أنت هنا

قراءة كتاب الحلال والحرام في الاسلام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الحلال والحرام في الاسلام

الحلال والحرام في الاسلام

كتاب " الحلال والحرام " ، تأليف د.

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 9

2- التحليل والتحريم حق الله وحده

المبدأ الثاني : أن الإسلام حدد السلطة التي تملك التحليل والتحريم ، فانتزعها من أيدي الخلق ، أيًّا كانت درجتهم في دين الله أو دنيا الناس ، وجعلها من حق الربِّ تعالى وحده . فلا أحبار أو رهبان ، ولا ملوك أو سلاطين ، يملكون أن يحرموا شيئًا تحريمًا مؤبدًا على عباد الله .

ومن فعل ذلك منهم فقد تجاوز حدَّه ، واعتدى على حق الربوبية في التشريع للخلق ، ومن رضي بعملهم هذا واتبعه فقد جعلهم شركاء لله ، واعتبر اتباعه هذا شركا : "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ"(الشورى:21) .

وقد نعى القرآن على أهل الكتاب (اليهود والنصارى) الذين وضعوا سلطة التحليل والتحريم في أيدي أحبارهم ورهبانهم ، فـقـال تعـالـى فـي سـورة التوبة : (التوبة:31) .

وقد جاء عدي بن حاتم إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)ـ وكان قد دان بالنصرانية قبل الإسلام ـ فلما سمع النبي(صلى الله عليه وسلم)يقرأ هذه الآية : ، قال : يا رسول الله ، إنهم لم يعبدوهم ، فقال : =بلى ، إنهم حرَّموا عليهم الحلال ، وأحلُّوا لهم الحرام فاتَّبعوهم!! فذلك عبادتهم إياهم.

وفي رواية أن النبي(صلى الله عليه وسلم)قال تفسيرا لهذه الآية : =أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئا استحلُّوه ، وإذا حرَّموا عليهم شيئا حرَّموه(14).

ولا زال النصارى يزعمون أن المسيح أعطى تلامذته ـ عند صعوده إلى السماء ـ تفويضا بأن يحللوا ويحرموا كما يشاءون ، كما جاء في إنجيل متى (18 : 18) (الحق أقول لكم ، كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا فـي السماء ، وكـل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء) .

كما نعى على المشركين الذين حرموا وحللوا بغير إذن من الله . قال تعـالـى : "قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ"(يونس:59).

وقال سبحانه : "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ"(النحل:116) .

ومن هذه الآيات البينات ، والأحاديث الواضحات عرف فقهاء الإسلام معرفة يقينية أن الله وحده هو صاحب الحق في أن يحل ويحرم ، في كتابه أو على لسان رسوله ، وأن مهمتهم لا تعدو بيان حكم الله فيما أحل وما حرم (الأنعام:119) وليست مهمتهم التشريع الديني للناس فيما يجوز لهم وما لا يجوز . وكانوا ـ مع إمامتهم واجتهادهم ـ يهربون من الفتيا ، ويحيل بعضهم على بعض ، خشية أن يقعوا ـ خطأ ـ في تحليل حرام أو تحريم حلال .

روى الإمام الشافعي في كتابه (الأم) عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال : (أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون الفتيا ، أن يقولوا : هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير .

حدثنا ابن السائب عن الربيع بن خثيم ـ وكان من أفضل التابعين ـ أنه قال : إياكم أن يقول الرجل : إن الله أحل هذا أو رضيه ، فيقول الله له : لم أحل هذا ولم أرضه! أو يقول : إن الله حرم هذا ، فيقول الله : كذبت ، لم أحرمه ولم أنه عنه+.

وحدثنا بعض أصحابنا أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عـنـه قالوا : هـذا مكروه ، وهذا لا بأس به ، فأما أن نقول : هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا)(15)!!

هذا ما نقله أبو يوسف عن السلف الصالح ، ونقله عنه الشافعي وأقره عليه ، كما نقل ابن مفلح عن شيخ الإسلام ابن تيمية : أن السلف لم يطلـقـوا الـحـرام إلا على ما علم تحريمه قطعا(16).

وهـكـذا نـجـد إمـامـا كـأحـمـد بـن حنـبـل يُسأل عـن الأمـر فيقول : أكرهه أو لا يعجبني ، أو لا أحبه ، أو لا أستحسنه .

ومثل هذا يُروى عن مالك ، وأبي حنيفة وسائر الأئمة رضي الله عنهم(17).

الصفحات