أنت هنا

قراءة كتاب شخصي جداً - الجنس في حياتنا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
شخصي جداً - الجنس في حياتنا

شخصي جداً - الجنس في حياتنا

كتاب " شخصي جداً - الجنس في حياتنا " ، تأليف د.

تقييمك:
3.75
Average: 3.8 (8 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

لماذا لا يَسهُل ضَبط الاتِّزان؟

عندما نشير إلى الانفلات الجنسيِّ عند إنسانٍ ما، فإنَّنا نقول إنَّه ‘‘يمارس الجنس كالحيوانات’’. ويرجع سبب ذلك إلى أنَّنا نَعدُّ الحيوانات منفلتةً جنسيًّا لمجرَّد أنَّها تمارس الجنس علانيَةً. بينما يجد مَن يدقِّق في حقائق السلوك الجنسيِّ لدى الإنسان والحيوان أنَّ الإنسان عمومًا أميَلُ إلى الجنس من كلِّ الحيوانات، وهذا يجعله أكثر انفلاتًا من الناحية الجنسيَّة لدى مقارنته بالحيوان. إنَّ من الحقائق المثيرة التي تُظهِر الفارق بين الجنس في كلٍّ من الحيوان والإنسان[5] أنَّ لدى ذكر الإنسان عضوًا ذكريًّا أكبر من كلِّ الأعضاء الذكريَّة لدى القِرَدة العليا (الرئيسات)؛ كما أنَّ أنثى الإنسان هي الأنثى الوحيدة بين الثديِّيات التي يكتمل نموُّ ثديَيْها قبل أوَّل حمل. وفي ما يتعلَّق بالاستعداد للجنس، تكون أنثى الحيوانات الثديِيِّة مستعدَّةً للإخصاب في أوقاتٍ معيَّنةٍ من السنة، أمَّا في الإنسان فيكون الاستعداد للجنس في كلِّ الأوقات تقريبًا. مع أنَّ أنثى الإنسان تشعر برغبةٍ جنسيَّة أكثر قليلًا قُبَيل الدورة الشهريَّة، فإنَّ تأثير ذلك على سلوكها الجنسيِّ ضئيلٌ جدًّا بالمقارنة بتأثير المشاعر والعلاقات. أمَّا في ما يتعلَّق باللذَّة الجنسيَّة، فإنَّ أنثى الإنسان، على سبيل المَثَل، هي الأنثى الوحيدة بين الثديِيَّات التي تختبر ذروة اللذَّة الجنسيَّة، كما أنَّ الإنسان عمومًا يشعر باللذَّة بصورةٍ أعمق بكثير من الحيوان؛ إذ إنَّه يعي إحساسه باللذَّة ويدرك ما الذي من شأنه أن يزيد من لذَّته ممَّا يضخِّم إحساسه بها. لذا فإنَّ الإنسان هو الكائن الوحيد من الرئيسات الذي يستمرُّ في ممارسة الجنس بعد انتهاء المدَّة التي قد يحدث فيها الحمل.

لماذا كلُّ هذا؟ وأعني، لماذا الجنس عندنا أعرض وأعمق بكثير من كلِّ الحيوانات ممَّا يؤدِّي بنا إلى الفشل كثيرًا في ضبط اتِّزانه؟ الإجابة ببساطة أنَّ الجنس عندنا له وظيفةٌ أبعدُ من التكاثر وأعمقُ من اللذَّة. ليس الجنس في الإنسان مجرَّد حاجةٍ بيولوجيَّة وغريزةٍ كسائر الغرائز التي تربطنا بالمملكة الحيوانيَّة. فَلِلجنس في الإنسان، بالإضافة إلى بعده الجسديِّ، بعدٌ عاطفيٌّ عميق يربط الرجل والمرأة برباطٍ وجدانيٍّ قويٍّ يفوق المتعة الجسديَّة ويؤول إلى تكوين الأُسرة والمجتمعات والشعوب. ليس ذلك فحسب، فالجنس يعبِّر أيضًا بصورةٍ جسديَّةٍ ووجدانيَّةٍ عميقة عن حقيقةٍ روحيَّةٍ أصيلة في الإنسان وهي القدرة على الاتِّصال والالتصاق والرغبة فيهما، لا بالبشر المحدودين فحسب؛ وإنَّما بالله غير المحدود أيضًا.

إنَّنا لا نضبط الاتِّزان لأنَّنا، سواءٌ أَفي الشرق كنَّا أم في الغرب، قد فشلنا في رؤية الجنس في بعده الإنسانيِّ هذا. إذ لا نزال ننظر في الشرق إلى الجنس على أنَّه غريزةٌ حيوانيَّة يجب أن نمارسها رغم شعورنا بالخوف والخزي. أمَّا في الغرب، حيث أراد الغربيُّون تحرير الجنس من الخوف والخزي؛ وبسبب الثقافة الاستهلاكيَّة وفَشَلِ العلاقات الحميمة في المجتمع الصناعيِّ الحديث، فقد تدهور الجنس في الممارسة إلى مجرَّد غريزةٍ حيوانيَّة نستخدم ونستهلك بها بعضنا في سبيل إشباعها. ويظلُّ البشر عالقين في دورة بين هذين الموقفَين إذ يؤدِّي أحدهما إلى الآخر باستمرار. وعندما نرى نحن الشرقيِّون ذلك ‘‘الانحلال الجنسيَّ’’ من خلال وسائل الإعلام، فإنَّ بعضنا يخفِّف تدريجيًّا من القيود التي يضعها على سلوكه الجنسيِّ ويسير في نفس تيَّار الثورة الجنسيَّة. بينما تشعر النسبة الأكبر من الناس بمزيدٍ من الخوف والاشمئزاز من الجنس؛ ممَّا يؤصِّل نظرتهم أنَّ الجنس ما هو إلاَّ غريزةٌ حيوانيَّة استسلم أهل الغرب لها، وحتَّى لا نحذو حذوهم يتحتَّم علينا أن نضع كلَّ القيود عليه للدرجة التي تجعلنا نريد تجاهُل وجوده، وتجنُّب الكلام به بأيَّة صورةٍ حتَّى وإنْ كان ضمن العمليَّة التربويَّة. غير أنَّ الحقيقة أنَّنا بسبب الخوف والجهل اللذين يزيدان من الإثارة (كما في قصة سيمبا)؛ وبسبب فشل العلاقات الحميمة أيضًا في مجتمعاتنا، لا سيَّما في المدن الكبرى، نجد أنَّنا نتحوَّل تدريجيًّا في واقع حياتنا الداخليِّ لنصبح مثل الغرب في طريقتنا الاستهلاكيَّة في تعاطينا مع الجنس (حتَّى الجنس ضمن إطار الزواج)[6]، بينما نظلُّ محافظين في الخارج على قشرةٍ خارجيَّة من العفَّة والوقار المزيَّفَين والنابعَين فقط من أنَّنا ‘‘لا نتحدَّث بهذه الأمور’’.

الصفحات