أنت هنا

قراءة كتاب شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير

كتاب " شعر النازحين من الاندلس الى مصر والشام في القرن السابع الهجري بين التأثر والتأثير " ، تأليف د.آمنة البدوي ، والذي صدر عن دار الأهلية للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

ولم يقتصر الأمر على الاحتلال والاستيلاء على المدن، إنما ترتب عليه إجراءات قاسية، فحينما دخل الأدُفنش ميورقة بعد معارضة شديدة من أهلها سنة (627هـ) جرى القتال في الشوارع والميادين، وقتل الكثير من أهلها وطردوا، واغتصبت أراضيها بطريق الإقطاع، وانتهى الأمر بخضوعها([59]).

وحينما استولى الإسبان على أُبّذة (631هـ) قتلوا وسبوا أهلها واستلبوا أموالها([60])، وتلاه الاستيلاء على قرطبة (633هـ) واقتحامها، في الوقت الذي كان فيه ابن هود يعسكر بقواته غير بعيد عنها، ولم يتقدم لنجدتها، ولم يحاول استدعاء ابن الأحمر لمعاونته، لانشغالهما بخلافاتهما وتنافسهما على السلطان، في الوقت الذي صمدت فيه قرطبة ستة أشهر، واستبسل أهلها في الدفاع عنها([61]) وكان هذا الوقت كافياً لوصول قوات أحدهما، لكنهما قدماها هدية سائغة للأعداء([62])، فحل اليأس لدى أهلها مكان القوة والبسالة وأخذ النصارى يشددون في حصارها([63])، حتى نضبت مواردها وملكوها([64]). وقد جعلها الفرنج حصناً، بعدما كانت جنة زاهرة، وروضة ناضرة، فأهملوا ترعها وخلجانها فأصبحت مروجها خالية، لا يقطنها أحد([65]).

وضاعف النصارى جهودهم في التضييق على بلنسية إرهاقها([66])، يضربون أسوارها وأبراجها بالآلات الثقيلة([67])، وقد طال عليها الحصار واشتدت وطأته وبلغ بأهلها الإعياء مبلغاً، حتى اضطروا إلى تسليمها سنة (636هـ) ([68]) ولم يلتزم الفرنج بما تعهدوا به في معاهدة التسليم، بعدم التعرض للمسلمين، إذ يروي أحد مؤرخيهم معترفاً بهذه الحقيقة فيقول: «مما يبعث على الأسف الشديد والعجب أن تقرر هذه الحقيقة من أن الإسبان قليلو العهد والذمام، غدّارون لا يرحمون الضعيف، ولا يغيثون اللاجئ، وأنهم مجردون من كل مثل إنسانية، ولذلك فإنهم لم يلتزموا بالوفاء بما تعهدوا به في معاهدة تسليم بلنسية حسبما تعودوا عليه، فحالاً نقضوا كل ما فيها من العهود، وبدأوا يعاملون الضعفاء بأشد ضروب الانتقام، وانهمكوا بسفك الدماء»([69]).

ب- الظروف الاقتصادية

لا بد من عرض سريع لأحوال الأندلس الاقتصادية المزدهرة التي سبقت تردّي الأوضاع فيها، لتبين أثر لحروب والفتن على الأوضاع الاقتصادية.

فقد تميزت الحياة الاقتصادية في الأندلس بالثراء والازدهار، في فترة ممتدة سبقت الاضطرابات والفوضى وانعدام الأمن التي سببها سقوط المدن الأندلسية المتتابع بعد موقعة العقاب.

امتازت الأندلس بخصائص طبيعية ومناخية، جعلت مدنها تنتج معظم أنواع الزروع والثمار، فقد استطاع المسلمون استغلال الأراضي الزراعية، فشقوا الأنهار، وحفروا الترع وأجروا الخلجان، وسيروا إليها الماء([70])، فقد كانت للعرب معرفة بأنظمة الري ومصادرها المختلفة، سواء كانت من الأمطار، أو النهار أو الجداول، وملاءمة كل نوع من المياه، لنوع خاص من النبات، فقد تكون بعض أنواع المياه جيدة لنباتات مضرة لأخرى، ولجأوا للحفر لاستخراج المياه الجوفية لعدم كفاية مياه الأمطار والأنهار، مما جعل عندهم معرفة علمية بميزات التربة التي تحتوي على مياه عذبة، ومدى صلاحيتها للزراعة أو الرعي([71]).

