أنت هنا

قراءة كتاب الرحلات والرحالة في التاريخ الإسلامي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الرحلات والرحالة في التاريخ الإسلامي

الرحلات والرحالة في التاريخ الإسلامي

كتاب " الرحلات والرحالة في التاريخ الإسلامي " ، تأليف د. جمال الدين فالح الكيلاني .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 4

خريطة العالم لابن حوقل (ت بعد 367هـ 977م).

مصنفات إقليمية. خضعت المؤلفات البلدانية في بادئ الأمر لنمط التأليف الذي كان سائدًا في كل مجالات المعرفة آنذاك. فلم تكن الكتابة متخصصة، ولم يكن الكُتَّاب متخصصين؛ لذا كان ينحو وصفهم إلى الشمول بدلاً عن العرض المفصل لتلك المناطق من المعمورة التي كانت تبعد عنهم. لذا فقد تركوا لنا آدابًا جغرافية على درجة كبيرة من الدقة عن قلب العالم الإسلامي، لكن تقلّ هذه الدقة وتضعف كلما ابتعدنا إلى أطرافه في آسيا وإفريقيا.

وبحلول منتصف القرن الرابع الهجري تنوعت كتابات الجغرافيين واهتموا بالمعالم الطبيعية والأحوال الاقتصادية والاجتماعية للشعوب التي يكتبون عنها. وأفضل المصنفات التي تمثل هذه الحقبة هي مصنفات الإصطخري وابن حوقل والمقدسي وهي على التوالي: الأقاليم؛ صورة الأرض؛ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم.

صورة العالم للإصطخري (ت. نحو سنة 300هـ، 912م).

بدأت المصنفات الإقليمية أول ما بدأت بتغطية وصفية لجزيرة العرب شملت مدنها وبلدانها المشهورة، والبوادي والصحاري، ومضارب العرب. ومن أشهر الذين كتبوا عن جزيرة العرب هشام الكلبي وله في ذلك كتاب الأقاليم؛ وكتاب البلدان الصغيرة؛ وكتاب البلدان الكبيرة. وكذلك الأصمعي وله كتاب جزيرة العرب، والهمداني وله صفة جزيرة العرب. أما المعاجم فقد وردت فيها جملة مسهبة من المعلومات عن المدن والمظاهر الطبيعية، ومن هذه المعاجم معجم البلدان لياقوت الحموي، ومعجم ما استعجم لأبي عبيد البكري وغيرهما. وتعد المعاجم الجغرافية عملاً فريدًا استأثر به المسلمون، ولم تسبقهم إليه أمة من الأمم. أما النقلة في التأليف من الكتب الإقليمية، التي اقتصرت على جزيرة العرب إلى العالمية، فقد كانت على يد الخوارزمي في كتابه صورة الأرض. وقد ظهرت في الجغرافيا الإقليمية مؤلفات تحمل عنوان المسالك والممالك. وكان أول من صنّف فيها جعفر بن أحمد المروزي (ت 274هـ، 887م)، وابن خرداذبه، والسرخسي (ت 286هـ، 899م)، والإصطخري، والتاريخي محمد الوراق (ت 363هـ، 973م)، والمهلبي (ت 368هـ، 978م)، والبكري (487هـ، 1094م). ومعظم هذه المؤلفات استهدفت خدمة أغراض الإداريين والحكام والتجار وعمال الدواوين لتبصرهم بالأمصار الإسلامية والطرق إليها.

