أنت هنا

قراءة كتاب أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

كتاب " أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون ، تأليف غي سورمان ، ترجمة مرام المصري ، والذي صدر عن دار المؤسسة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

الفصل الأول

إنسانيّ ومؤمن

بعد اثنين وثلاثين يوماً من مغادرته الإسكندرية، في 51 أيار عام 6 2 8 1، لمح رفاعة مرفأ مرسيليا· كان هذا العبورُ للبحر الأبيض المتوسط، بالنسبة للإمام الشابّ، الذي لم يعرف ما هو أبعد من نهر النّيل، شَاقّاً· بمجرّد نزوله من السفينة، تمّ اقتياد بطلنا المُعَمَّم، والذي لا يتحدّث كلمة فرنسية واحدة، إلى منزل يوجد خارج المدينة، مُخَصَّصٍ للمسافرين للحَجْر الصحيّ· اعتبرَ المكانَ مُريحاً، ولكنه كان مُجْبَراً على الجلوس إلى طاولة لتناول طعامه، وليس على الأرض مُبَاشَرَةً، وقَد أصابه كلُّ هذا بالدهشة· في تقريره، الذي كَتَبه عن هذا السفر بعد خمس سنوات، تسَاءَل، طويلاً، حول ما إذا كان الحَجْر الصحيّ يتماشى أم لا مع القرآن· لم يَحْسِم الأمرَ، مكتفياً بِسَرد حُجَح متناقضة لِرَجُلي دين مَغَاربِيَيْن، أحدهما يرى أن الحجر الصحيّ حرامٌ لأنه يُخَلِّصُ المسلمَ من تعيين سابِق؛ ويرى الثاني أن صونَ الصحة أمرٌ قرآني· هكذا كان دَيْدَنُ رفاعة في مُطابَقة تجربته الشخصية مع التعاليم المُلتَبِسة في معظم الأحيان لدكاترة الإسلام·

ولد رفاعة في طهطا، في مصر العليا، في عائلة متواضعة· وقد كانت هذه المدينة الهامّة، اليومَ، بلدة على شاطئ النيل· منذ الكُتَّاب لاَحَظَ المُدرِّسُ علامات النَّبَاهة والذكاء الفائِقَين لدى تلميذه القادم من طهطا (الطهطاوي)· فقام إمام الجامع بإرساله إلى القاهرة، حيث سيصبح طالِباً في جامعة الأزهر الشهيرة· حَفِظ فيها القرآنَ وتَفاسيرَهُ، وكذلك قواعد النحو والمنطق، التي تساعد على الاقتراب من حقيقة النصّ المُنزل، كلمة الله· هذا التحصيل الجامعيّ كان لا يزال مُطابِقاً للتعليم في جامعاتنا في القرون الوسطى· في سنة 5 2 8 1 تمّت ترقية رفاعة إلى مَرْتَبَة شيخ(دُكتور في القانون)·

في هذه الفترة، كان عدد سكان مصر لا يتجاوز خمسة ملايين؛ ويبلغ سكان القاهرة وحدهَا، اليومَ، ثلاثـة أضعاف· فهل يتعلّق الأمرُ، دائماً، بنفس البلد، مصر؟ الأمر ليس أكيداً، فالديموغرافيا أحدثتْ تغييراً عميقا لدى الشعوب، وقطعتْ مجرى تاريخهم· يبحثُ المُسافر، في معظم الأحيان، عمّا فُقِدَ، بِحُجّة خادِعة بدعوى أنّ الأَمَاكِنَ ثابتةٌ؛ ولكنّ الشعوب لا ينطَبِق عليها نفسُ الأمر· الديموغرافيا تستَطيعُ التسبّبَ في تحوّلات كما لو أنّ الإقرار، اليومَ، بصحَّةِ المَناظِر الوديعة التي رسَمَها فيفان دينون، الذي رَافَقَ بونابرت، أو غوستاف فلوبير، في مستودع الحاجيات بالقاهرة، تقضي بِألاّ نرى شيئاً على الإطلاق· القاهرة ليست أقلّ إغراءً، ولكن يتوَجّب عِشقُ الصخب فيها، وكذلك الحشود، والإعجاب بقدرة المصريين على التأقلم بذكاء، مع هذه الفوضى الكبيرة·

الصفحات