أنت هنا

قراءة كتاب المحاورات السردية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المحاورات السردية

المحاورات السردية

في كتاب "المحاورات السردية" للكاتب والباحث العراقي د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7
ولطالما جهر المبدعون بشكواهم من النوع الأول لأنهم يربطون كتاباتهم بأشخاصهم، ويبحثون عن ظهور مشترك في الإعلام معا، ولم ينتبهوا لأهمية النوع الثاني الذي يستبقيهم في الذاكرة ويخلّدهم في الآداب القومية العظيمة· كثيرون منهم مشغولون بالشهرة العابرة، والسريعة، ومعظمهم يفتقرون للبصيرة العميقة كونهم بُناةً لآدابهم القومية، إنهم يقلبون الحقائق كلية، فيريدون أن يكونوا الناطقين بلسان ما يكتبون، والصواب أن تكون كتابتهم هي الناطقة عنهم· ولهذا فمن الضروري عدم بذل اهتمام كبير بالكتّاب أنفسهم، إنما بما يكتبون، فهم زائلون، وهو باق إذا كان متوفرا على شروط الجودة الأسلوبية، والرفعة الفنية· ومن الضروري أن يتجنّب الكتّاب الاستسهال، فذلك يؤدي إلى انهيار قيمة القول الأدبي بأجمعه، كما يلاحظ ذلك في الثقافة العربية الحديثة·
 
- لكن الكاتب كائن نرجسي، ومن حقه الظهور والشهرة، أليس كذلك؟
 
- لا أبخس الكاتب حقّ الشهرة، لكنني أحذّره من الهوس المرضي بذاته وجعلها مركزا ثابتا للعالم، وأطالبه بجودة الأداء فيما يكتب، وإشباع الحالة الإبداعية التي يريد تخيّلها أو تصويرها، فالكفاءة هي التي توفر له الشهرة، بل الخلود في التاريخ، وليس الظهور السريع العابر في وسائل الإعلام التي تلتهم كل شيء، فلا ترتوي، وسرعان ما تنبذ المشاهير أنفسهم، باحثة عن سواهم، بعد أن أصبح هؤلاء حجر عثرة أمامها، لثبات أفكارهم وآرائهم ووجهات نظرهم· ولا يلبث هؤلاء أن ينزلقوا إلى خداع أنفسهم وخداع القرّاء متوهمين أنهم معاصرون دائما وأبدا، وينبغي تحذير الكتّاب من الوقوع في هذه المنطقة الخادعة، فكم وكم من الكتّاب الذين بذلوا المال من أجل شهرة زائفة سرعان ما خمل ذكرهم بمجرّد نفاذ أموالهم· هذا سلوك يتنافى وكل وعد حقيقي من وعود الكتابة· ولعل أفلاطون قد ناقش هذه القضية في إحدى محاوراته، وقال بأن الإنسان يبحث الاعتراف، ويريد أن يحظى بالتقدير في الوسط الذي يعيش فيه، وأعتبر ذلك أشبه بالغريزة، وسمّاها( التيموس) أي الرغبة الكامنة في أن يقع تقدير لعمل المرء من طرف الآخرين· وبعض الكتاب يكتنفهم هوس بالاعتراف، فيشبعون نرجسية شخصية، ولا يسعون لكتابة حقيقية·
 
- وهل ثمة مانع من أن يستأثر الكاتب بالأمرين معا؟
 
- من ناحية موضوعية ليس ثمة مانع، لكن قيمة الأديب ومكانته وشهرته ينبغي أن تنبثق من جودة عمله، وليس من حضوره الشخصي ولا من أسمه، لأن وسائل الإعلام تكرّس، أحيانا، متأدّبين لهم نفوذ وظيفي لا صلة له بالكتابة الحقيقية، فيرفع مستواهم إلى مصاف كبار الكّتاب وهم لا يستحقون ذلك، وإذا ما أخذنا بهذا واعتبرناه حقا شرعيا، فسوف يهيمن الأدب الرديء، أي الأدب الرخيص، فيما ينبغي أن يستأثر بالاهتمام الأدب الرفيع· لم يكن أحد على معرفة بهوميروس، أو شكسبير، أو أمريء القيس، إنما آدابهم هي رفعتهم إلى مصاف الشهرة العظيمة، فيما خبت أسماء زائفة بخبو حياتها·
 