ظل الجغرافيون الأوائل يقسّمون الأقاليم وفقًا لما توارثوه عن الفرس واليونان، إلى أن اتخذت الجغرافيا الإقليمية مفهومًا جديدًا لفكرة الإقليم بدءًا من القرن الرابع الهجري على يد من أطلق عليهم الجغرافيون الإقليميون ويمثلهم أبو زيد البلخي (ت 322هـ، 934م) والإصطخري، وابن حوقل، والمقدسي. ولم يتفق الجغرافيون المسلمون في تلك الحقبة على نمط واحد لتقسيم الأقاليم؛ فقسمها الإصطخري أحيانًا وفقًا لطبيعة الإقليم وأخرى وفقًا للأقوام ولغاتهم وثالثة لنوع الحكم. وقسم الأقاليم الإسلامية المعروفة على عهده إلى عشرين إقليمًا هي: ديار العرب؛ ويضم شبه الجزيرة العربية وبادية الشام. بحر فارس؛ ويضم الخليج العربي والبحر الأحمر. ديار المغرب؛ ويضم بلاد الأندلس وأقطار المغرب العربي والصحراء الكبرى. ديار مصر؛ وتضم مصر وبلاد البجة (شرق السودان). أرض الشام. بحر الروم؛ ويضم شرقي البحر الأبيض المتوسط وبحر مرمرة وجزره. أرض الجزيرة؛ ويضم منطقة الجزيرة في العراق وبعضًا من البادية الشمالية. العراق؛ ويمتد من تكريت إلى عبدان وما بين النهرين. خوزستان. بلاد فارس. بلاد كرمان ويضم القسم الجنوبي الشرقي من إيران وبلاد السند. أرمينيا والران وأذربيجان. إقليم الجبال ويضم بلاد كردستان. الديلم؛ ويضم البلاد الواقعة على سهول بحر الخزر الجنوبية. بحر الخزر؛ ويضم منطقة بحر الخزر. مفازة خراسان؛ ويضم منطقة صحراء شرقي إيران. سجستان ويضم جزءًا من أفغانستان. خراسان؛ ويضم شمال غرب أفغانستان وشمال شرق إيران. ما وراء النهر؛ ويضم منطقة سهول نهري سيحون وجيحون.

هناك تشابه كبير واضح بين تقسيم ابن حوقل والإصطخري للأقاليم، إلا أن ابن حوقل كان كثيرًا ما يلتزم في بعض تقسيماته الإقليمية بالعامل السياسي والإداري أكثر من الجانب الطبيعي الذي انتهجه الإصطخري. وقسّم ابن حوقل العالم الإسلامي إلى 22 إقليمًا وهي نفس الأقاليم التي ذكرها الإصطخري مع زيادات طفيفة كأن يذكر مع الديلم طبرستان أو مع مفازة خراسان يضيف فارس. أما الإقليمان الجديدان لديه فهما الأندلس وصقلية.

أما المقدسي فقد قسّم الأقاليم في الممالك الإسلامية إلى قسمين: أقاليم العرب وأقاليم العجم. فجاءت سبعة منها تحت الأقاليم العربية وثمانية تحت الأقاليم العجمية. وقسّم الأقاليم إلى أقسام إدارية أطلق على الواحد منها اسم كُور وقسّم الكور إلى رساتيق، وميّز بين العواصم والقصبات والمدن الثانوية.

ثم أتت حقبة رجعت فيها التقسيمات الأولى للأقاليم إلى سبعة أقاليم فلكية وفق المنهج التلقليدي لليونان، وكان من أبرز من أخذ بهذا الأسلوب الشريف الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق وعلي بن موسى المغربي في كتاب الجغرافيا، والقزويني في آثار البلاد وأخبار العباد. إلا أن الجغرافي الإقليمي أبو الفدا (ت732هـ، 1331م) قد جمع بين المنهج اليوناني الذي يمثله بطليموس، والتقسيم العربي الذي يمثله ابن حوقل، وقام بتقسيم الأرض المأهولة آنذاك إلى 28 إقليمًا.

المعاجم والرحلات. كانت المعاجم الجغرافية سمة من سمات التأليف الجغرافي لدى المسلمين في ذلك العهد. وهي تسير على نمط المعاجم الأخرى التي ألّفت في تخصصات أخرى مثل معاجم علوم الحيوان والنبات واللغة وغيرها. ويعد تأليف المعاجم الجغرافية علمًا انفرد به المسلمون ولم يسبقهم إليه أحد. إذ إن أول المعاجم الجغرافية التي ظهرت في غير العربية كان في القرن 10هـ، 16م في أوروبا وهو معجم أوتيليوس. وكان أبو عبيد البكري أوّل من صنّف معجماً جغرافياً وفق الترتيب الألفبائي الأندلسي؛ وأطلق على معجمه معجم ما استعجم. ويُعدّ هذا المعجم مرحلة انتقالية من اللغة إلى الجغرافيا تناول فيه تحديد الأماكن التي ورد ذكرها في الأحاديث والتواريخ والمنازل والأشعار. وكان مما جعل البكري يقدم على هذا العمل، شيوع اللحن والتصحيف في أسماء الأماكن بين الناس، فأراد تصحيح ما وقع فيه بعض اللغويين من أخطاء كالأصمعي وأبي عبيدة وخلافهما. واحتوى معجمه على 3,590 مادة بها نحو 5,200 موضوع تقع في 784 بابًا.

