أنت هنا

قراءة كتاب الحلال والحرام في الاسلام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحلال والحرام في الاسلام

الحلال والحرام في الاسلام

كتاب " الحلال والحرام " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 10

3- تحريم الحلال وتحليل الحرام قرين الشرك بالله

وإذا كان الإسلام قد نعى على من يحرمون ويحللون جميعا ، فإنه قد اختص المحرمين بحملة أشد وأعنف ، نظرا لما في هذا الاتجاه من حجر على البشر ، وتضييق لما وسَّع الله عليهم بغير موجب ، ولموافقة هذا الاتجاه لنزعات بعض المتدينين المتنطعين .

وقد حارب النبي (صلى الله عليه وسلم) نزعة التَّنطع والتشدد هذه بكل سلاح ، وذم المتنطعين وأخبر بهلكتهم إذ يقول : ألا هلك المتنطعون ، ألا هلك المتنطعون(18).

وأعلن عن رسالته فقال : بعثتُ بالحنيفية السمحة(19). فهي حنيفية في العقيدة والتوحيد ، سمحة في جانب العمل والتشريع .

وضد الأمرين الشرك وتحريم الحلال ، وهما اللذان ذكرهما النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى أنه قال : =إني خلقت عبادي حنفاء ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأَمَرتهم أن يُشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا+(20).

فتحريم الحلال قرين الشرك ، ولهذا شدد القرآن النكير على مشركي العرب في شركهم وأوثانهم ، وفي تحريمهم على أنفسهم من الطيبات ، من أنواع الحرث والأنعام ما لم يأذن به الله ، ومن ذلك تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي .

فقد كانوا في الجاهلية إذا ولدت الناقة خمسة أبطن ـ آخرها ذكر ـ شقوا أذنها ومنعوا ركوبها ، وتركوها لآلهتهم ، لا تُنحر ولا يُحمل عليها ، ولا تُطرد عن ماء أو مرعى ، وسموها (البحيرة) أي مشقوقة الأذن .

وكان الرجل إذا قدم من سفر ، أو بَرَأ من مرض أو نحو ذلك سيب ناقته وخلاها ، وجعلها كالبحيرة ، وتسمى (السائبة).

وكانت الشاة إذا ولدت أنثى فهي لهم ، وإذا ولدت ذكرا فهي لآلهتهم ، وإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا : وصلت أخاها ، فلم يذبحوا الذَّكر لآلهتهم ، وتسمى (الوصيلة) .

وكان الفحل إذا لقح ولد ولده قالوا : قد حمى ظهره ، فلا يُركب ولا يُحمل عليه ، ويسمى (الحامي) . . . إلخ . وفي تفسير هذه الأربعة أقوال كثيرة تدور حول هذا المحور .

أنكر القرآن عليهم هذا التحريم ، ولم يجعل لهم عذرا في تقليد آبائهم في هذا الضلال "مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ" (المائدة:103،104).

وفي سورة الأنعام مناقشة تفصيلية لما زعموا تحريمه من الأنعام ، من إبل وبقر وضأن ومعز ، ساقها القرآن في أسلوب تهكمي ساخر ، ولكنه مفحم : "ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ" (الأنعام:143،144).

وفي سورة الأعراف مناقشة أخرى ، ينكر الله فيها على المحرِّمين ، ويبين فيها أصول المحرمات الدائمة : "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ" (الأعراف:32).

"قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ" (الأعراف:33).

وهذه المناقشات في السُّور المكية ، التي تعنى دائما بإثبات العقيدة والتوحيد والآخرة ، تدلنا على أن هذا الأمر ـ في نظر القرآن ـ ليس من الفروع والجزئيات ، وإنما هو من الأصول والكليات .

وفي المدينة ، ظهر بين أفراد المسلمين من يميل إلى التشدد والتزمت ، وتحريم الطيبات على نفسه ، فأنزل الله تعالى من الآيات المحكمة ما يقفهم عند حدود الله ، ويردهم إلى صراط الإسلام المستقيم : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ" (المائدة:87،88).

وأوقفهم المنهج الإسلامي عند حد التوازن ، الذي تقوم عليه (الوسطية الإسلامية) الإيجابية التي تقوم على التيسير في العمل ، والتبشير في الدعوة ، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا(21).

وقال : إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين(22).

وهو ينطلق من تأكيد القرآن على التيسير ، وتحذيره من التعسير :

"يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ " (البقرة:185)

"يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفً" (النساء:28)

"وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحج:78)

الصفحات