أنت هنا

قراءة كتاب حياتي مع بيكاسو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حياتي مع بيكاسو

حياتي مع بيكاسو

كانت الطبعة الأولى من ترجمتي لكتاب حياتي مع بيكاسو تأليف فرنسواز جيلو، وكارلتون ليك، قد صدرت في بغداد عام 3 9 9 1 عن دار المأمون للترجمة والنشر، دون إشرافي ومراجعتي، لأنني كنت مقيمة خارج العراق.

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 4

في صباح يوم الإثنين التالي، وفي حوالي الساعة الحادية عشرة، تسلقت وجنفييف درجاً ملتوياً ضيقاً ومظلماً، مخفيًا فيزاوية من زوايا باحة بأرضية من أحجار ملساء، في (7 شارع دو غراند أوغسطين)، وطرقنا باب شقة بيكاسو. وبعدانتظار قصير انفتح الباب بمقدار ثلاثــــة أو أربعــة إنجــات، ليطــل منــه الأنف الطويل النحيف لأمين ســره (جيمسابارتيه Jaime Sabartés). لم نره من قبل، ولكننا عرفنا من كان، فقد شاهدنا صورته في مستنسخات لتخطيطاتبيكاسو، كما أخبرنا (كوني) إن (سابارتيه) قد يكون الشخص الذي يستقبلنا. نظر إلينا بارتياب وسأل: هل لديكما موعد؟قلت نعم، فسمح لنا بالدخول، وبدا قلقاً وهو يتطلع من خلف نظارته ذات العدستين السميكتين. سرنا نحو غرفة داخلية فيها طيور كثيرة: حمامات قمريات، وأنواع أخرى غريبة، داخل أقفاص من أعواد الصفصاف،وفي الغرفة نباتات لم تكن جميلة، بل كانت من النوع الشوكي الأخضر الذي كثيراً ما يشاهد في أوانٍ نحاسية تزين مكاتبالاستقبال، إلا أنها كانت منظمة هنا تنظيمًا جذابًا، ولا سيما أن موقعها أمام الشباك العالي المفتوح كان له تأثير مريح. كنتقد شاهدت قبل شهر إحدى هذه النباتات، في أحدث لوحة رسمها لـ (دورا مار)، وكانت، على الرغم من الحظر الذيفرضه النازيون على أعمال بيكاسو، معروضة في قاعة (لويز ليري Louise Leiris)، بعيدًا عن الأنظار، في شارع(داستورج). كانت صورة شخصية (بورتريت) رائعة باللونين الوردي والرمادي، ويظهر في خلفية الصورة مجموعةألواح شبيهة بزجاج نافذة عتيقة كانت أمامي هنا، كما ظهر في اللوحة قفص الطيور، وإحدى تلك النباتات الشوكية.تبعنا (سابارتيه) إلى قاعة أخرى طويلة جداً، كان فيها بضعة كراسٍ ومقاعد طويلة من طراز لويس الثامن عشر، وقدانتشرت فوقها آلات كيتار وماندولين، وغيرها من الآلات الموسيقية التي صورها بيكاسو، حسبما اعتقدت آنذاك، فيمرحلته التكعيبية، ولكنه أخبرني فيما بعد إنه اشترى تلك الآلات بعد أن رسم الصور وليس قبل ذلك، واحتفظ بها هناكذكرى أيامه التكعيبية. كانت محتويات القاعة راقية، وكان كل شيء فيها مكررًا بست قطع أو سبع. فعلى المنضدة الطويلةالتي امتدت أمامنا، إلى جانب الحائط الأيمن، منضدتان خشبيتان طويلتان جداً، إحداهما خلف الأُخرى، تكدس فوقها ركاممن الكتب والمجلات والصحف والصور وأشياء مبعثرة متنوعة. وعلى إحدى هذه المنضدات قطعة من حجر(الأماثيز) الحر بحجم رأس الإنسان تقريباً، وكان في وسطه تجويف صغير داخلي يبدو مملوءًا بالماء، وفي أسفلالمنضدة رف عليه بذل رجالية مطوّية، وثلاثة أزواج أو أربعة من الأحذية القديمة.