أنت هنا

قراءة كتاب قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير

كتاب " قتل الملاك في بابل _ المفكر والناقد قاسم عبد الأمير " ، تأليف علي عبد الأمير عجام ، والذي صدر عن دار المؤسسة للدراسات والنشر .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

3- أحمد جميل عبد القادر :

لهذا المعلم المتألق محبة باقية في نفسي وربما في نفوس كثيرين· إذا قدم لنا حين باشر عمله معلما للاجتماعيات دما جديدا لا في طريقة التدريس فقط وإنما في ربط التاريخ بقضايا الحاضر، وكذا الجغرافية والواجبات الوطنية والتربوية، ولم يلبث أن أصبح نقطة جذب للطلبة الكبار في المدرسة، خصوصا أولئك الذين يميلون للحديث في أخبار سياسية، كما كان يدهشنا بجمال خطه وقدرته على الرسم بيده اليسرى·· إذ كان أعسر· وقد علمنا، رحمه الله، الرسم أيضا وشجع على تشغيل مرسم المدرسة ونفذ ذلك مشجعا على مشاركة مدرستنا، معلمين وطلاباً، في المعرض السنوي الفني لمدارس اللواء (المحافظة)· وأدهش المدرسة بتكنيك جديد هو الرسم بالبوية على الزجاج مباشرة، حيث كان يختار لوحة، منظراً طبيعياً غالبا، ويضعها تحت الزجاج ويلون الزجاج بألوانها·· وبمثل ذلك يرسم لوحته الخاصة مبرهنا على إتقانه مزج الألوان والسيطرة عليها، وكثيرا ما كان يرسم على مرأى التلاميذ والمعلمين في المرسم أو في قاعة المدرسة فيحبب لنا نحن تلاميذه الفن وممارسته·

وإلى ذلك كانت حماسته لإقامة مباريات رياضية في كرة الطائرة خاصة بين فريق المدرسة الطلابي وفريق من المعلمين، فكانت تلك المباريات مبعث دهشتنا وانفعالنا وفرحنا وسببا لمزيد من حبنا لمعلمينا· أستطيع أن أضيف لقدراته التعليمية والتربوية أناقته المتميزة، وما زلت أعتقد أنها كانت من حوافزي المستمرة إلى الآن للحرص على النظافة والأناقة الأفضل· وحين صرت ألتقيه، رحمه الله، في بغداد وأنا في الصف الأول بكلية الزراعة - في مقهى ياسين بشارع أبي نؤاس غالبا - كان يحدثني كصديق في موضوعات ثقافية وفنية عامة تدل على ثقافته وتفتحه حتى فجعت بوفاته المفاجئة وهو في عز تألقه، وكان ذلك عام 63 أو 1964·

4- زكي جاسم :

كان اسما مخيفا فعلا، لأنه شديد العقاب، ولأنه معلم الحساب الصعب· وحين بدأت شوطي معه كان حين بدأ درسه معنا في الصف الخامس، ولكني سرعان ما اكتشفت بعد أول امتحان شهري أن ذلك الخوف لا معنى له، وأن هذا المعلم لا يريد أكثر من الدقة التامة في الإجابة، ولا يريد أكثر من واجب يومي منجز ودفتر نظيف ومشاركة نشيطة في الصف·· بل إنه يشدد على هذا النشاط، وإلا !!

وحين يتوفر أي تلميذ على ذلك فله من معلمنا المهاب هذا كل التشجيع بل والمداعبة أيضا، وقد نلتهما منه بسخاء، وما زالت دقته في عرض المسائل الحسابية وطريقته في تقسيم وتبويب الحل تفعل فعلها في كثير من حساباتي الآن· وكان مثل زميله الأستاذ أحمد جميل نشطا في المرسم·· جميل الخط، يتبارى وإياه في الرسم على الزجاج وينافسه في كرة الطائرة، ومثله حريصا على متابعة تلاميذه تربويا، ومما أذكره أنه أسس صندوقا لطلاب الصف السادس من (كفاراتهم) عن أي يمين يحلفون بها أثناء الحديث في الصف مع المعلم أو مع الزملاء· فقد فرض على كل من يقسم يمينا في حديثه أن يدفع فلسا واحدا لأمين الصندوق وقد كلفني بهذه المهمة·· وكلفني أن أنتبه لمن يتحدث فإذا غفل هو عن ضبط يمينه نبهته أنا !! ومن مدخرات هذا الصندوق وفرنا العديد من احتياجات الصف كبعض ألواح الزجاج للشبابيك وقماشا للستائر وغيرها، وأهم من ذلك أشعرنا أن الإكثار من الأيمان عادة ليست محمودة، كان يفخر بتتلمذه على أستاذه عبد العزيز عبد اللطيف (أبو سعود)·

