كتاب " الحب .. العاطفة المغادرة لكوكبنا " ، تأليف ابراهيم الخليل ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب الحب .. العاطفة المغادرة لكوكبنا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الحب والوجود
الحب سر من أسرار الوجود ، كامن في النفس والجسم والروح ، و لا أحد بسرّه يبوح. وهو طاقة هائلة ، تحيط بعالمنا ، تناقصت بيننا وبينه قوى الجاذبية. وكان في سمائنا مشعّا ونجما مضيئا ليل نهار، لكنّه ، بكلّ أسف ، في طريقهللأفول و الإندثار. كأنّ كواكب أخرى تجاذب ضياءه فيخفت رويدا رويدا و يبعد عنّا سناه. أو ربما نحن الذين ابتعدنا فشحّ ضياؤه. فنحن نحتاج إلى معجزة كي نعيد إلى سماواتنا الحب من جديد.
الحب ، تلك الطاقة الخيّرة التي تجمّل وجدان الإنسان ، فتدفعه إلى الإحسان و التطلّع إلى تحقيق قيم الحق و الخير والجمال في النفس و المجتمع وفي الأخلاق والمعاملات. ثمّ تتسع آفاقه و ظلاله الوارفة لتشمل كل أطراف الكون الفسيح ، كل الأحياء و كل الجمادات.
فالمحبة الحقة كما تحمل في طيّاتها السعادة المنشودة ، تبشّر بالرقي والتطور في عالم الإنسان و الأمم و تحقق السلام والأمن في العالم.
حديثا استدلّ ديكارت بفكره على وجوده حيث قال: أنا أفكّر فأنا موجود.
لكن أيّ نوع من الفكر؟ و أيّ مستوى من الوجود؟
فإذا فكّرت _مثلا_في إبادة البشرية ، بإلقاء قنبلة ذرية ، تسبب القتل و الدمار. أو فكّرت في سرقة ممتلكات الآخرين واحتلال أراضيهم واستلاب مواردهم. ووضعت خطة محكمة لتشريد وقتل وأسر مقاوميهم ، و إرهاب الآمنين و الأبرياء. فهل هذا الفكر يؤهلني إلى الإنتماء لبني الإنسان ؟ وإذا نفّذت أفكاري هذه ، فأي وجود أحقق في الواقع غير وجود مجرمي الحرب و قطّاع الطرق وأعداء الإنسانية.
فبمجرد الفكر ، من دون تحديد مجالات الخير له ، لا يكفي لتحقيق الوجود الإيجابياللائق ببني الإنسان. فالإنسان المخلوق من قبضة الطين و نفخة الروح ، يمتاز على سائر المخلوقات بتسامي المشاعر الشفّافة التي تمنحه ملكة التعالي على الضرورات ، وكبح جماح النفس الشهوانية الحيوانية الشيطانية ، و الصعود إلى مقام الملائكة الأطهار. فبتحكّمه على إرادته و اختياره طريق الخير ، يظل يتعالى ويرتفع حتّى يهجر كل الشر ، و يترفّع حّتى عن اللمم.
كما لايسعدالإنسانأن يوجد أي وجود ، كوجودالبهائم والأشجار أو الأحجار.
فالوجود الإنساني الحق هو ذلك الوجود الحي النابض بكل المشاعر الإنسانية. المفعم بالخير ، المليء بالأمل. قال الشاعر:
إنّما الميّت ميّت الأحياءمن أضحى كسيفا باله قليل الرجاء
فالوجود الحي الإيجابي هو الذي يؤثّر و يتأثّر. المتعاون مع الآخرين على الخير.
المتجانس مع الكون. دائم الرضى و الإبتسام. ذو فطرة نقيّة كالطفل الوليد.
وجود متآلف مع الآخرين في مودّة. الوجود الذي ينشد العدل وينبذ الظلم .
ويستهويه الجمال في كلّ شيء. فإذا فقد هذه الصفات فهو وجود ميّت صنو العدم ، و إن كانت تجري في عروقه الحياة !
فكيف نصيغ هذا الفكر أولا ، لينتج لنا وجودا ثانيا، يليقان بالإنسان ؟
الحب وحده يصنع المعجزة في الحالتين.
أنا أفكر فأنا موجود ، غير مقبولة لإطلاق الفكر دون قيد ، ولإبهام الوجود دون تعريف كما أسلفنا.
أنا أحب فأنا موجود ، مقولة قديمة بلفظها ، جديدة بتفسيرها ، لكنّها أيضا غير كافية.