وقد جاب الإدريسي هذه البلاد، قبيل منتصف القرن السادس الهجري، ذاكراً جميع المدن والموانئ والقرى، وما تشتهر به من المحاصيل الزراعية، والمنتجات الصناعية والمعدنية، علاوة على نشاطها التجاري مع غيرها من البلدان، فقد اشتهرت مدينة شنتمرية الغرب بالأعناب والتين، وتميزت شلب بنوع متميز من التين وعرفت إشبيلية بزراعة شجر الزيتون([72])، الذي قامت عليه تجارة الزيت، كما انفردت بإنتاج القطن والعسل([73])، وكانت تزرع في بلنسية الفاكهة بأصنافها، إذ كانت دورة الزراعة السنوية فيها ثلاثية، كما أنها تنتج أنواع الزراعات المختلفة سنوياً مثل الذرة والدخن والأرز([74]) وتنتج أقاليمها أشجار الزيتون ويجود فيها القمح والكتان([75]).

وفي طليطلة بساتين ورياض وفواكه مختلفة الطعوم والألوان([76])، أما جيّان فامتازت بتربيتها لدودة القز، وإنتاج العسل([77]).

وامتازت مناطق غرناطة بالغنى والخصوبة، حيث كانت تزرع فيها أشجار اللوز والعنب تسقيها جداول كثيرة، تنحدر من جبال غرناطة المرتفعة، وقد ازدادت زراعتها وتطورت حينما ازداد عدد السكان الوافدين من المناطق الأخرى بسبب الهجرات([78]).

وقد عرفت بعض المدن باستخراج المعادن الثمينة كالياقوت الأحمر في بعض مناطق مالقة([79])، واللؤلؤ بناحية برشلونة([80])، والمرجان الذي يستخرج من بحر الأندلس([81])، كما تكثر في مدن الأندلس معادن القصدير، والكحل والرصاص والنحاس والحديد والكبريت الأحمر والأصفر([82])، والزئبق في قرطبة([83])، والذهب والفضة في إلبيرة([84]) ومرسية([85]).

وقد كان توافر المواد الخام الزراعية والمعدنية من العوامل التي ساعدت على ازدهار الصناعة، فالقطن والكتان والحرير متوافرة بسبب التربة الخصبة، وكذلك وجود الثروة الحيوانية التي لا توفر اللحم والحليب فقط، بل والصوف الضروري لصناعة النسيج والملابس، كما أن المعادن متوافرة ومتنوعة بالإضافة إلى جهود العاملين، وتنوع المهارات، ووجود مهندسين ذوي خبرات عالية، ومعرفة دقيقة باحتياجات كل صناعة، واشتهرت كل بلد من بلدان الأندلس بنوع أو أكثر من أنواع الصناعات([86]).

وقد عرفت ألمرية بصناعة النسج والطرز، وصناعة الثياب من الحرير، وكان يصنع بها صنوف آلات الحديد والنحاس والزجاج([87]) واشتهرت شاطبة بصناعة الثياب البيض التي تباع بأثمان غالية لرقتها وإبداع صنعها([88])، وامتازت شاطبة بصناعة الورق الذي لا نظير له في غيرها([89])، واشتهر ميناء دانية بإنشاء السفن([90])، كما قامت صناعة الأسلحة والصناعات الجلدية في قرطبة([91]).

وقد ازدادت الصناعات غنىً وازدهاراً يوماً بعد يوم، لوفرة المواد الخام بكثرة، واتساع بنود المطالبات لتنوع العناصر السكانية، وللثراء الواسع الذي كانت تعيشه المدن الأندلسية([92]).

ونظراً لازدهار الصناعة وتقدمها، فقد نشطت الحركة التجارية، فكانت تصدر الأغنام والخراف والأسماك والزيت والتين والورق([93]) لمصر وسوريا والهند وكانت للأندلس علاقات تجارية جيدة مع المغرب وشمال إفريقيا واليونان([94]) وجنوب فرنسا وإيطاليا([95]). وكانت لسياسة إسقاط المكوس والقضاء على المغارم السلطانية دور بيّن في تنشيط الحركة التجارية وانخفاض الأسعار وظهور فترة من الرخاء الاقتصادي([96]).