- مازلت مصرّة على أننا نعيش في عصر وسائط الإعلام، نركن للانترنت والتلفاز بدرجة أكبر مما للكتاب، فما المانع من أن تظهر أعمال وأشخاص غير الذين أسميتهم بذوي النفوذ فيها؟·
 
- وما زلت أشدّد أنا على أن الاهتمام ينبغي أن ينصرف إلى الأعمال وليس إلى الأشخاص، لأن الأعمال هي الباقية فيما الأشخاص زائلون· ولست من المشجعين لترويج الأسماء الشخصية على حساب الكتابة· إنما أنا من المناصرين والداعين للاهتمام بالآثار الفكرية والأدبية، فهي التي يغتني بها الجمهور، ويهتم به، وينبغي أن نكرّس ثقافة واضحة ودقيقة لهذين الجانبين ونفكّ الصلة الملتبسة بينهما، إذ لا ينبغي الحديث عن أشخاص على حساب الحديث عن مؤلفاتهم·
 
- وما المانع في ذلك، فماركيز مثلا تحدّث حتى عن الوردة الصفراء التي يضعها على منضدته في أثناء الكتابة، وعن طقوس الكتابة لديه بأدق التفاصيل؟
 
- الذي يمنح الشرعية للكاتب ليس شخصه إنما عمله الأدبي أو الفكري، وماركيز اشتهر بعد روايته مائة عام من العزلة فمصدر شهرته كتابته المجيدة، وليس شخصه المجهول، فقبلها كان يعيش معوزا في باريس، هو وثلة من الموهوبين من أميركا اللاتينية، يتبادلون عظمة عجفاء يكررون طبخها بحثا عن قطرة من الدسم، فهو يستحق هذه الشهرة لأن مصدرها الكتابة· وهنا تصبح الشهرة الشخصية موضوعا مفيدا في حثّ الكتاب الآخرين للإقتداء بمثل أعلى هو ماركيز استأثر بالشهرة بسبب أعماله الأدبية، وليس العكس·
 
- هل يمكن للنقد أن يغير مسار التلقي لدى الكاتب أولا ثم القارئ؟
 
- من إحدى وظائف النقد الأساسية هي تغيير طريقة تلقّي الأعمال الأدبية والفكرية ، فقد كان ماركس يُقرأ في الإتحاد السوفيتي بطريقة تستجيب لمقتضيات النظرية الشيوعية بجانبها السياسي، فيما كان يقرأه العالم الرأسمالي بوصفه فيلسوفا ومُحللا اجتماعيا للطبقات وللتاريخ· والآن فإن النقد قد أعاد النظر بكثير مما كان يدور حول ماركس قبل قرن، وكذا الأمر بالنسبة لشكسبير، والمتنبي، ودانتي، فالنقد يغير مسار تلقّي الأفكار، ويقترح مسارات جديدة لها، وتلك وظيفة مهمة لأنه يقوم بتقليب صفحات التاريخ ويسلط ضوءا جديدا على نقطة لم يسلط ضوء عليها من قبل· والمثال الأكثر شهرة في عصرنا هو موضوع المركزية الغربية فالنقد لا يستطيع تخريب هذه المركزية ولا تقويضها إنما يستطيع أن يغير نظرتنا إليها، أي أنه يقترح مسارا جديدا للتعرّف إليها، مما يؤدي إلى انهيار قيمة مضمونها في نظرنا·
 
- هل استطعت بوصفك ناقدا من تغيير وجهة نظر كاتب ما نحو قضية معينة أو غيرت مسار تفكيره؟

الصفحات