أنت هنا

قراءة كتاب قضايا ساخنة في فكر جمال الدين الأفغاني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قضايا ساخنة في فكر جمال الدين الأفغاني

قضايا ساخنة في فكر جمال الدين الأفغاني

إن الدافع الرئيس من البحث في فكر جمال الدين الأفغاني يكمن في طرح مفكرنا إلى قضايا وحدوية ودينية وسياسية لها واقع في الماضي والحاضر والمستقبل كذلك ،ولذا ارتأيت طرح هذه القضايا وتفسيرها معتمداً على المنهج العلمي في التحليل من خلال مؤلفات المفكر ،وأراء الباحثي

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 8

أما كيفية بدء دعوة الأفغاني إلى الجامعة الإسلامية , فيجيبنا عن ذلك د.علي محافظة بقوله: ((فقد بدأ الدعوة إلى فكرة الجامعة الإسلامية منذ حجه إلى مكة عام 1857 م )) ,وقد وجدت هذه الدعوة قبولاً في نفوس الناس من مختلف الأقطار الإسلامية, بسبب تدخل الدول الأوروبية بالسياسة الخارجية العثمانية بحجة حماية المسيحيين , وعداؤها المتواصل للمسلمين.(11:21)
إن الأمر الذي يثير الاهتمام بأنصار الاتجاه الأول هو أنهم يختلفون في الوحدة إلى الجامعة الإسلامية , هل تقوم في دولة إسلامية واحدة, ويرأسها حاكم واحد؟ أم في عدة دول مستقلة يجمعها الدين؟
أما القائلون بدعوة الأفغاني إلى جامعة إسلامية ضمن دولة إسلامية واحدة, فمن هؤلاء جورجي زيدان الذي يقول : ((يؤخذ من مجمل أقواله, أن الغرض الذي كانت تصبو نحوه أعماله, والمحور الذي كانت تدور عليه آماله توحيد كلمة الإسلام, وجمع شتات المسلمين في سائر أقطار العالم في حوزة دولة إسلامية تحت ظل الخلافة العظمى)).(61:22)
وفي رأي د. أحمد أمين , أن غرض الأفغاني في حياته تمثل في إنهاض الدول الإسلامية من ضعفها, وتبصرة شعوبها بحقوقها, وربط هذه الدول كلها برباط واحد مع الخلافة في الآستانة.(4)
وأما القائلون بدعوته إلى جامعة إسلامية في عدة دول مستقلة يجمعها الدين, فمن هؤلاء محمد رشيد رضا الذي يقول: ((أما ما اشتهر عن السيد جمال الدين من كونه يريد بالجامعة الإسلامية أن يكون للمسلمين كلهم دولة واحدة , فلم أره في شيء من العروة الوثقى, ولا في غيرها مما كان يرويه عنه الأستاذ الإمام)).(306:10)
ومما يؤكد قول رضا ما جاء في رسالة الرد على الدهريين,من أنّ مقصد الأفغاني السياسي هو : النهوض بإحدى الدول الإسلامية, وجعلها قوية, حتى تلحق بها الدول الإسلامية الأخرى.(23)
كذلك يرى د. فهمي جدعان أن رضا كان على جانب كبير من الصواب عندما ذكر مقصد الأفغاني السياسي , وأن كلمة دولة جاءت نكرة,فقد يكون المقصود منها الدولة العثمانية أو إيران او مصر.(24)
ونجد ابن أخت الأفغاني يرى كذلك أن خاله دعا إلى جامعة إسلامية تتخذ شكل الحكومة الفيدرالية, في اتحاد أعلى يسمى المؤتمر الإسلامي الأعلى, وهذا المؤتمر يتشكل من علماء الدول الإسلامية وغيرها عند الاعتداء على أي دولة من الدول المتحدة, فيعلنون الجهاد ضد الدولة الأجنبية.(25)
