أنت هنا

قراءة كتاب أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

كتاب " أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون ، تأليف غي سورمان ، ترجمة مرام المصري ، والذي صدر عن دار المؤسسة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

أول إنسانويّ من الشرق

كان رفاعة يتطلع إلى أن يَتَقَاسَم كل الرجال أخلاقاً مُشتَرَكة نابعة من طبيعتهم وليس فقط من الوحي النبويّ، وهي مُبَاعَدَة ثيولوجي كبير سيتسبّبُ في حملة طويلة من قبل علماء الأزهر ضدّ عقليتها الإصلاحية· ولكن بَدَلاً من الانخراط في طريق نقديّ، فإنّ خُصومَهُ اختاروا طريق التحريم، فقد اتُّهِمَ رفاعة من قِبَل رجال الدين بأنه تَناوَل لحمَ الخنزير وعَاشر مومسات في باريس· وفي نظر المُحافِظين الذين كانوا مُعاصِرينَ لرفاعة- الذين كانوا يرون أنفسَهُم أُصوليين، أي قريبين من المصادر الأولى-، فإنّ كلَّ امرأة غربية لا يمكن أن تكون إلاّ مُومِساً· وهي طريقةٌ لإقصاء المفكرين الليبراليين، لم تعرف تطوراً كبيراً منذ هذه المرحلة، فبدلاً من النّقاش ظلّ الافتراء والنميمةُ في الصحافة الإسلامية المعاصرة، كما في عِظات المبشرين والدعاة المتطرفين، الحُجة المفضّلة· يَرُدّ عليهم رفاعة بأنّ الإسلام ليس، بالضرورة، المصدرَ الوحيد للخير، وبأنه يوجد أُناسٌ من الغرب يمكن للمسلم أن يتعامل معهم تعامل الندّ للندّ؛ يذكر أسماء مستشرقين فرنسيين· وكان يُجابِهُ العلماء المحافظين في الأزهر، والذين سيُنغّصون عليه حياتَهُ، دائما بالحديث النبوي الذي يُخاطب المسلمين قائلا: أطلبوا العلم ولو في الصين

إنّ التناقض المركزيّ بين رفاعة والأصوليين يرتكز على مكانة المرأة في أرض الإسلام، وهو خطّ كَسْر لم يتطور قط· وكان رفاعة، وخلافا لهؤلاء، يعامل النساء بشكل مُساو لتعامله مع الرجال؛ وهو بنفسه حين اختار زوجته من بين الطبقة الأرستقراطية، تَعَهَّد في وثيقة الزواج بألاّ يتزوج عليها· لم يكن ثمة شيء يُرغمه على تخلّيه عن التزوج بنساء أخريات، ولكنه كان يرى أنه لا شيء في القرآن ولا في التفاسير ما يخالفه؛ فلا يحقّ للمسلم أن يتزوج أكثر من أربعة نساء، ولكن بشرط أن يكون قادرا على العدل بينهنّ، كما يشترط القرآن، وهو ما يعتبر مستحيلا· رفاعة يَستَشْهِدُ بالآية وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضهم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا، من سورة النساء التي تنهى عن تغيير الزّوجات· وقد كشف رفاعة عن كونه رَائدا لتحرير المرأة، دون أي تعارض مع القرآن، وإنّما بفضل المعرفة التي كان يمتلكها والتي تعتبر أرقى من المعرفة التي بحوزة الأصوليين·