يُعدّ معجم البلدان لياقوت الحموي (ت 626هـ، 1229م) من أفضل النماذج للمعاجم الجغرافية. واعتمد في مصادره على مؤلفات من تقدمه من الجغرافيين واللغويين والفلاسفة والحكماء من المسلمين وغيرهم. ورتب ياقوت مداخل هذا المعجم ترتيبًا ألفبائياً مع ضبط الاسم وبيان اشتقاقه، وموقعه وتاريخه، والمسافة بينه وبين أقرب بلد له، وتاريخ فتح المسلمين له، وعادات أهل الموقع وتقاليدهم، وأسماء من له علاقة بالموضع من الصحابة والتابعين. وقسّم المعجم إلى 28 بابًا على عدد حروف العربية، وصدره بمقدمة تمهيدية ذكر فيها صورة الأرض وهيئتها وأقاليمها، وأورد في المقدمة ثبتًا بالمصطلحات التي يتكرر ذكرها في المعجم كالفرسخ والميل والكورة.

يُعدّ معجم الروض المِعْطار في خبر الأقطار لمحمد بن عبدالمنعم الصنهاجي الحميري من المصنفات القيمة.اعتمد في معظمه على المصادر المغربية والأندلسية؛ فقد نقل كثيرًا من مادة هذا المعجم من الإدريسي والبكري وكذلك من اليعقوبي والمسعودي وغيرهم. واقتصر المعجم في مادته على المواضع المشهورة جدًا، أو تلك التي ارتبط اسمها بوقائع أو أخبار اشتهرت عنها. وعلى الرغم من أنه من المغرب العربي (ولد في سبتة)، إلا أنه رتّب مداخل معجمه وفق الترتيب الألفبائي المعمول به في المشرق العربي. وقد أفاض في هذا المعجم من ذكر الأماكن في بلاد المغرب والأندلس، وجاء اهتمامه ببلاد المشرق في الدرجة الثانية. واستكثر أيضًا من ذكر الأحداث والتاريخ والأخبار.

تعد كتب الرحلات من أفضل مصادر الجغرافيا الإقليمية في عصر ازدهارها، وممّا يسر هذه الرحلات حث الإسلام على السياحة في الأرض، والوحدة الدينية التي كانت تربط البقعة الإسلامية من الصين شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا واستتباب الأمن فيها، ثم رحلات الحجيج من وإلى بيت الله في مكة المكرمة، ومسجد رسوله ³ في المدينة المنورة وكذلك الخروج في طلب العلم، والرحلات التجارية.

كان أول من صنف في أدب جغرافيا الرحلات أبوبكر محمد بن العربي (ت 543هـ، 1148م) وله في ذلك كتاب ترتيب الرحلات. ومن أشهر الرحالة المسلمين ابن جبير، وابن بطوطة، وابن حوقل، والمسعودي.

كانت أولى الرحلات التي وصلت إلينا هي رحلة ناصر خَسْرو (ت بعد سنة 455هـ، 1063م). وقد عاصر الدولتين الغزنوية والسلجوقية. وقد بدأ رحلته من مرو في خراسان مرورًا بلبنان وفلسطين ومصر ومكة، فالبصرة فبلخ. وكان الباعث لرحلته دينياً. فقد كان ينوي بها الحج وزيارة الأماكن التي عاش فيها الرسول ³ وأصحابه؛ مثل البقعة التي بايع فيها المؤمنون الرسول ³ تحت الشجرة. واستغرقت رحلته سبع سنوات. وقد وصف كل المناطق التي زارها وسكانها وملابسهم ومشاربهم ومآكلهم.

كان الباعث لرحلات ابن جبير أيضًا دينياً، فقد قام بثلاث رحلات كانت الأولى عام 578هـ، 1182م واستغرقت ما يزيد على السنتين، بدأها من غرناطة وزار فيها سبتة في المغرب ومصر والحجاز والعراق وبلاد الشام وصقلية، وأُطْلق على هذه الرحلة اسم رحلة ابن جبير أو رحلة الكناني لأنه كان ينتسب إلى كنانة. وكان دقيقًا في تسجيله الحوادث والتأريخ لها حتى إنه كان يذكر الشهر واليوم والساعة في أغلب الأحيان. أما الرحلتان الأخريان فلم يسجل ابن جبير أخبارهما في كتاب.