ولا شك في أن الاضطراب والفوضى وسقوط المدن والاستيلاء عليها، أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، حيث اشتدت الحال، وتناهى الغلاء، وقطعت السابلة، ووقع النهب([97]). فحينما ملك العدو إفراغة([98]) من بلاد شرق الأندلس سنة (611هـ) حاصرها حصاراً شديداً، حتى أكل أهلها الجيف([99]). وفي سنة (617هـ) اشتدت المجاعة والغلاء والقحط، وكثرت الفتن في معظم بلاد الأندلس([100])، ويصف الغشتالي بلاد المغرب والأندلس حينما وردها في القرن السابع الهجري، وقد هلك أهلها من الجوع وامتلأت بالفتن([101]).

وحينما حاصر العدو أُبذة سنة (631هـ)، شعر أهلها أنه ليس بمقدورهم الدفاع عنها، فطلبوا من ألفونسو تسليمها على أن يدفعوا فدية مقدارها مليون دينار، لقاء السماح لهم بالبقاء في المدينة، وقَبِلَ ألفونسو الشرط، وعاقب كل من يتخلف عن دفع نصيبه من الغرامة بمصادرة جميع أمواله وأملاكه، وأشار القس على ألفونسو بضرورة تدمير المدينة، فعمد الجند إلى تدميرها وحرق دورها، بعد خلوها من السكان([102]) واقتسم النصارى أملاك مرجها ودورها المهجورة حينما غادرها أهلها مغلوبين سنة (633هـ) ([103]).

واستباح الأعداء منازل بلنسية وأراضيها الخصبة بعد احتلالها سنة (636هـ) فقسموها بين رجال الدين والفرسان والبارونات([104])، مما أدى إلى تشريد أهلها، واشتداد الغلاء والجوع فيها([105]). وعانت جيان من الحرمان والجوع حينما حوصرت سنة (642هـ)، وأحدقت النصارى بمدينة إشبيلية سنة (645هـ) وحاصروا أهلها براً وبحراً تسعة أشهر، فمات بالجوع خلقٌ كثير، وعدمت الأطعمة من القمح والعشير، حتى أكل الناس الجلود، وفنيت المقاتلة([106])، واستصرخ أهلها المغرب يلتمسون الغوث، لكن نفاذ الأقوات واشتداد الجوع انتهى بهم إلى تسليك المدينة سنة (646هـ) ([107]).

وسار ابن الأحمر سنة (665هـ) مع خليفة فرناندو بجيوشهما، وحينما وصلا قلعة شريش، بدأ جند فرناندو بانتساف الزروع، وتخريب الضياع([108])، وكان المسيحيون يغزون حدود غرناطة عدة مرات في السنة، على الرغم من معاهدات الهدنة والجزية، فيقطعون أشجار الفاكهة وينهبون الغلال والمواشي والأموال([109]).

ونظراً لأهمية مالقة، وما تتمتع به من غنى، فقد حاصرها فرناندو للاستيلاء عليها، إذ كانت الضرائب الجمركية فيها مصدراً للخزينة القتشالية([110]).

كما كانت الفتن في الأندلس عائقاً في طريق الازدهار الاقتصادي، فقد لحق الخراب والدمار بأجزاء كبيرة من بلاد الأندلس، حينما فرض أبو جميل زيان بن مرديش على رعيته مغارم كثيرة، كي يدفع نفقات الجند المرتزقة من النصارى، يقول ابن الخطيب من خلال حديثه عن ابن مردنيش: «فصالح صاحب برشلونة لأول مرة على ضريبة، وصالح ملك قشتالة على أخرى فكان يبذل في السنة خمسين ألف مثقال، وابتنى بجيشه من النصارى منازل معلومات، وحانات للخمور، فأجحف برعيته لأرزاق من استعان به منهم، فعظمت في بلاده المغارم وثقلت»([111]) وبالإضافة لذلك، فإن الحروب التي خاضها ابن مردنيش ضد الموحدين طوال ربع قرن من الزمان، قد ألحقت الخراب باقتصاد بعض بلاد الأندلس، وأدت إلى كساد التجارة، وندرة المحاصيل الزراعية، والمنتجات الصناعية([112]).

لقد كان لهذه الإجراءات القاسية من حصار وتضييق وتخريب للمنشآت، آثارها السلبية على الحياة الاقتصادية، فقد قلت الموارد وعدمت الأقوات، وانتشرت الأوبئة، وعمّ الجوع والحرمان، واشتد غلاء الأسعار، في حين ضاعت مصادر النقد من زراعة وصناعة وتجارة([113])، نتيجة لتخريب الأراضي والعبث فيها، وهدم المصانع والمدارس، ونتيجة لقطع الأعداء طرق الاتصالات وعزل المدن.

الصفحات