بفضل تكوينه الدينيّ كان رفاعة في وضع يُمَكِّنُهُ، بشكل كبير، من التمييز بين الوحي الإلهي والتقاليد المحليّة· أليسَ هو من تَدِين له مصر تأسيس أولى المدارس العمومية للفتيات· لقد كَتَبَ أنّ تَمَدْرُس الفتيات ضروريٌّ كي يُصبِحْن زوجاتٍ صالحاتٍ وأُمَّهَاتٍ صالحاتٍ، تماما كما يَأْمُرُ القُرآنُ· وإذا كان صاحِبُنا التّحديثيُّ يتقدّمُ خلف التقاليد، فليس لأنه يفعل هذا لِسَبَبٍ تكتيكيّ وإنّما عن اقتناعٍ، وهذا ما يؤكِّدُه ما نعرفه عنه بِفَضْل مُعاصِرِيهِ المصريين والفرنسيين· يرى رفاعة أنّه لا يوجد شيءٌ، في الإسلام، يُكَذِّب ما جاء في كتابه تخليص الإبريز في أخبار باريز، وبصفة خاصّة ما يَتَعلَّقُ بِتَحسين أوضاع النساء المُسلِمَات· في كتابه الأخير، الذي نُشِر سنة 0 7 8 1 بناءً على طلب من الباشا إسماعيل ليتمّ استخدامُه أساساً للتعليم في مصر- نوع من تعليم دينيّ وطنيّ، دليل في خدمة الأولاد والبنات- يُلِحُّ رفاعة على المساواة بين الجنسين في التعليم وفي الزواج·

ولكن ليس علينا أن نصبغ الكمال المثاليّ على بطلنا، فإصلاحاتُه لا تعود بالمنفعة إلاّ على المسلمين، فقد كان يحتقر أقباط مصر· وبالرغم من ليبراليته فقد ظلَّ ابن عصره؛ كان رفاعة شيئاً ما عنصريّاً، كما كان الأمرُ عليه في باريس·

وَاجَه رفاعة الأزهر على أرضيّة أخرى حسّاسة من خلال تمجيد تراث مصر التاريخيّ· وبالنسبة لعلماء مصر المُحافِظين فإنّ مَرحلةَ الجاهلية لم يكن لها أدنى أهميّة· وهو موقفٌ ثابتٌ لدى كل علماء الدين المسلمين في العالم العربي· أمّا رفاعة، فقد كان على النقيض يَعْتَبِرُ أنّ الماضي الفرعوني يَستَحِقّ أن يُصانَ· فاحتجَّ على ميل الباشا الغريب في منح مَسَلاَّت إلى كلّ مُلوك أوروبا عربونا على الصداقة؛ وكان رفاعة أوَّلَ منْ طَالَب بأن يتِمَّ التوقف عن ترك الكنوز الوثنيّة للأوروبيين، وأَصَرَّ شخصيّاً على تسلُّم كلّ الأشياء التي يتمّ اكتشافُها· وهو قرارٌ رَسَمَ مُسَبَّقاً مَعَالِمَ تأسيس متحف القاهرة فيما بعد، والذي أسّسته مارييت سنة 8 5 8 1· وأبعد من اهتمامه الملحوظ بالتراث، كان رفاعة يرسُمُ هنا الخُطوط الأولى لِمَا ستكون عليه القومية العربيّة لاَحِقاً·

من خلال إدراجه الجديد للتاريخ والجغرافيا في أرض الإسلام، يُحْدِثُ رفاعة قطيعةً مع القاعدتين السياسيتين اللتين تهيمنان على الفكر العربيّ الإسلاميّ، وهُمَا مبدأُ أُمّة مُؤمِنين بِلاَ حُدود، بالإِضَافة إلى العصر الذهبيّ في المدينة المنورة في عصر النبيّ كَنَموذَجٍ لا يمكن التفوُّق عليه· وهو من خلال إعادة ماضٍ مُتَفَرِّد للمصريين، فقد فتَحَ أمامهم مستقبلا باعتبارهم أُمَّة ما قبل إسلامية· صحيح أنها أمة مسلمة، ولكنها ليست حصراً إسلامية· حين بدأت الدول تتشكّلُ، في القرن العشرين، في المغرب العربي وفي الشرق الأدنى، فإن كل الحكومات أعادت الاعتبار للماضي غير الإسلاميّ للأمكنة -قرطاج في تونس، بابل في العراق····-، وهذه هي القاعدة الوحيدة لتأسيس مستقبل وطني·

الصفحات