أنت هنا

قراءة كتاب الرحلات والرحالة في التاريخ الإسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الرحلات والرحالة في التاريخ الإسلامي

الرحلات والرحالة في التاريخ الإسلامي

كتاب " الرحلات والرحالة في التاريخ الإسلامي " ، تأليف د. جمال الدين فالح الكيلاني .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 3

العلوم عند العرب والمسلمين

الجغرافيا وعلومها ومؤلفاتها

أطلق المسلمون على معارفهم الجغرافية أسماء عديدة؛ إذ إن المفهوم الجغرافي لم يكن تخصصًا مستقلاً في ذاته كالعلوم الأخرى. ومصنفاتهم في هذا المجال يمكن إدراجها تحت مسمى المصنفات الكوزموغرافية؛ وهي المصنفات التي تبحث في مظهر الكون وتركيبه العام وتشمل إلى جانب الجغرافيا علمي الفلك والجيولوجيا. لذا فإن الكتابات الجغرافية كانت تسمى وفق محتوياتها؛ فمن ذلك علم الأطوال والعروض وعلم تقويم البلدان إذا كانت ذات محتوى فلكي. وما غلب على محتواها وصْفُ المسالك وطرق المواصلات سميت علم البرود (جمع بريد) أو علم المسالك والممالك. واتخذت المصنفات الجغرافية التي تصف مجموع المناطق والبلدان اسم علم الأقاليم، وعلم عجائب البلدان، وعلم البلدان، وما قد تناولت المناخ جاءت تحت اسم علم الأنواء، وما قد تناولت الجغرافيا الفلكية سمِّيت علم الهيئة، واستخدموا مصطلح صورة الأرض قاصدين به مصطلح جغرافيا الحالي.

استخدم المسلمون كلمة جغرافيا في بادئ الأمر وفق استخدام اليونان لها، وهذا ما عناه ياقوت الحموي عندما قال ¸إن من قَصَد العمران من القدماء والفلاسفة والحكماء، ومنهم بطليموس، سموا كتبهم في ذلك الجغرافيا... ومعناه صورة الأرض·. وكان إخوان الصفا أول من استخدم مصطلح جغرافيا في رسائلهم وفسرت على أنها صورة الأرض.

لم تقتصر كتابات المسلمين في الجغرافيا على مجالات محددة، بل امتدت لتشمل مجالات عديدة متنوعة. وبدأت هذه الكتابات معتمدة على المعرفة الجغرافية القديمة في الجزيرة العربية بالإضافة إلى ما كان لدى الشعوب الأخرى التي دخلت الإسلام. كما اعتمدت على الترجمة من مصادر مختلفة يونانية وفارسية وهندية. وصحح المسلمون كثيرًا من الأخطاء وأضافوا كثيرًا من الملاحظات على الكتب المترجمة. وكان من أهم المسائل التي تناولتها مصنفاتهم في هذا الحقل الجغرافيا الفلكية والإقليمية والبشرية والاقتصادية.

الجغرافيا الفلكية يندرج تحتها ما يعرف بكتب الأزياج مثل زيج الإيلخاني للطوسي. والصورة لصفحتين من الكتاب.

الجغرافيا الفلكية. اهتم المسلمون بالجغرافيا الفلكية التي صارت أساسًا للجغرافيا العربية، وهي فرع من الجغرافيا يقوم في أغلبه على الأساليب الرياضية، وذلك لاتصال الجغرافيا الفلكية بمواقيت الصلاة والصيام والحج. واستقى العلماء المسلمون هذا النوع من الجغرافيا من المذهب الهندي في الجغرافيا الرياضية عن طريق بلاد فارس، وتمثل ذلك في كتاب السندهند (السدهانتا)، وكذلك من المذهب اليوناني عن طريق السريان، وتمثل ذلك في كتاب المجسطي لبطليموس. ومن الذين تأثروا بكتاب بطليموس ونهجوا النهج الفلكي في مؤلفاتهم الجغرافية محمد بن موسى الخوارزمي، لكنه تفرّد ببحوث مستقلة لم يقلّد فيها أحدًا، وقام بتلخيص كتاب السندهند وإصلاح أزياج (الجداول الفلكية) بطليموس. ويعدّ كتاب الخوارزمي صورة الأرض أشهر مؤلفات الجغرافيا الفلكية وأكثرها أثرًا في الجغرافيين الذين أتوا من بعده. وهناك اختلاف كبير بينه وبين كتاب بطليموس على الرغم من أنه أفاد من معلوماته كثيرًا. وقد خالف الخوارزمي في تقسيمه للأقاليم تقسيم بطليموس. فبينما قسم بطليموس العالم إلى إحدى وعشرين منطقة، قسمه الخوارزمي إلى سبعة أقاليم حسب درجات العرض. وهو أول من فعل هذا، فبدأ هذه الأقاليم من الجنوب إلى الشمال. وهذا التقسيم هو الذي عرفه العرب قبل أن يعرفوا بطليموس. كذلك وزع الخوارزمي الأنهار والجبال والبحار والعمران بطريقة مخالفة لما ورد عند بطليموس. فقد ذكرها الخوارزمي منفردة وفق كل إقليم، بينما وزعها بطليموس وفق المناطق. كما أنه عرض المادة الجغرافية في قوائم. واختلف مع بطليموس في تحديد كثير من الأبعاد الجغرافية للأماكن. والقوائم الفلكية في كتاب صورة الأرض أشبه بالأزياج. فقد كان يذكر اسم الموضع ثم خط الطول الذي يقع عليه، ثم خط العرض مبتدئًا بالمدن فالجبال فالبحار فالجزر ثم العيون والأنهار. ويبدأ المواضع وفق بُعدها التدريجي على أساس موقعها من خط الزوال الذي يمر بجزر السعادة عند ساحل غرب إفريقيا.

