أنت هنا

قراءة كتاب أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون

كتاب " أبناء رفاعة الطهطاوي - مسلمون وحداثيون ، تأليف غي سورمان ، ترجمة مرام المصري ، والذي صدر عن دار المؤسسة

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

نصر ملتبس

كان الباشا يُسايِر رفاعة حين يتعلّق الأمرُ بإنشاء الإدارة والمدارس، ولكنه لم يَكُن يُعير رفاعة سمعا حين كان هذا الأخيرُ يقترح تطوير المؤسسات السياسية انطلاقا من تقديره وتقييمه للثورة الفرنسية· فثورة 0 3 8 1 التي عايَشَهَا في باريس، كان لها وَقْعٌ كبيرٌ عليه· فقام رفاعة بوصف أدقّ تفاصيلِهَا على طريقة توكفيل مستعيداً في مُذكراته ثورة 8 4 8 1· ولكنّ ثورة 0 3 8 1، وعلى نقيض 8 4 8 1، كانت سلميّةً نسبيّاً· يُسَجّل رفاعة أنّ شارل العاشر لم يَلتَزِمْ بتعهّداتِهِ، وخصوصا تعهداته المتعلّقة بحرية الصحافة· فقد أصرّ البرلمان على ضرورة رحيله، وكانت الجماهيرُ موافقةً على هذا الإصرار· فانسحب الملكُ من دون تردّد· خَلَفَه لويس-فيليب من دون إراقة دماء· تعَهَّد لويس-فيليب باحترام الميثاق الجديد، فتمّ تنصيبُهُ مَلِكاً على عموم الشعب الفرنسي· ويرى رفاعة أنّ كلّ الفرنسيين كانوا مُقِرِّينَ بأن بلدهم يحتاج إلى ملك وبأنّه غيرُ مؤَهَّلٍ للجمهورية· كان رفاعة مُفْتَتِناً بهذا النموذج الفرنسي الذي كان في منتصف الطريق ما بين استبدادية متنورة وملكيّة دستورية، وكان يرى فيها عَقْدا جيدا يمكن تطبيقه على مصر، ما بين النُّخَب المحلية والباشا ذي الجذور التركية·

في تعليقاته على دستور 0 3 8 1 يلاحظ رفاعة أن المفهوم الفرنسي للحرية يتوافق مع المفهوم الإسلاميّ للعدل· ولكنّ العدل الإسلامي، وخِلافا للمساواة الأوروبيّة أمام القانون، ليس حقّا للمسلم؛ إنه ينبثق من إرادة الحاكم الطيبة، المُجْبَر من القرآن على أن يكون عادِلاً· رفاعة، الذي لم يَكُن ثوريا، كان يعتبر أنّ المسلمين لا يتوجب عليهم أن يُطالِبُوا بشيء، ولكنْ عليهم أن يستقبلوا، عن طواعية، مؤسسات دستورية جديدة إذا ما مَنَحَهَا الباشا لمصر· على الرغم من كون المحاججة الإسلامية صحيحةً، فمحمد عليّ رفض فكرة الدستور، وفضَّلَ البقاء حاكما مطلقا· وهو قرارٌ ما زالت آثارهُ ماثلةً إلى يومنا هذا، فمنذ تلك الفترة ما زالت تظهر في العقل المصريّ مصطلحات من قبيل التحديث والتغريب والتسلّطيّة وكأنها مرتبطة ببعضها بعضا· إذا كان المُستبِدُّ غيرَ متنوِّرٍ، فإن تحديث البلد يتوقف· نستنتجُ من هذا أنّ من هذا الاستبداد انبثقتْ صعوبات التحديث التي تعاني منها مصر منذ قرنين· ألَيْسَ الاستبدادُ، هنا، أكثرَ عرقلةً من الإسلام؟

لقد كان مشروع رفاعة لمصر يتضمن كلّ هذه الأشياء: إرساء دولة، حقّ التعليم للجميع، العلوم، التقنية، اللغات الأجنبية، تحرير المرأة، الصحافة، تاريخ مقبول في كليته وتنوعه· ولم يوجد أيّ مُقْتَرَح إلاّ وارتكز على نص قرآني· ومع رحيل محمد عليّ سنة 8 4 8 1، جاء خَلَفُهُ الباشا عبّاس، فانحاز إلى أطروحات المُحافظين· ونُفى رفاعة إلى الخرطوم حيث قضى خمس سنوات في التدريس في مدرسة ابتدائيّة· ومن أجل قتل الوقت، انصرف رفاعة إلى ترجمة كِتَاب تيليماك Télemaque لِـفينيلون Fénelon والذي كان بدوره قد ألّف هذا الكِتَاب للاحتجاج على الحكم المطلق لـلويس الرابع عشر، وهو ما جرَّ عليه المنفى في أسقفيّة كامبري Cambrai···

وقد أرسى رفاعة، على الرغم منه، تقليداً جديداً ما زَالَ مستمرّاً في أرض الإسلام، يتجلّى في قَمْع المُثّقفين منذ سنة 2 5 9 1، فالديكتاتوريات العسكريّة لم تتوقف عن إرسال أبناء رفاعة إلى المنفى أو إلى السجن، فكل مثقف جريء، في مصر المعاصرة، تبدو بضع سنوات في السجن نوعا من مرور لا بُدَّ منه، سواء كان ماركسيا أو قوميا أو إسلامويّا أو ليبراليّا· التفكيرُ الحُرُّ لا يمكن أن يُطاق لا من قِبَل المُستَبِدِّين ولا من قِبَل الإسلامويين المُتطرّفين· في زمن رفاعة كان هؤلاء الأخيرون يكتفون بممارسة التحريم· وأما اليوم فإنّهم يعتمدون على قُضاةٍ متواطِئِين من أجل قمع المُثّقفين العلمانيين، إذا لم يلتجئوا، بكل بساطة، إلى الاغتيال·

كان رفاعة ينتمي إلى زَمن أكثر هدوءًا· وحين ماتَ الباشا عباس، في سنة 4 5 8 1، سيعود رفاعة إلى القاهرة مُنتَصِراً، وبعد رحيله، سنة 4 7 8 1، سيظلّ تفكيرُهُ يُضيءُ الترقّي المصريّ إلى حدود القطيعة الكبرى التي حدثت في سنوات الخمسينات· هذا الرقيّ الذي دَحَضَه الأيديولوجيون القوميون والاشتراكيون والإسلامويون الذين عابوا عليه كونه ليس يساريا وكونَهُ مُنقادا للغرب· وسيساهم فشلُ الأيديولوجيات، أخيراً، في سنوات الثمانينات في بعث رفاعة وفي إيقاظ أبنائه

الصفحات