وعندما تجاوزنا المنضدة الطويلة، لاحظت في وسط القاعة، أن (سابارتيه) دار حول شيء بني كئيب، مسجىً فوقالأرض بالقرب من الباب الذي يؤدي إلى القاعة المجاورة، وباقترابي منه رأيت أنه كان منحوتة لجمجمة مصبوبةبالبرونز.كانت القاعة التالية مشغلاً (ستوديو) مليئًا بقطع منحوتة، ورأيت هناك تمثال (الرجل والخروف)، وقد صب الآن بالبرونز،ووضع على إحدى ساحات منطقة (فالوري)، وكان ما يزال في مرحلة الجبس فقط حين رأيته. وكان هناك أيضًا عدد كبيرمن رؤوس نساء كان بيكاسو قد نفذها في (بواجيلوب) عام 2 3 9 1، ومواد كثيرة انتشرت بفوضى، بينها مقوددراجات، ولفافات من قماش الرسم، وتمثال خشبي إسباني للمسيح متعدد الألوان يعود إلى القرن الخامس عشر، وكذلكمنحوتة لامرأة نحيلة كالمغزل تحمل بإحدى يديها تفاحة، وباليد الأُخرى شيئاً بدا مثل كيس مطاطي لحفظ الماء الساخن.ومع ذلـك فقــد كــان من أكثر مــا يلفـــت النظر، لوحة وهاجة لماتيـــس: (حياة جامدة still life ) تعود لعام 2 1 9 1،يظهر فيها إناء عميق مليء بالبرتقال على منضدة مغطاة بشرشف وردي، على خلفية من مزيج لوني اللازورد والورديالمشع، كما أذكر جيداً أننـــي رأيت لوحات لـ (فويارد Vuillard) و (دوانييه روسو Douanier Rousseau)
و(مودلياني Modigliani)، غير أن بريق ألوان ماتيس كان يشع من بين الأعمال النحتية في ذلك المشغل ذي النورالخافت، فلم أستطع أن أمنع نفسي من القول: آه ما أجمل هذه اللوحة الماتيسية! فالتفت سابارتيه وقال باستغراب: هنا لايوجد غير بيكاسو.ثم تسلقنا سلمًا آخر ملتويًا صغيرًا في نهاية القاعة، وصعدنا إلى الطابق الثاني من شقة بيكاسو، حيث كان السقف أوطأكثيراً. سرنا في مشغل كبير، ثم رأيت في الجانب الآخر منه بيكاسو محاطاً بستة أشخاص أو ثمانية، كان يرتدي سروالاًعتيقاً تدلى بتراخ عند الورك، وقميص بحارة قطنيّاً مخطّطاً بالأزرق. حين رآنا شع وجهه بابتسامة لطيفة، ثم تركالمجموعة وتقدم نحونا، تمتم سابارتيه بشيء حول موعدنا، وعاد إلى الطابق الأرضي.سألنا بيكاسو: هل تحبون أن أريكم المكان؟، قلنا إننا نرغب بالتأكيد، وكنا نأمل بمشاهدة بعضاً من لوحاته، إلاّ أننا لم نجرؤعلى هذا الطلب، وعاد بنا إلى الطابق الأرضي حيث مشغل النحت.قال لنا: قبل أن آتي إلى هذا المكان، كان الطابق الأرضي مشغلاً لحائك، أما الطابق العلوي فقد كان (ستوديو) للفنان (جانلوي بارو Jean-Louis Barrault)(3)، وقد رسمت هنا، في هذه القاعة، لوحة الغرنيكا Guernica . ثم استقرفوق إحدى موائد لويس الثامن عشر أمام نافذتين مزدوجتين، وتطلع نحو الخارج حيث الباحة الداخلية، وقال: عدا عنذلك، ومع أنني نادراً ما أعمل في هذه القاعة، فقد عملت هنا منحوتة (الرجل والخروف). قال ذلك وهو يشير إلى منحوتةكبيرة من الجبس للرجل الذي يحمل الخروف على ذراعيه، وأضاف: ولكنني أرسم لوحاتي في الطابق العلوي، وأنحت فيمشغل آخر لي يقع على مسافة قريبة من هذا الشارع.
