أنت هنا

قراءة كتاب انهيار الإمبراطورية الأمريكية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
انهيار الإمبراطورية الأمريكية

انهيار الإمبراطورية الأمريكية

كتاب " انهيار الإمبراطورية الأمريكية " ، تأليف د. عبد علي كاظم المعموري ، والذي صدر عن

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 9

المبحث الرابع:عصر التمدد الإمبراطوري

بعدما غادرت أمريكا لأطروحة الانكفاء والعزلة والتي أريد منها تثبيت جبهة الاستعمار الأوربي في فضاء أمريكا الجنوبية، ومن ثم الاستعداد لاحقاً للتهيؤ لأن تشغل الدور الأوربي وتزاحمه في تخومه، بعدما أنجزت الولايات المتحدة الأمريكية ممكنات خروجها، والأعداد لأن تكون وريثاً شرعياً لكل الاستعمار الغربي وللإمبراطورية البريطانية، وتعمل مستفيدة من كل هذا الإرث القهري للمجتمعات الأخرى، ارتكازاً على معطيات مختلفة، تحكمها قدرة إغوائية عالية، ودفوعات إنسانية مقبولة نظرياً، واستخدام لقوة إعلامية يصعب مواجهتها، وقدرة هائلة على التلاعب بالرأي العام المحلي والعالمي، وتزييفه وتسطيحه، على خلفية سيناريوهات تغترف من هوليود إمكاناتها في الإنتاج السينمائي المفبرك.

ولهذا يخطئ من يتصور أن أمريكا قد فترت عزيمتها يوماً عن التفكير في أن تكون قوة مهيمنة وإمبريالية بامتياز، طالما أن الأوضاع التي رسمتها وخططت لها من أجل التسلق واستلام سدة السيطرة العالمية، قد جاءت بأكلها تباعاً.

ولا يجانب الحقيقة أي باحث عندما يستنتج أن العقل الاستراتيجي الأمريكي كان ناجحاً في تخطيطه البعيد والقريب، في إدامة زخم التطلع وبناء القدرات، والولوج الممهد للموقع والمستوى المطلوب، ولم يكن قفزاً غير منتظماً، بل أنها استطاعت أن تختار الزمن المثالي لفعالياتها، على وفق أمثلية سياسية - اقتصادية، خفضت من تكاليف استغلالها للفرص، وعظمت من منافعها بشكل أنعكس على استعانة أغلب الدول بها في لحظات تاريخية محددة.

إن البناء الامبريالي الأمريكي نهل من معين متغيرات عديدة، عملت كقنوات رفد للمنتج الاستراتيجي، وهذا انعكس في تنوع مصادر الرفد من مجالات عدة، سواء أكانت عسكرية صرف، أم اقتصادية، أم مالية ونقدية، أم ثقافية، وصولاً إلى بناء منظومة متكاملة تمتد على مروحة واسعة من الخيارات والمسالك للتعامل مع أوضاع الدول والأقاليم، ولكنها ظلت أمينة على الركون على القوة العسكرية في الاستخدام متى ما كان ذلك موجباً من دون الاكتراث بأية التزامات.

إن الخروج الكبير لأمريكا على العالم بقوة في حدثان القرن الماضي، على وفق متوالية تغذت من شعارات كانت ترسم باستمرار وبما يتناسب مع متطلبات كل مرحلة، فتارة يتم اعتماد منح حق تقرير المصير للشعوب وأخرى الدفاع عن الديمقراطية وتارة رد الخطر الشيوعي وتارة رفعت نظرية الدومينو، ومن ثم إمبراطورية الشر والاحتواء المزدوج والحرب على الإرهاب ومحور الشر.

ظل التدخل الأمريكي على طول تاريخيته ذرائعياً، يحاول أن يجد ما يبرر ذلكم التدخل، سواء أكان مقبولاً أم غير مقبول، وسواء كان الحدث أو التحدي صغيراً أم كبيراً، حقيقياً أم وهمياً، ففي سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية كانت مبررات التدخل تنحصر بعلاقاتها مع المنافسين الغربيين، التي كانت الإستراتيجية الأمريكية قد وضعتهم في دائرة الاهتمام، كون صعودهم أو بقاءهم، يعد تعطيلاً للدور الأمريكي وإبطاء له.

ليست الولايات المتحدة الأميركية كسواها من المستعمرات السابقة، لأنها، بعد نيل استقلالها وتوطيد أركانها، باشرت سلسلة من التدخلات العسكرية، بشكل تضاعف إلى حد كبير في القرن العشرين، رغم ذلك، لم تبن الولايات المتحدة إمبراطورية استعمارية على غرار سالفاتها الفرنسية والبريطانية، وإنما اعتمدت على جولات التدخل في هذا البلد أو ذلك، لإسقاط حكومة هنا، وحماية (مصلحة قومية حيوية) هناك، وعلى الرغم من أن هذا التدخل التزم في البداية دائرة إقليمية، فحصر مجاله في الأميركيتين وفقا لمبدأ مونرو، إلا أنه سرعان ما امتد التدخل في غضون الحرب الباردة وما تلاها ليشمل مختلف القارات.

ومن الملاحظ في الربع الأخير من القرن العشرين وبواكير القرن الحادي والعشرين أن حدة التدخلات والاحتلالات قد تصاعدت بقوة لغياب الموقفين الدولي والتوازني، فلم يعد ممكنا مواجهة الولايات المتحدة لإجبارها على إيقاف تدخلها في أية منطقة من العالم، ولم تعد تخشى من أية دولة ما.

الصفحات