أنت هنا

قراءة كتاب الحلال والحرام في الاسلام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحلال والحرام في الاسلام

الحلال والحرام في الاسلام

كتاب " الحلال والحرام " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 8

1- الأصل في الأشياء الإباحة

كان أول مبدأ قرره الإسلام : أن الأصل فيما خلق الله من أشياء ومنافع ، هو الحِلُّ والإباحة ، ولا حرام إلا ما ورد نصٌّ صحيح صريح من الشارِع بتحريمه ، فإذا لم يكن النص صحيحًا ـ كبعض الأحاديث الضعيفة ـ أو لم يكن صريحا في الدِّلالة على الحُرمة ، بقي الأمر على أصل الإباحة .

وقد استدل علماء الإسلام على أن الأصل في الأشياء والمنافع الإباحة ، بآيات القرآن الواضحة من مثل قوله تعالى : "هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا"(البقرة:29) . "وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ"(الجاثية:13) . "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً"(لقمان:20).

وما كان الله سبحانه ليخلق هذه الأشياء ويسخرها للإنسان ويمن عليه بها ، ثم يحرمه منها بتحريمها عليه!! كيف وقد خلقها له ، وسخرها له ، وأنعم بها عليه؟!
وإنما حَرَّم جزئيات منها لسبب وحكمة سنذكرها بعد .

ومن هنا ضاقت دائرة المُحَرَّمات في شريعة الإسلام ضيقا شديدا ، واتسعت دائرة الحلال اتساعًا بالغًا . ذلك أن النصوص الصحيحة الصريحة التي جاءت بالتحريم قليلة جدًّا ، وما لم يجئ نصٌّ بِحِلِّه أو حُرمته ، فهو باق على أصل الإباحة ، وفي دائرة العفو الإلهي .

وفي هذا ورد الحديث : ما أحل الله في كتابه فهو حلال ، وما حرم فهو حرام . وما سكت عنه فهو عفو . فاقبلوا من الله عافيته ، فإن الله لم يكن لينسى شيئا ، وتلا : "وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا"(مريم:64)(8).

وعن سلمان الفارسي : سُئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن السمن والجبن والفراء فقال : الحلال ما أحل الله في كتابه ، والحرام ما حرم الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفا لكم(9). فلم يَشَأ عليه الصلاة والسلام أن يجيب السائلين عن هذه الجزئيات ، بل أحالهم على قاعدة ، يرجعون إليها في معرفة الحلال والحرام ، ويكفي أن يعرفوا ما حرم الله ، فيكون كل ما عداه حلالا طيبًا .

وقال (صلى الله عليه وسلم) : إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا فلا تعتدوها ، وحَرَّم أشياءَ فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها(10).

وأحب أن أنبه هنا على أن أصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان ؛ بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة ، وهي التي نسمِّيها (العادات أو المعاملات) فالأصل فيها عدم التحريم وعدم التقييد ، إلا ما حرمه الشارع وألزم به . وقوله تعالى : "وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ" (الأنعام:119) . عام في الأشياء والأفعال .

وهذا بخلاف العبادة ، فإنها من أمر الدين المحض الذي لا يُؤخذ إلا عن طريق الوحي . وفيها جاء الحديث الصحيح : مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ(11).

وذلك أن حقيقة الدين تتمثل في أمرين : ألا يُعبد إلا الله ، وألا يُعبد الله إلا بما شرع ، فمن ابتدع عبادة من عنده ـ كائنا من كان ـ فهي ضلالة تُرَدُّ عليه ، لأن الشارع وحده هو صاحب الحق في إنشاء العبادات التي يتقرب بها إليه .

وأما العادات أو المعاملات ، فليس الشارع منشئًا لها . بل الناس هم الذين أنشؤوها ، وتعاملوا بها ، والشارع جاء مصححا لها ومعدلا ومُهذِّبا ، ومُقرًّا في بعض الأحيان ما خلا عن الفساد والضَّرر منها .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان : عبادات يصلح بها دينهم ، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم ، فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها ، لا يثبت الأمر بها إلا بالشَّرع .

وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه . الأصل فيه عدم الحظر . فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى . وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله ، والعبادة لا بد أن تكون مأمورًا بها ، فما لم يثبت أنه مأمور به ، كيف يحكم عليه بأنه محظور؟!

ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون : إن الأصل في العبادات التوقيف ، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معنى قوله تعالى : "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ" (الشورى:21).

والعادات الأصل فيها العفو ، فلا يحظر منها إلا ما حرمه الله ، وإلا دخلنا في معنى قوله : "قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا"(يونس:59) .

وهذه قاعدة عظيمة نافعة ، وإذا كان كذلك فنقول : البيع والهبة والإجارة، والمزارعة والقرض والمضاربة ، والشركة والحوالة والوكالة ، وغيرها من العادات التي يحتاج الناس إليها في معاشهم ـ كالأكل والشرب واللباس ـ فإن الشريعة قد جـاءت فـي هـذه العادات بالآداب الحسنة ، فحرمت منـهـا ما فيه فساد ، وأوجبت ما لا بد منه ، وكرهت ما لا ينبغي ، واستحبت ما فيه مصلحة راجحة ، في أنواع هذه العادات ومقاديرها وصفاتها .

وإذا كان كذلك ، فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف يشاءون ، ما لم تحرم الشريعة ، كما يأكلون ويشربون كيف شاءوا ، ما لم تحرم الشريعة ـ وإن كان بعض ذلك قد يستحب ، أو يكون مكروهًا ـ وما لم تحد الشريعة في ذلك حدًّا ، فيبقون فيه على الإطلاق الأصلي)(12).

ومـمـا يـدل على هـذا الأصـل المذكور ما جاء في الصحيحين ، عـن جـابـر ابن عبد الله قال : كنا نعزل والقرآن ينزل ، فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن(13).

فدل على أن ما سكت عنه الوحي غير محظور ولا مَنهيٍّ عنه ، وأنهم في حِلٍّ من فعله حتى يرد نص بالنهي والمنع . وهذا من كمال فقه الصَّحابة رضي الله عنهم . وبهذا تقررت هذه القاعدة الجليلة : ألا تشرع عبادة إلا بشرع الله ، ولا تحرم عادة إلا بتحريم الله .

الصفحات