ثم قال: ذلك السلم الحلزوني الذي أوصلكما إلى هنا، هو السلم الذي تسلقه أحد أبطال (بلزاك): وهو الرسام الشاب فيرواية (رئيس العمال المجهول)، حين حضر ليرى (يوربوس) العجوز صديق الرسام (پوسن Poussin ) الذي رسمصوراً لم يفهمها أحد. آه إن المكان مليء بالأشباح التاريخية والأدبية، فلنعد إلى الطابق العلوي. نزل من على المنضدةوتبعناه فوق الدرج الملتوي، وقادنا لنقطع معه المشغل الكبير، ودرنا حول الأشخاص المتجمعين هناك، فلم يتطلع أي منهمإلينا أثناء مرورنا، ودلفنا إلى قاعة صغيرة في ركن قصي.قال: وهنا أقوم بأعمال الحفر engraving. ثم قال: تعالا وانظرا هنا، وتوجه نحو المغسلة ففتح الحنفية وجرى الماء،وبعد قليل تكوّن بخار كثيف. أليس ذلك رائعاً؟ لدي ماء ساخن على الرغم من الحرب. وأضاف قائلاً: بإمكانكما أن تأتياإلى هنا للاستحمام بالماء الحار في أي وقت تشاءان. لم يكن الماء الحار موضع اهتمامنا الحقيقي، على الرغم من ندرةالماء الحار في ذلك الوقت، فتطلعت إلى جنفييف متمنية لو أنه يتوقف عن الحديث عن الماء الحار، ويرينا بعض صوره.ولكنه بدلاً من ذلك أعطانا درساً قصيراً عن طريقة عمل الراتينج (resin)، وفي تلك اللحظة أدركت بأننا قد نغادرمن غير أن نرى أياً من لوحاته، وربما لن نعود إلى هذا المكان ثانية، ولكنه خرج بنا إلى مشغل كبير وبدأ يعرض علينابعضاً من لوحاته. أذكر أن إحداها كانت صورة ديك، زاهي الألوان، قوي المظهر، يصدح بشهوانية، وثمة لوحة أخرىتعود إلى المرحلة نفسها، يظهر فيها ديك شديد الضراوة، بالأبيض والأسود..وفي حوالي الساعة الواحدة، انفضت المجموعة من حولنا، وبدأ كل منهم يغادر المكان، ومما أدهشني، وكان أشد ما رأيتغرابة في اليوم الأول، أن المشغل بدا معبداً لعبادة بيكاسو، وبدا لي أن زواره هناك كانوا منغمسين جميعهم في ذلك الدين -جميعهم باستثناء الرجل المعبود، فقد بدا له أن ذلك من المسلمات، وهو غير ذي أهمية لديه، كأنه يحاول أن يرينا بأنه لارغبة لديه بأن يكون الشخصية المحورية لهذه العبادة.
