أنت هنا

قراءة كتاب المحاورات السردية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المحاورات السردية

المحاورات السردية

في كتاب "المحاورات السردية" للكاتب والباحث العراقي د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9
موسوعة السرد العربيجهد أدبي غير مسبوق
 
حوار: جهاد فاضل
 
الدكتور عبدالله إبراهيم من الأكاديميين العرب المرموقين، وعندما يذكر اسمه في المنتديات الثقافية العربية تتداعى فورا إلى الذهن إسهاماته المتميزة في دراسة السرديات العربية، وفي نقد المركزيات الثقافية· وتمثل موسوعة السرد العربي جهدا أدبيا غير مسبوق في النقد العربي الحديث· وقد استغرق العمل فيها نحو عشرين سنة، وهي تتبع السرود العربية منذ نشأتها الأولى قبل الإسلام، وتكشف المحاضن الدينية والشفوية التي انبثقت منها، وتقف بالتفصيل على أنواعها الكبرى القديمة منها والحديثة، ثم تتقصى أبنيتها السردية والدلالية بداية في المرويات السردية الجاهلية وصولا إلى الرواية العربية في العصر الحديث·
 
ولا يقل عن هذه الموسوعة أهمية كتابه الموسوعي الآخر المطابقة والاختلاف: بحث في نقد المركزيات الثقافية والذي عرض فيه الروايتين الغربية والإسلامية حول الذات والآخر، مؤكدا على فكرة أساسية هي أن المركزيات تصاغ استنادا إلى نوع من التمثيل الذي تقدمه المرويات الثقافية إلى الذات المعتصمة بوهم النقاء الكامل، والآخر المدنس بالدونية الدائمة· وله إسهامات ثقافية وفكرية كثيرة، تتسم بالعمق والإحاطة، منها كتابه الشامل عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين ولكن إسهامه في حقل السرديات والمركزيات الثقافية، إسهام متميز· ولهذا السبب اخترت أن ينصب حوارنا التالي معه عليهما· وقد بدأ الحوار بالسؤال التالي:
 
- كثيرون من المؤلفين يكتبون حول مسائل كثيرة، ولكني لاحظت أنكم كتبتم أكثر، ما كتبتم حول مواضيع محددة بالذات في طليعتها السرديات العربية القديمة والحديثة· فهل لديكم ما يمكن تسميته بالمشروع؟
 
- هذا التشخيص في مكانه· لكنني أتردد الآن في أن أصطلح على ما أعمل عليه بأنه مشروع، خشية الوقوع في المحذور؛ لأن المشروع هو نظام فكري له هدف كبير يقوم به مفكر ينتدب نفسه لمهمة جليلة· وأظن أن على المرء أن يتحسّب قبل أن يندرج في منطقة الغرور والادعاء· لكن من ناحية واقعية، ووصفية، فإن عملي النقدي والفكري بأجمه يدور حول محور أساسي له نواة شبه ثابتة تتصل بوظيفة السرد، وطرائق تمثيله للموضوعات الأدبية أو الدينية أو الاجتماعية أو التاريخية· وقد مرّ بمرحلتين: المرحلة الأولى هي أنني أعددت نفسي إعدادا أكاديميا للدراسات السردية، وقمت بتدريسها في عدد من الجامعات العربية في العراق وخارجه· وأصدرت عددا من الكتب في هذا المجال الأكاديمي الذي يهدف إلى استنباط النظم السردية للنصوص الروائية والحكائية والقصصية والخرافية، فضلا عن السرد العربي الحديث· إلا أنه منذ أوائل التسعينيات بدأ لدي اهتمام مواز لذلك الاهتمام، وهو نقد المركزيات الثقافية، سواء كانت مركزيات دينية أو عرقية، أو مذهبية، أو ثقافية·
 
