أنت هنا

قراءة كتاب عمر بن الخطاب شهيدآ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عمر بن الخطاب شهيدآ

عمر بن الخطاب شهيدآ

كتاب " عمر بن الخطاب شهيدآ " ،تأليف عبد الله خليفة ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

- 2 -

يمشي في الخلاء وحيدًا· عيناه تحدقان في الشرق، حيث توارت الجيوشُ، وحيث مضى أغلبُ الرجال وخلفوا الوحشةَ والصمتَ والهجسَ، يهمسُ في نفسهِ: (هل سيعودون؟ ماذا لو اختفوا هناك وذابوا بين المياهِ الجياشةِ والتلال والمدنِ المتقنفذة بالخناجر والسيوف؟ يقولون أهلكهم عمر! يكون الحسابُ عسيرًا في ضفتي الزمن· ماذا فعلتَ بالناس يا عمر وقذفتَ بهم في لججِ النار؟ هل صمتوا وسكنوا لأن خالد بن الوليد ليس معهم؟ هكذا يقول الناس! أبو بكر رحمه الله أرسل خالدًا إلى الشام فصمت الجيشُ في العراق وكأن خالدًا هو الذي يحركُ كلَ شيء!)·

ليس سوى الرمل يمتدُ لامباليًا بجوفهِ المشتعل·

ويمضي في الكلامِ الساخن مع نفسه:

(ولكن خالدًا أثبت أنه فعلاً قائد فذ، وها هو يحقق في أجنادين نصرًا ويصفع الرومَ صفعةً شديدة بينما أنت هنا تمشي فوق الرمال! هيا كفَّ يا عمر عن هذا الحسدِ لابن عمك، أصعدْ عن هذه المشاحنات·· لا والله! لم أحسدهُ أبدًا على عملٍ نبيل يقومُ به، بل لهذه الخيلاء التي فيه، وهذا الغياب للأخلاق المثلى ولهذا الحب للصغائر والعلو الشخصي·· يا ليته ألغى هذه التفاهات من نفسه الكبيرة!·· أنت تحسدهُ يا عمر على انتصاراته الحربية الفذة·· كنتَ تراه في أُحد يتقدم شجاعًا قويًا يضرب المسلمين وأنت تهرب·· آه·· يا لها من حادثة، لكن هو كان في موقع الشرك لا في موقع النبل! وكانت كل انتصاراته الكبيرة الفذة للأسف ملطخة بصغائر ما كان أجمله لو ارتفع عنها! أأنا أريدُ له الصغر حاشا الله! أنا أحبه وهو لا يحب نفسه!)···

لكن خالدًا الموجود في الشام على جيش وربما على الجيوش الإسلامية كلها هو المذكور كالعادة وجبهة الشام اشتعلت وجبهة العراق انطفأت·· تعرفهُ منذ الصغر فهو ذكي وماهر ولكنه أناني·· لا يملك مسحةً من أخلاق رفيعة، والجمهورُ لا يرى ما هو واضح جلي، كل انتصار يرفعه أكثر فأكثر فوق الرؤوس والقيم!

(لكي أجعلهم يؤمنون أنهم هم وقود هذه المعارك وأسباب انتصاراتها لا بد أن أحركَ هذا الأفقَ العراقيَّ الصامت، الذي نامَ بعد ذهاب خالد بن الوليد! وكل يومٍ يأتي من الشام خبرٌ مجللٌ! ماذا ستفعل يا عمر هل ستترك مثل هذا المغرور يصعد ويتحكم في الناس؟ لكنني لو عزلته منذ الآن لقالوا تجنى عليه· هؤلاء الناس لا يدركون ماذا سيجري لهم غدًا؟ لو جاء على رأسِ جيشٍ وغزا المدينة من سيرده؟ اسمه صار جيشًا لوحده! أي مسائل شائكة عليك أن تحلها يا ابن الخطاب!، وجمهرةُ الرجالِ في المدينة مسترخية!)·

يحدقُ فيهم بالمسجد وهم رؤوسٌ هادئة وادعة تفكر بخبزها وأطفالها وتعود راضية بلقمتها البسيطة أو بغنائمها الجديدة، وهو يصرخ بهم:

- أقول لكم إنهضوا لقتال الفرس ومساعدة إخوانكم المحاصرين بجحافل الجيوش وأنتم تدورون بأعينكم عني خجلاً أم خوفًا أم طمعًا في هذه العيشة الهائنة التي رضيتم بها؟!

يصمتون ويعودون إلى دورهم وهو يمضي في الطرق· هذا رجلٌ أثقل راحلته بالأشياء فيصرخ به:

- خففْ عن الجمل يا هذا؟ ألا تراه يغوصُ في التراب؟!

- حسنٌ، حسنٌ يا أمير المؤمنين!

يتقدم منه شحاذٌ ملأ كيسه بالأكل:

- حسنة لله يا عمر، فقير إلى مال الله يا أمير المؤمنين!

يأخذُ كيسَه الممتلئ ويبعثرُ الأكلَ الذي فيه، للطير، ويقول:

- الآن تستطيع أن تشحذ!

الصفحات