5- فاضل محمد بابان· المدير :

لم يكن الشيب الذي يتوج رأس مدير مدرستنا هذا عائقاً عن نشاطه الدائب في متابعة كل صغيرة وكبيرة من شؤون المدرسة، ولحزمه وصرامته في محاسبة المقصرين· كان التهديد برفع الأمر إليه يثير الهلع في نفس كل من يتلقى ذلك التهديد، خاصة وأنه يصر على معاقبة ذوي الذنوب الكبيرة كالغش أو الهروب من المدرسة عبر سياجها، معاقبتهم علناً أمام جميع طلبة المدرسة في الاصطفاف الصباحي، بعد أن يقرأ الأمر الإداري بمعاقبتهم، بنبرة خاصة تنم عن الخطورة، ويشرح خطورة ما اقترفوه من خطايا· ولذلك كان إذا مر في القاعة خلال الدروس، يتهامس التلاميذ الجالسون إلى الشباك··· بأن المدير يفتش ! فتسري الهمسات إلى الصف كله··· المدير يفتش! وكانت متابعته للصفوف وعملية التعليم، ونظافة الساحة والحدائق والقاعة ومرافق المدرسة كافة من يومياته الثابتة دونما وقت محدد لها·

ومع أن المدير لا يدخل الصف للتعليم إلا نادراً إلا أنه يعرف تلاميذ المدرسة المتفوقين في كل صف، ويهتم بشكل خاص بمتفوقي الصف الخامس والسادس· أما حين يدخل في بعض الحصص لتعليمنا الخط فتلك كانت متعتي الخاصة، إذ كان خطه في منتهى الأناقة، وكان يقطع الطباشير بطريقة معينة تجعل لإتقانه الخط جمالاً خاصاً، وحينما ينتهي من خط الجملة التي يريدها كانت تطوف على وجهه المغضن ابتسامة حالمة، ويتراجع عن السبورة متأملاً لها متقدماً نحوها (مرتّشاً) لبعض أطراف حروفها والابتسامة ما تزال عالقة بثغره، ثم يشرح لنا قواعد رسم الحروف والصف هادئ كأن على رؤوسنا الطير·

ومن يدخل مكتبه يستطيع أن يقرأ الكثير من مفردات أسلوب هذا المدير، ففي ذلك المكتب المطل على حديقة المدرسة الصغرى كل ما يحرص عليه من أناقة وتنظيم وهيبة·

وأعتقد أن كثيراً من مدراس اليوم تفتقر إلى الكثير مما كان في مكتبه من مستلزمات وأثاث وإشراق وتنظيم·

بعد أن انتقل وأسرته إلى بغداد لسنوات عديدة لمحته ذات يوم في أحد مواقف باصات مصلحة نقل الركاب في محلة الشواكة (القديمة) وكنت حديث عهد بحصولي على شهادة الماجستير عام 1977·.· كنت في عجلة من أمري عندما لمحته عن بعد بشيبته وقامته المديدة التي دب فيها الانحناء، فترددت بين المضي في طريقي وبين السلام عليه، كما تلزمني أخلاقياتي، وما يتطلبه ذلك من تذكيره بي، إذ كيف سيتعرف علي بعد سنوات لم نلتق خلالها، ولعلها زادت على عشر سنوات من آخر لقاء لي به ؟! لكنه فاجأني وقطع ترددي بإقباله نحوي فاتحاً ذراعيه أمام الناس مردداً على مسمع منهم هلة·· هلة بوليدي العزيز فأسرعت إلى أحضانه أقبل كتفيه ووجهه وأردت تقبيل يديه فلم يسمح لي وإنما أمسك بيدي ليقدمني إلى المنتظرين في موقف الباص وهم يتابعون لقاءنا مبتسمين : هذا تلميذي··· أي نعم تلميذي··· شوفوا شلون مهيوب ! متفوق دائماً··· ماجستير بدرجة امتياز بالزراعة لكنه أديب ! أي نعم··· أديب هل قرأتم مقالاته··· إنه فلان تلميذي لكنه كان أحلى ! كان أبيضَ حلواً وعاد يحتضنني وتركني أمسح دمعاً (كما أفعل اللحظة وأنا أكتب هذا)، ثم انفرد بي يسألني عن عائلتي وشؤوني وأنا ما زلت تحت مفاجأة معرفته بمعظم أخباري، وأنه يتابع ما أكتب· ثم راح يحدثني عن آخر قراءاته الثقافية وكأنني لست تلميذه الذي ما يزال يقف بين يديه خجلاً متردداً·

رحم الله أبا سعد فقد كانت إدارته لمدرستنا حديث المدينة، وكانت قوة شخصيته تمنح مدرستنا هيبة خاصة·

الصفحات