وحين أردنا الانصراف، قال بيكاسو: إذا شئتما العودة ثانية، فتعالا على الرحب والسعة، ولكن لا تأتيا كما لو كنتما حاجتينقادمتين إلى أرض مقدسة، بل تعالا لأنكما تحبان أن ترياني، لأنكما تجدان متعة في صحبتي، ولأنكما تريدان أن تقيما معيعلاقة بسيطة ومباشرة. إذا كنتما تريدان مشاهدة لوحاتي وحسب فبإمكانكما أن تذهبا إلى المتحف.لم أعتقد بأنه كان جادًا في ملاحظته، وذلك لأنه لم يكن بالإمكان مشاهدة أية لوحة من لوحاته في متاحف باريس آنذاك، ولميكن بوسع أية قاعة خاصة من قاعات الفنون أن تعرض أعماله علناً أو بعدد كبير، لأنه كان من ضمن الفنانين الذين حظرالنازيون تداول أعمالهم، كما أن مشاهدة أعمال الفنانين مستنسخة في كتاب، لا تحقق أي اكتفاء للرسام، ومن كان يرغببمشاهدة المزيد من أعماله، كما أرغب أنا - فليس أمامه سوى أن يذهب إلى مكانه: 7 شارع دو غراند أوغسطين.بعد مرور أيام قليلة على زيارتنا الأولى تلك، ذهبت إلى الصالة التي كنت أنا وجنفييف نقيم فيها معرضنا، وأخبرتني مديرةالقاعة بحماسة شديدة، إنه دخل إلى هنا قبل قليل، رجل قصير القامة ذو عينين سوداوين نفاذتين، وكان يرتدي قميصبحارة مخططاً بالأزرق والأبيض، وأنها أدركت، بعد الصدمة الأولى، أنه كان بيكاسو. وقالت لي إنه تفحص اللوحاتبإمعان، ثم خرج دون أن يقول أي شيء. ولدى عودتي إلى الدار أخبرت جنفييف بزيارته، وقلت لها إنّه ربما ذهب ليرىإلى أي حد كانت أعمالنا سيئة، وليثبت لنفسه حقيقة ما قاله عند لقائنا في مطعم (لوكاتالان) وهو أن فتيات بمظهر كمظهرنالا يمكن أن يكن رسامات. كان لجنفييف رأي أكثر مثالية، فقالت: أعتقد بأنها لفتة إنسانية لطيفة، وتكشف عن اهتمامه الحقيقي بالفنانين الشباب.
ولم اقتنع، وشعرت بأنه في أحسن الأحوال، كان دافعه الفضول: لقد أراد فقط أن يرى إن كان في أعماقنا أي شيء.قالت جنفييف: إنك شديدة التهكم، يبدو لي أنه شديد العطف، ومنفتح الذهن، وبسيط.قلت لها: أعتقد بأنه ربما كان يتظاهر بالبساطة، غير أنني نظرت في تلك العينين، ورأيت شيئاً مختلفًا كل الاختلاف، معأن عينيه لم ترعباني، بل إنهما في واقع الأمر تحثاني على زيارته ثانية. تريثت لمدة أسبوع آخر، وبعد ذلك عدت ذاتصباح، تتبعني جنفييف، إلى شارع (دو غراند أوغسطين)، ففتح لنا الباب (سابارتيه) أيضًا، وامتد رأسه إلى الخارج مثلثعلب صغير.. وسمح لنا بالدخول بلا تعليق. . كان مما علق بذاكرتي، من لقائنا الأول، المدخل اللطيف جداً بنباتاته الكثيرة وطيوره الغريبة داخل أقفاص من أعوادالصفصاف، يأتيها الضوء من الشباك العالي، لذلك رأينا أن نضيف بعض اللون إلى النبات الأخضر، فحملنا في أيدينا آنيةزهور.ضحك بيكاسو حين رآنا.
وقال: لا أحد يحمل زهوراً لرجل عجوز. ثم لاحظ أن ثوبي كان بلون الأزهار أو أن الأزهار كانت بلون ثوبي، فقال: إنكتفكرين بكل شيء، وبوسعي أن أرى ذلك. فدفعت جنفييف أمامي وقلت لأذكره: هذا هو الجمال، يتبعه الذكاء.