وخصصت لهذا الأمر مجموعة من الكتب نقدت فيها المركزية الغربية نقدا تفصيليا منذ الإغريق إلى مطلع القرن العشرين· ثم انتقلت إلى نقد المركزية الإسلامية، وتتبعتها خلال القرون الوسطى حيث كان العالم ينقسم إلى دار الإسلام ودار الحرب· وكان التصور الشائع آنذاك هو أن الحق يكمن في دار الحرب، ويفتقر إليه ما سواها· فينبغي حمل القيم الإسلامية لتشمل العالم بأجمعه· نقدت هذه الفكرة في كتابي المركزية الإسلامية ثم دعمت هذا الكتاب بموسوعة كبيرة اسمها عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين، نشرت فيها النصوص الأصلية التي كرست فكرة التمركز الإسلامي، وعبرت عنها بواسطة نخبة من المؤرخين والرحالة والجغرافيين والفقهاء وسواهم من الذين صاغوا الوعي الإسلامي في القرون الوسطى·
 
وهكذا وجدت نفسي أمضي في مسارين، وفي نهاية التسعينيات شعرت بنوع من التأزّم الفكري، وحال من الانشطار بين إعدادي الأكاديمي في مجال الدراسات السردية، وبين اهتماماتي الثقافية التي طرأت، وأنتجت فيها عدة كتب، إلى درجة شعرت وكأنني أعمل خارج المكان، وكأن ليس لي موضوع محدد أسند عملي إليه، فحالة الارتحال بين المعارف تورث إحساسا بالقلق الفكري، ذلك أن التوسع المفرط أوهمني بالضياع في متاهة كبيرة، فتوقفت لأنني احسست بفقدان البوصلة الموجهة في الكتابة التي كنت أريدها، واتمسك بها،· فلا أدري إن كنت ناقدا في مجال السرديات، أو باحثا في مجال المركزيات الثقافية، فلم يلح لي بعدُ التلازم بينهما· وإذا كنت أنا منْ لا يعرف ذلك، فأين سوف يضعني المتلقّي؟ ولا تثريب عليه إن تجاهلني، ولهذا توقفت للبحث في حلّ هذه القضية·
 
- أفهم أنك موزع بين مشروعين ثقافيين: المركزيات ثم السرديات··أليس من الممكن التعامل مع أحدهما على أنه هواية، ومع الثاني على أنه مهنة؟ من شأن هذا التعامل أن يحل المسألة برأيي·
 
- في نهاية التسعينيات، كما ذكرت من قبل، بدأت أشعر بأنني منقسم على نفسي، وأمضيت مدة في هذا الإحساس بالقلق الذي يكاد يبلغ درجة الحيرة إلى أن اكتشفت عبر سؤال نقدي: هل هناك صلة بين السرديات والمركزيات الثقافية أم لا؟ وهذا السؤال اعتبره من الأسئلة الكبرى التي أعادت تركيز ثقافتي الشخصية والفكرية· وبدأت أفكر بالصلة وأعتقد أنني منذ ذلك الوقت اكتشفت الصلة التي لم أكن أعرفها، ولم أنتبه إليها· وهي أن كل مركزية تقوم على الإيمان بسرد مخصوص داعم لفرضياتها، ومروّج لرغباتها، ومؤجج لتطلعاتها المكبوتة· فلو أخذنا على سبيل المثال المركزية الإسلامية، فقوامها الأخذ بالرواية الإسلامية للتاريخ البشري، أي الرواية القائلة بأن الإسلام هو آخر العقائد السماوية، ومن ثم فهو أكملها وأفضلها، وينبغي تعميمه بالجهاد على مستوى العالم، فلا يجوز النكث بوعد الله من أجل تصحيح مسار بني البشر في ظل معتقدات وثنية وإشراكية· ولو أخذنا المركزية الغربية، نجد أنها قائمة على التصديق برواية الغرب لتاريخه، واعتبارها مرتكزا صحيحا للجميع، وتعميم ذلك على سائر أطراف العالم بالحملات الاستعمارية والتبشيرية· والحاصل فكل مركزية قائمة على سرد مخصوص داعم لهوية الجماعات المؤمنة بها، ومغذّي لها، وذلك قادني إلى الربط بين السرد والتمركز، فكل تمركز، وتعصب، وغلواء، وتطرف، يقوم على الأخذ بسرد معين والإيمان به، والنهل من فرضياته، ثم ترويجه وتدعيمه، وأحيانا فرضه بالقوة كما حصل في حروب الفتوح، والنزاعات الإمبراطورية، والحروب الاستعمارية·

الصفحات