أنت هنا

قراءة كتاب طرائف من التراث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
طرائف من التراث

طرائف من التراث

قد يضحك الشخص أنا أو أنت أو غيرنا وقد نبكي كلنا أو بعضنا، ولما نضحك فإن ضحكنا إنما هو سعي منا للسعادة، وبكاؤنا إنما لبكائنا على سعادة فقدت أو نحن نخشى من زوالها.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 7

هكذا يفعل الدَّيْن!

كان بالدينور  شيخ يتشيع ويميل إلى مذهب أهل الإمامة وكان له أصحاب يجتمعون إليه يأخذون عنه ويدرسون عنده يقال له بشر الجعاب فرفع صاحب الخبر بالدينور إلى المتوكل: أن بالدينور رجلاً رافضياً يحضره جماعة من الرافضة ويتدارسون الرفض، ويسبون الصحابة ويشتمون السلف.
فلما وقف المتوكل على كتابه أمر وزيره عبيد الله بن يحيى بالكتاب إلى عامله على الدينور بإشخاص بشر هذا والفرقة التي تجالسه.
فكتب عبيد الله بن يحيى بذلك فلما وصل إلى العامل كتابه وكان صديقاً لبشر الجعاب، حسن المصافاة له ، شديد الإشفاق عليه؛ همه ذلك وشق عليه، فاستدعى بشراً وأقرأه ما كوتب به في أمره وأمر أصحابه فقال له بشر: عندي في هذا رأي إن استعملته كنت غير مستبطئٍ فيما أمرت به وكنتُ بمنجاة مما أنت خائف علي منه.
قال: وما هو؟
قال: بالدينور شيخ خفاف اسمه بشر، ومن الممكن المتيسر أن تجعل مكان الجعاب: الخفاف، وليس بمحفوظ عندهم وما نسبت إليه من الحرفة والصناعة.
فَسُـرّ العامل بقوله وعمد إلى العين من الجعاب فغير عينها وغير استواء خطها وانبساطه ووصل الباء بما صارت به فاء.
وكان أخبره عن بشر الخفاف:
أنه أبله في غاية البله والغفلة، وأنه هُزَأَة عند أهل بلده وضحكة؛ وذلك أن أهل سواد البلد يأخذون منه الخفاف التامة والمقطوعة بنسيئة، ويعدونه بأثمانها عند حصول الغلة فإذا حصلت وحازوا ما لهم منها ماطلوه بدينه، ولووه بحقه واعتلوا بأنواع الباطل عليه، فإذا انقضى وقت البيادر ودنا الشتاء واحتاجوا إلى الخفاف، وما جرى مجراها؛ وافوا بشراً هذا واعتذروا إليه وخدعوه وابتدروا يعدونه الوفاء ويؤكدون مواعيدهم بالأيمان الكاذبة، والمعاهدة الباطلة، ويضمنون له أداء الديون الماضية والمستأنفة، فيحسن ظنه بهم وسكونه ويستسلم إليهم، ويستأنف إعطاءهم من الخفاف وغيرها، ما يريدونه، فإذا حضرت الغلة أجروه على العادة وحملوه على ما تقدم من السنة.
ثم لا يزالون على هذه الوتيرة من أخذ سلعه في وقت حاجتهم ودفعه عن حقه في إبان غلاتهم، فلا يتنبه من رقدته ولا يفيق من سكرته. فأنفذ صاحب الخبر كتابه وأشار بتقدم الخفاف أمام القوم والإقبال عليه بالمخاطبة وتخصيصه بالمسألة ساكناً إلى أنه من ركاكته وعيه وفهاهته بما يضحك الحاضرين ويحسم الاشتغال بالبحث عن هذه القصة ويتخلص من هذه البلية.
فلما ورد كتاب صاحب الخبر أعلم عبيد الله بن يحيى المتوكل به وبحضور القوم، فأمر أن يجلس ويستحضرهم ويخاطبهم فيما حكي عنهم وأمر فعلق بينه وبينهم سبنية ليقف على ما يجري ويسمعه ويشاهده ففعل ذلك.
وجلس عبيد الله واستدعى المحضرين فقدموا إليه يقدمهم بشر الخفاف فلما جلسوا أقبل عبيد الله على بشر فقال له: أنت بشر الخفاف؟
فقال: نعم، فسكنت نفوس الحاضرين معه إلى تمام هذه الحيلة وإتمام هذه المدالسة، وجواز هذه المغالطة.
فقال له: إنه رفع إلى أمير المؤمنين من أمركم شيء أنكره فأمر بالكشف عنه وسؤالكم بعد إحضاركم عن حقيقته.
فقال له بشر: نحن حاضرون فما الذي تأمرنا به؟
قال: بلغ أمير المؤمنين أنه يجتمع إليك قوم فيخوضون معك في الترفض وشتم الصحابة!
فقال بشر: ما أعرف من هذا شيئاً!
قال: قد أمرت بامتحانكم والفحص عن مذاهبكم؛ فما تقول في السلف؟
فقال: لعن الله السلف!
فقال له عبيد الله: ويلك أتدري ما تقول؟
قال: نعم لعن الله السلف!

الصفحات