أنت هنا

قراءة كتاب المحاورات السردية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المحاورات السردية

المحاورات السردية

في كتاب "المحاورات السردية" للكاتب والباحث العراقي د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1
توطئة
 
إنّ الحديث عن التجربة النقدية والفكرية، بالنسبة لي، مشوب بالحذر المعرفي، فكل حديث ينصرف إلى وصف التجارب الذاتية يجد نفسه متورّطا في خضمّ سلسلة من الادّعاءات التي لا تملك براهينها، وذلك حينما ينطلق من افتراض عام هو استقرار تلك التجارب وثباتها، وهذا أمر لا أستطيع أن أدّعيه، كون التجارب الفكرية يجرى تشكيلها بفعل مؤثّرات كثيرة، وهي مفتوحة على آفاق لا نهائية، وليس من الصواب وضع نهايات قطعية لها؛ لأنها ستضيق بنفسها، وتتعطل فاعليتها المعرفية إذا ما قيّدت بمرجعيات تفترض الثبات المطلق، فكل تجربة تغتني - رؤية ومنهجا- بالحوار والتفاعل والتواصل، ولا يصح الحديث إلا عن مسار متحوّل وأطر عامة تروم تجديد ذاتها لتواكب عمليات التحديث المعرفي في الفكر الإنساني·
 
في ضوء ذلك لا يجوز الحديث عن تجربة نقدية مكتملة، إنما الالتفات إلى جملة من الأفكار والرؤى والموضوعات المتغيّرة التي انتظمت في نسق فكري معين، وجرى خلالها الانشغال بجملة من قضايا السرد· وأقول- بكثير من التردّد- بأنّ الخيط الناظم للنشاط النقدي الذي مارسته هو العمل المنهجي بمعناه العام، فقد اهتديت به للتنقل بين التجارب الإبداعية ممثلة بالسرد العربي القديم والحديث من جهة، والفكر العربي والعالمي بجوانبه الفلسفية والنقدية من جهة أخرى· ولا أخفي أنّ هذا التنقل بين هاتين المنظومتين طوّر لديّ تصورا للنقد من كونه ممارسة أدبية غايتها تحليل النصوص الأدبية، وكشف جمالياتها، واستنطاقها، وتأوليها، إلى ممارسة فكرية، غايتها كشف الظواهر الثقافية وتفكيكها، وبيان تعارضاتها الداخلية، وآثارها في الفكر والمعرفة· وانتهى بي إلى الربط بين السرديات والمركزيات الثقافية؛ فكل تمركز حول الذات العرقية أو الدينية، أو الثقافية، إنما يقوم على التصديق بسرد يرفع من شأن الذات على حساب الآخر، وينزع عنها التسامح، ومجمل أعمالي النقدية ترتبت في فلك التمثيل السردي، سواء أتصل ذلك بالمتخيلات السردية القديمة والحديثة أم بالمركزيات الثقاقية والدينية والعرقية التي هي سرود ثقافية متحيّزة·
 
إن كثيرا من الأفكار والآراء المتناثرة في صفحات هذا الكتاب تكوّنت بمرور الزمن، وجرى تصحيحها، وتنقيحها، وتعديلها، كلّما اقتضى الأمر، فلا قيمة لأفكار لا تخضع للمراجعة والنقد والتدقيق، ثم وجدت لنفسها مكانا في بعض كتبي وبحوثي، وصار من الصعب تقصّيها لأنها متناثرة في طيات المؤلّفات التي طُبعت في أماكن متعدّدة، وظهرت في أوقات متفاوتة، وقد وجدت من المناسب جمع ما تفرّق منها في بعض المحاورات التي أجريت معي، وانتقيت من بين كثير منها بعض ما أجري بين الأعوام 1995و2010 لأنها واكبت اهتمامي بالمسائل المنهجية، وبكيفية تطوير مفهوم التمثيل السردي الذي أعدّه ركنا اساسيا في سائر عملي النقدي، فربما تكون كاشفة لجوانب مما لم يظهر في كتبي الأخرى، أو داعمة لما ظهر منها·
 
ضمّت هذه المحاورات معظم ما شغلني من أفكار خلال تلك المدة، على أنه من الضروري الاعتراف، بأن معظم هذه الحوارات كان شفويا وأجري في بلدان متعددة، وفي سياقات متباينة، وغالبا ما كنت اشترط أن ترسل إلي المسوّدات لمراجعتها، وتحريرها، فالكلام الشفوي لاينطوي على دقة الرأي المكتوب، وبخاصة بعد أن ظهر لي أن كثيرا من الآراء أخذ باعتباره مواقف نقدية في بعض المصادر الأكاديمية، وجرى الاعتماد عليه في سياق تحليل وجهة نظري في السرديات أو المركزيات الثقافية، فكنت أقوم بتحرير المحاورات في ضوء الأسئلة المطروحة، فاتخلّص مما آراه من نتاج المشافهة المتعجّلة، وأوسّع ما أجده مكثّفا، أو اختصر ما أراه إطنابا غير مفيد، وفي كل ذلك كنت استعين بما أكتبه، أو كتبته، فظهرت فقرات كثيرة مما ورد في مؤلفاتي في بعض هذه المحاورات، كما جرى دمج فقرات منها في مؤلفاتي، وفي الحالتين، فقد كتبت كلّ ذلك بنفسي وراجعته، وهو يعود إليّ، وجرى إدراجه في المكان المناسب الذي ظهر فيه· وندر أن رفض المحاورون ذلك، فقد تفهموا حرصي على ظهور الأفكار بطريقة وافية ومُدقّقة، وعلى هذا فتضمّ هذه المحاورات جملة من الأفكار التي شغلت بها، وجرى صوغها في ضوء النتائج اللاحقة التي توصلت إليها، وقد يلمس تكرار هنا أو هناك في بعض المحاورات·
 
وتنبغي الإشارة إلى أن هذه المحاورات غير متسلسلة في تواريخها، فلا غرابة أن يعنى كل منها بأمر ما له صلة باهتمام المحاور أو باهتمامي، أو يقع اهتمام بأمور جرى ذكرها في كتاب أو بحث أو ندوة، والغالب فيها هو موضوع السرد، والتوسّعات الخاصة به، وقد وجدت أن بعض الأفكار بحاجة إلى إعادة نظر في سياق إعداد هذا الكتاب للنشر؛ لما وجدته فيها من غموض أو اختزال من جهة، واسترسال غير مستحبّ من جهة أخرى· وكنت راغبا في حذف المقدّمات التي كتبها المحاورون لأنها تتضمن تعريفا أقرب إلى أن يكون تقريظا مما لا أحبّ وجوده في مطلع كلّ حوار، لكنني تحرّزت من حذفها، لأنها لا تعود إليّ إنما للمحاورين، فأبقيتها على مضض منّي، على الرغم من أنها لا تؤدي غرضها في سياق الكتاب، كما أدّته في سياق نشرها أول مرة·

الصفحات