ خطبة من نهج البلاغة كل يوم، وقطعة من الأمالي، وقصيدة من ديوان المتنبي، ومادة من كتاب «سليم صادر» في الجغرافيا، ثم ينتظر ساعة الامتحان في المساء فيقرأ «الشقشقية» وحديث الأعرابي وبناته الثلاث ثم يقرأ أيضاً:
 
كم قتيل – كما قتلت – شهيد
 
ببياض الطلى وورد الخدود
 
وبعد هذا العناء والتعب كما يصفه، سمح له بالخروج ليكمل يومه باللعب، وكأنه سجين أطلق سراحه، فيهرول مسرعاً ليلهو ويركض، حتى إذا جن الليل عاد إلى البيت فوجد نفسه أمام الشاعر «الحبوبي» لأول مرة. ثم ينثني إلى الكتب.
 
قدّم له والده هدية «ديوان الأرجاني» فالتهمه مهدي قراءةً وحفظاً، وتظهر أعاجيبه في بلده في الحفظ والتسميع والقراءة، وعمره لا يتجاوز اثنتي عشرة سنة، ويفاخر الأب بقدرات ولده فيناديه في مجلس علية القوم، وينهض الابن ليردد بعضاً مما حفظه، فيندهش الحاضرون لقدراته.
 
يقول الجواهري: «وفي ذات يوم بلغ التحدي درجة عنيفة، فقد تقدم شاب في الأسرة هو السيد علي الجصاني، فأخرج ليرة رشادية تخطف الأبصار.. وأعلن الرهان، إما النجاح في الحفظ وتأخذ الليرة، وإما السقوط فتعمل لنا عزيمة (وليمة). لقد تحدى الولد، وما على ابن الثالثة عشرة إلا أن يدل على قدرته الفائقة في الحفظ. انصرف لأداء مهمته، وبعد ثماني ساعات رجع إلى الجصاني وعُصبته، وأعلن بدء قراءة المحفوظ الجديد.. وقرأ.. وقرأ.. والآخرون يسمعون ويسمعون.. حتى إذا انتهى من البيت الخمسين بعد الأربعمائة، مد يده منتصراً ونال الليرة حلالاً»(7 ). لقد حفظ أربعمائة وخمسين بيتاً في ثماني ساعات وربح الرهان، وأخذ الليرة الرشادية، وهذا يدلل على قدرته العالية على الحفظ وملكته الشديدة التي لا تتوافر إلا عند القليل القليل من البشر لكنها توفرت عند مهدي، الذي بدأ يبارز الكبار والصغار في تقفيه الشعر، وفي أيّ لحظة، وهكذا استمر حتى أصبح مضرب المثل عند الآباء في استفزاز الأبناء وحثّهم على الحفظ.

الصفحات