وأعتقد أن الإتجاه الأول القائل بدعوة الأفغاني إلى جامعة إسلامية ضمن دولة إسلامية واحدة نظر الى الأمر اعتماداً على آمال الأفغاني التي كان يبينها في خياله من وحدة المسلمين في ظل الخلافة العثمانية, أما الإتجاه الثاني القائل بدعوة الأفغاني إلى جامعة إسلامية في دول عدة يجمعها الدين, فكانوا واقعيين عندما استندوا إلى قول الأفغاني: ((لا ألتمس بقولي هذا أن يكون مالك الأمر في الجميع شخصاً واحداً, فإن هذا ربما كان عسيراً, ولكنني أرجو أن يكون سلطان جميعهم القرآن, ووجهة وحدتهم الدين, وكل ذي ملك على ملكه, يسعى بجهده لحفظ الأخر ما استطاع, فإن حياته بحياته وبقاءه ببقائه. إلا أن هذا , يعد كونه أساساً لدينهم , تقضي به الضرورة وتتحكم به الحاجة في هذه الأوقات)).(75:9)
ثم إن الأفغاني عندما بايع السلطان العثماني عبد الحميد رجع عن بيعته, ووصفه بأنه ((سل في رئة الدولة)), زد على ذلك أنه حرّض على خلعه وخلع شاه ايران بقوله: ((إنّ خلعهما أهون من خلع النعلين)) .(45:9) وبالتالي, أدرك الأفغاني واقعياً أنه لا يستطيع أن يدعو إلى جامعة إسلامية معتمداً على دولة واحدة من الدول, بحيث تضم الدول كلها تحت لوائها لذلك, نبّه المسلمين على أنّ وجهة وحدتهم في دولهم المتعددة لا تكون إلا عن طريق دينهم وسلطان قرآنهم.
وسواءً أكانت فكرة الجامعة الإسلامية , في نظر الأفغاني , تقوم في دولة إسلامية واحدة أم في عدة دول يجمعها الدين, فإن الفارق بينهما تقديري , ليس كبيراً؛ لأنه اذا تحققت الوحدة القائمة على أساس ديني بين الدول المنفصلة فإنه يصاحبها, مع مرور الزمن, أن تتحقق وحدتها في دولة واحدة.
وأعتقد أن الفكرة الرئيسية من الجامعة الإسلامية التي اهتم بها الأفغاني هي أن يعمل المسلمون خصوصاً, والشرق عموماً على تقوية دولة واحدة في البداية, وتقوية الدول الأخرى , حتى تتمكن الشعوب من مقاومة المد الاستعماري الأوروبي على العالم الشرقي بوحدتهم وتعاونهم وتضامنهم .
أما السؤال الآخر الذي اعتنى به الدارسون فهو : ما الدلالات التي تعطيها فكرة الجامعة الإسلامية في نظر الأفغاني؟
يعتقد ساطع الحصري بأن الأفغاني حينما دعا إلى جامعة إسلامية , لم تكن هذه الدعوة قائمة على أساس الوحدة بين بلاد المسلمين, وإنما المقصود منها لا يتعدى حدود التعارف والتعاضد والاتفاق وتبادل السفراء. (26)
بيد أنني أرى خطأاعتقاده هذا لقصور نظرته بالوصف الذي أطلقه على فكرة الجامعة الإسلامية التي دعا إليه الأفغاني, لأن العامل الرئيس الذي اعتمد عليه الأفغاني في فكرته هذه هو الدين في المقام الأول.
وإذا رجعنا إلى البرت حوراني, نجد تفسيره لمعنى الجامعة الإسلامية التي دعا إليها الأفغاني أكثر عمقاً , إذ يقول: ((فعندما كان يتكلم عن الوحدة الإسلامية, لم يكن يعطي فقط التعاون بين الزعماء الدينيين والسياسيين, بل كان يعني أيضاً تضامن الأمة, والشعور بالمسؤولية)) ليس فقط تجاه المسلمين بعضهم ببعض , وإنما تجاه المجموع من أبناء الأمة, بغض النظر عن الاعتقادات الفردية أو المضامين القومية. لذلك, كان التضامن بمعنى التعصب , لا التعصب الأعمى, وإنما التعصب بمعنى القوة التي تحافظ على سلامة المجتمع ووحدته ووقوفه يداً واحدةً أمام الأعداء.(147:27)
أما د. محمد عمارة, فيقرر أن الأفغاني أراد من الجامعة الإسلامية التضامن بين الشعوب, لا الوحدة أو الاتحاد , ويستند بذلك إلى قول الأفغاني: ((ويظل كل ذي ملك على ملكه)).(76:9)
لكنني أرى خطأ تقريره هذا لأنه تناول قول الأفغاني جزئياً وليس كاملاً, فالقول الكامل له كنت قد ذكرته من قبل عند الاستدلال على الجامعة الإسلامية التي دعا إليها في عدة دول, بحيث يجمعها الدين.

الصفحات