تفحصنا بإمعان ثم قال: ذلك ما سيتبين، فأنا لا أرى الآن غير أسلوبين مختلفين وحسب: أحدهما إغريقي عتيق، والآخرأسلوب (جان كوجون Jean Goujon )لدى زيارتنا الأولى، عرض علينا صوراً قليلة من أعماله، غير أنه عوضنا في هذه المرة، فقد وضع الواحدة فوق الأخرى،وكان على المسند لوحة، فعرض لوحة أخرى إلى جانبها، ثم أضاف إليهما لوحات أخرى، حتى بدت شبيهة بهرم بشريبني بتوازن ماهر. وقد اكتشفت لاحقاً، بأنه اعتاد على هذا الترتيب كل يوم تقريباً، وكانت اللوحات دائماً تتماسك بقدرةإعجازية، ولكنها سرعان ما تتساقط إذا ما مسّها شخص آخر غيره. تضمنت موضوعات اللوحات التي شاهدناها في ذلكالصباح صور ديوك مختلفة، كما كان فيها منظر لمائدة طعام مفتوحة (بوفيه) من مطعم (الكاتالان)، وعليها صحن منالكرز على خلفيّة من ألوان البني والأسود والأبيض. وعرض علينا بضع لوحات صغيرة (حياة جامدة)، يظهر في عددمنها حبات ليمون، ومعظمها تصوّر أقداحاً وأكواباً وإبريق قهوة أو فواكه على شرشف مائدة ذي مربعات، لقد بدا وهويفرد أمامنا اللوحات ثم يرمي بعضها فوق بعض، كما لو أنه يلهو بالألوان. كانت هناك لوحة كبيرة لامرأة عارية، ومنورائها منظر يحتل ثلاثة أرباع المساحة الخلفية، بحيث يمكن للمشاهد أن يرى المشهد الخلفي والأمامي في وقت واحد،وكانت ذات ألوان أرضية متدرجة، قريبة من ألوانه التي استخدمها خلال المرحلة التكعيبية. ورأينا أيضًا لوحات تصورمشاهد من (فير كالانت)، ذلك الرأس الصغير للجزيرة(Ile de la cité ) بالقرب من الجسر التاسع (في بريس)، وفيهامجموعة أشجار، في كل غصن من أغصانها بقع لونية منفصلة، وقد نفذت بأسلوب قريب جدًا من أسلوب (فان كوخ).وثمة لوحات تحمل روحية البدائيين الكاتالانيين، تصور أمهات بصحبة أطفال جسيمين، تصل رؤوسهم إلى حافة قماشاللوحة.كان جزء كبير من اللوحات التي عرضها علينا في ذلك الصباح يدور في إطار موضوعات المطبخ - أرانب مسلوخة أوحمام مع البازلاء - وهو نوع من أنواع التعبير عن الأوقات العصيبة التي كان يمر بها معظم الناس في الحصول علىالغذاء، وكانت هناك لوحات أخرى وقد ألصقــت فوقهـــا قطـــع من السجـــق، على غرار تقنــية الورقالملصـــوق Papier collé، على خلفية مغايرة ذات تكوينات متقنة، ومنها بضع صور لنساء يرتدين قبعات، وفوقهاشوكة طعام أوسمك، وأصناف طعام أخرى. وأخيراً عرض علينا مجموعة صور لـ (دورا مار)، بوجه معذب إلى حدبعيد، وكان قد رسم هذه الصور خلال السنتين الماضيتين، وأعتقد أنها من بين أفضل اللوحات التي أنجزها على الإطلاق،ويأتي تصوير الشخصية بأشكال مختلفة، فوق خلفيّة بيضاء بياضًا غير ناصع، وقد أرادها أن تكون رمزاً للمأساةالإنسانية، لا مجرد تحريف لوجه امرأة كما قد تظهر على المستوى السطحي.
وفجأة وجد أنه أطلعنا على ما يكفي من الأعمال، فقرر أن ينصرف عن هرمه.قال شاهدت معرضكما. وكان ينظر إليّ، فلم أملك الجرأة على طلب رأيه بالمعرض، واكتفيت بإظهار الدهشة، فاستمرقائلاً: لديك موهبة كبيرة للرسم، وأعتقد بأنه ينبغي لك الاستمرار في العمل - بجهد كبير - وكل يوم، سأكون تواقًا لرؤيةعملك وتطوره وأتمنى أن تطلعيني على أعمال أخرى بين حين وآخر. ثم قال مخاطباً جنفييف: أعتقد بأنك وجدت المعلم الصحيح في شخص (مايول)، فالكتلاني الجيد يستحق كتلانياً جيدًا آخر.ثم قال لنا في ذلك الصباح شيئاً آخر دونته عميقاً في داخلي، غادرت شارع (دو غراند أوغسطين) أكاد أطير، فقد كنتمتلهّفة للعودة إلى مشغلي لأبدأ بالعمل.

الصفحات