وممن كتب في هذا الفرع من الجغرافيا الفيلسوف الكندي، وجاءت آراؤه هذه في كتابه رسم المعمور من الأرض. وله في الجغرافيا الفلكية وعلم الفلك ما يقرب من 25 مؤلفًا بين كتاب ورسالة.

يندرج تحت هذا الفرع ما يعرف أيضًا بكتب الأزياج مثل زيج الإيلخاني للطوسي؛ الزيج الصابي للبتاني، والزيج الحاكمي الكبير لابن يونس الصدفي، والمجسطي لأبي الوفاء البوزجاني، ومفتاح علم الهيئة للبيروني. ومن الكتب المهمة في حقل الجغرافيا الفلكية كتاب سهراب عجائب الأقاليم السبعة إلى نهاية العمارة، ويورد فيه كيفية رسم خارطة الكرة الأرضية، واستخراج الطول والعرض للمواقع الجغرافية. وهو متأثر بكتاب صورة الأرض للخوارزمي، فهو يتناول المدن فالبحار فالجزر فالجبال ثم المنابع والأنهار كلا منها على انفراد داخل الأقاليم السبعة في قوائم مماثلة لما فعله الخوارزمي.

محيط الأرض ومساحتها. اهتم العلماء المسلمون في حقل الجغرافيا الفلكية بقياس محيط الكرة الأرضية. ذلك أن المقاييس التي أخذوها عن الهنود والإغريق لم تكن مقنعة لهم؛ خاصة بعد ما تقدمت عندهم وسائل القياس. وقام العلماء المسلمون على عهد المأمون بأمر منه بقياس طول درجة من خط نصف النهار في مكانين صحراويين أحدهما في تَدْمر والآخر في سنجار، وتوصلوا إلى أن طول الدرجة يبلغ 56 ميلاً؛ أي أن المحيط حوالي 20,400 ميل.

وردت في كتابات الجغرافيين العرب محاولات لتقدير مساحة الأرض المعمورة والبحار التي بينها والذي كان يسمى الرُّبع المعمور. وممن تناول ذلك البيروني في القانون المسعودي؛ فقد ذكر مساحة الأقاليم السبعة المعروفة آنذاك، ونقلها عنه أبو الفدا في تقويم البلدان بعد أن شرح الطرق التي توصل بها البيروني لهذه المساحات. كما فعل ذلك أيضًا ياقوت الحموي في معجم البلدان حيث أورد تقديرات لمساحة الأرض نقلاً عمن سبقه من الجغرافيين.

الخريطة المأمونية رسمها الجغرافيون العرب للخليفة المأمون وبينوا عليها الجزء المعمور من الأرض.

خطوط الطول والعرض. استخدم الجغرافيون المسلمون خطوط الطول والعرض لتعيين المواقع الجغرافية للمناطق التي يريدون تحديدها؛ سواءً بالنسبة إلى القبلة في مكة، أو أي بقعة أخرى. وقد توصلوا إلى تحديد عرض الأماكن عن طريق قياس ارتفاع النجم القطبي أو الشمس. وقد كان من النتائج المباشرة لجهودهم في تحديد خطوط العرض أن تمكنوا من إنشاء المزاول الشمسية لضبط الزمن.

واستطاع الجغرافيون العرب عن طريق تحديدهم خطوط الطول والعرض أن يرسموا خارطة للأرض في عهد المأمون عرفت باسم الخريطة المأمونية، وقد قسم العالم فيها إلى سبعة أقاليم وفق خطوط الطول ودوائر العرض. وفيها صور للأفلاك والنجوم والبر والبحر والمدن.

الجغرافيا الإقليمية. وتسمى الجغرافيا البلدانية؛ وتتمثل في المصنفات التي اتخذت المنهج الوصفي أساسًا لها، وكذلك المعاجم الجغرافية وأحيانًا كتب الرحلات الجغرافية التي يغلب على تناولها المنهج الوصفي. وقد اتبع الجغرافيون المسلمون في تناولهم للجغرافيا البلدانية أسلوب المشاهدة والزيارات الميدانية. فقد زار معظمهم الأقاليم والبلدان التي تحدثوا عنها، لاسيما الرعيل الأول منهم من أمثال اليعقوبي، وابن حوقل، والمسعودي، والإدريسي وغيرهم. وقد تناولوا في مصنفاتهم الجغرافية هذه أوصافًا للأقاليم والمدن والشعوب وأديانها وعاداتها ودراسة للمسالك وطرق المواصلات التي تربط بين المدن المختلفة والأبعاد بينها وما يفصل بينها من أنهار وبحار وبحيرات وجبال. ومن نماذج هذه المصنفات كُتُب: المسالك والممالك لابن خرداذبه؛ كتاب الأقاليم لهشام الكلبي؛ جزيرة العرب للأصمعي؛ البلدان لليعقوبي؛ صفة جزيرة العرب للهمداني؛ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي؛ الأقاليم للإصطخري؛ صورة الأرض لابن حوقل؛ تقويم البلدان لأبي الفدا عماد الدين بن إسماعيل وغيرهم.

الصفحات