لعل أشهر الرحلات الجغرافية التي تكاد تطغى على ما سواها من الرحلات الأخرى، سواءً في الشرق أم الغرب، رحلات ابن بطوطة (ت 779هـ، 1377م) وكان الدافع لرحلاته دينياً كذلك وهو أداء فريضة الحج. وقد بدأ هذه الرحلات الثلاث من مدينة طنجة (عام 725هـ، 1325م)، استمرت أولاها نحو 25 عامًا زار ووصف فيها الساحل الشمالي لإفريقيا ومصر والشام والحجاز والعراق وعُمان والبحرين وخراسان وأفغانستان والهند والصين وسومطرة وجزيرة سرنديب (سريلانكا الآن) وعاد إلى فاس عام 750هـ، 1349م. أما الرحلة الثانية فقد توجه فيها صوب الشمال نحو بلاد الأندلس وأقام بغرناطة ثم عاد إلى المغرب. وفي الرحلة الثالثة خرج عام 753هـ، 1353م إلى وسط إفريقيا فزار الممالك الإسلامية فيها كمملكة مالي وغانا وعاد عام 754هـ، 1354م. وقد قام بتدوين مشاهدات ابن بطوطة محمد بن جزي الكلبي بإملاء من ابن بطوطة، وسمّى السّفر الذي كتبه تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.

الجغرافيا البشرية والاقتصادية. أولى الجغرافيون المسلمون عناية كبيرة للجوانب البشرية؛ فلا نجد فرعًا من فروع الجغرافيا البشرية الحديثة إلا وتطرقوا إليه. على سبيل المثال يتناول المسعودي في التنبيه والإشراف كثيرًا من الجوانب في الجغرافيا البشرية ويذكر أحوال العمران وهو العلم الذي أسسه ورتب قواعده ابن خلدون (ت 808هـ، 1406م).

الجغرافيا البشرية. تناولت المصنفات الجغرافية الجانب البشري واهتمت به. وأوضح الأمثلة على ذلك كتابات المسعودي الذي ينهج نهجًا جديدًا في تناوله للجغرافيا. فقد طاف معظم بلاد العالم المعروف آنذاك، ولم يكن طوافه ذلك للنزهة أو كسب العيش، بل لمشاهدة معالم البلاد ومعرفة أحوال أهلها من عادات وتقاليد وأخلاق ومعايش وزراعة وسياسة. كما وصف أثر البيئة الطبيعية وصوَّر أخلاق البشر. وتناولُ المسعودي للجغرافيا البشرية مشوب بمعلومات تاريخية واجتماعية واقتصادية وسياسية. وفي مروج الذهب يكاد يخصص الشطر الأكبر من القسم الأول من هذه الموسوعة الجغرافية لوصف عادات الأمم ومعتقداتها ومذاهبها وتاريخها ومصادر أرزاقها من صناعة وزراعة وتجارة. ويذكر أيضًا أثر المناخ في ألوان البشر وفي النشاط الجسماني والذكاء.

وفي أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم أفاض المقدسي في ذكر المسافات، وطرق المواصلات، واللغات واللهجات، والمكاييل والأوزان، والمناخ، والزراعة، وطوائف الناس وغذائهم وشرابهم، وأخلاقهم وعاداتهم، ومذاهبهم ومعاملاتهم التجارية. أما ابن خلدون فكان من أهم من كتبوا في الجغرافيا البشرية خاصة ما يُطلق عليه الآن الجغرافيا الاجتماعية. فقد تناول في المقدمة كثيرًا من المعلومات عن عادات الشعوب ومساكنهم وبيئاتهم وطعامهم وتقاليدهم وأزيائهم وتأثير البيئة في ألوانهم وأخلاقهم وسلوكهم، وكذلك أثر الإقليم والتربة والمناخ. وتكلّم عن خصائص العمران وذكر منها الاستقرار، والتوسع في المأكل والملبس والمسكن والترف، واستجادة الصنعة للتباهي بها، وكذلك قيام نظام للدولة وانتشار العلم.

الصفحات