أنت هنا

قراءة كتاب سميولوجية الشخصيات الروائية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سميولوجية الشخصيات الروائية

سميولوجية الشخصيات الروائية

نقدم لقراء العربية طبعة جديدة، مزيدة ومنقحة، لكتاب فيليب هامون "سميولوجية الشخصيات الروائية"، وهي الدراسة التي تناول فيها مجموعة من القضايا الخاصة ببناء الشخصية في النص السردي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
وهذا ما سيتضح جليا في الفصل الثاني من هذا الكتاب، فهو يتخذ من الوصف منطلقا مركزيا لتحديد كينونة الشخصيات ونمط وجودها السردي. فالوصف في تصوره هو "مضخم" (إنه يشرح ويفسر)، أو هو امتداد يمتلك استقلالية نسبية، ويتمتع بموقع مركزي ضمن عوالم التخييل التي يبنيها السرد من خلال التصرف في زمنية تتطور على هامش الزمن الواقعي. ذلك أن السرد مضطر، من أجل تسريب أشكال خاصة بالفعل، إلى الاستعانة بجزئيات وصفية تتراوح مردوديتها الحدثية استنادا إلى موقعها التوسطي بين زمنية متحركة، وبين عين تتوقف لتلقط ما يقدمه المحيط الطبيعي أو الإنساني.
 
وبالرغم من استقلاليتها النسبية، فإن وظيفة الوصف ليست تزيينية أو عرضية، ذلك أن عملية الوصف لا تشكل موسيقى "تصويرية"، وليست مجرد وسيلة من أجل الخروج من زمنية السرد، إلى الالتحام بكينونة الأشياء والكائنات، إنها أكثر من ذلك، إنها في الأصل ما يُمَكِن السرد من تقطيع زمنيته وتوزيعها، ويُمَكنه من تحديد شكل حضور الشخصيات عبر واجهات متعددة. استنادا إلى ذلك يقترح فيليب هامون واجهات ثلاث: ما يأتي من النظرة، وما يقدمه الكلام، وما ينتج عن العمل.
 
يتحدث في المستوى الأول عما يسميه الناظر / الرائي، ويتحدث في المستوى الثاني عن الثرثار / المهذار، ويتحدث في المستوى الثالث عن التقني العامل (المنشغل). يتعلق الأمر بثلاثة مصادر هي منطلق الوصف أولا، وهي المدخل نحو قول شيء ما عن الشخصية وعن وجودها وعن علاقتها مع الشخصيات الأخرى ثانيا.
 
تعد "النظرة" في تصوره ثيمة مركزية، إنها تقديمية، فمن خلالها تتم بلورة موضوعات مدرجة في النص ستوضع أمام شخصية أو أمام قارئ محتمل من خلال أجزائها ومظاهرها وحجمها وامتدادها وعلاقتها مع موضوعات أخرى؛ وهي مبرر للوصف، فأن يقف شخص ما عند النافذة، فهذا معناه أنه سيقول شيئا ما عما تلتقطه عيناه. ولذلك تعد مكونا رئيسا في المشروع الوصفي، كما بلوره زولا. وفي جميع الحالات، فإن المدرسة الطبيعية عُرفت بتفضيلها للنظرة على الشم أو الذوق أو اللمس والسمع. وعن هذه الثيمة تولدت الشخصية الرسامة والشخصية التي تتنزه والشخصية المتسكعة والشخصية المتلصصة.
 
ويشير المؤلف في المستوى الثاني إلى شخصية نمطية أخرى تقوم بما تقوم به الشخصية الناظرة، ولكن تفعل ذلك استنادا إلى نافذة أخرى غير النافذة المباشرة التي تجسدها العين الرائية. فوصف العالم يتم في هذا المستوى انطلاقا من كلام الشخصية. "فإذا أخذنا قاطرة موضوعة للوصف مثالا على ذلك، أي مثالا على ورقة تقنية خاصة بالمفردات التي يجب تسريبها إلى النص، فسيكون بإمكان شخصية ما أن "تتكلم" هذه الورقة وهي تقدم القاطرة في كل "جزئياتها" إلى شخصية أخرى لا تعرفها، أو ليست على دراية بما يتعلق بالقاطرات".
 
بعبارة أخرى، لن تتخذ الورقة التقنية شكل "لوحة" أو"فرجة"، أو "مشهد"، بل ستكون حوارا، ولكنه حوار يتخذ هو نفسه في غالب الأحيان شكل مدونة تكون موضوعا لتعليق. إن الشخصية التي تتكلم هي غير الشخصية التي تنظر. الثانية مشدودة إلى موضوع يمكن تصور حدوده (ما يصنف ضمن الإدراك الحسي)، أما الأولى فتصنع وضعية تتحقق في الكلام ذاته (ما يصنف ضمن التمثل).
 
وهناك شخصية ثالثة تعد هي الأخرى سندا للسرد وسندا للوصف، "وتعد تنويعا عن الشخصيات الناظرة / الرائية والشخصيات الثرثارة"، وتحتل هي الأخرى موقعا مركزيا في الكون الروائي عند زولا". وفي هذا المستوى يتحدث المؤلف عن الشخصية العاملة (التقني المنشغل). فمن خلال هذه الشخصية يمكن إدراج "الوثيقة" الوصفية وتبريرها من خلال إسنادها إلى شخصية يقوم فعلُها (وليس نظرتها أو كلامها) بتحديد التفاصيل متحققة في أجزاء داخلية تشكل الموضوع المطروح للوصف؛ وهنا تصبح الشخصية حاملة لأداة لا لنظرة أو ناطقاً رسمياً. لا يتعلق الأمر في هذه الحالة بمعرفة (النظرة)، أو بمعرفة فعل بيداغوجي (الكلام)، بل يتعلق بمعرفة للفعل.
 
تشكل الشخصيات الثلاث البنية المركزية التي قام عليها المشروع الطبيعي عامة، وعند زولا خاصة. وضمن هذا المشروع ينتقل الوصف من مجرد "ديكور" عرضي، إلى أداة سردية لا يمكن فهم عمل الشخصية، كما لا يمكن فهم طبيعة العلاقة بين مجموع الشخصيات دون استحضار الفعالية السردية: تتقول بعض الخادمات عن سكان القرية، ويكون هذا التقول مناسبة لكي يقدم الروائي بورتريه عن هؤلاء السكان. وتنظر الشخصية وتصف محيطها، ولكنها تحدد كينونة الشخصية من خلال وسطها (اللباس للذي يلبس). وتعمل الشخصية، فتتحدد من خلال هذا العمل لغة خاصة هي التي تمكن الروائي من تصنيف الشخصيات في طبقات.
 
وفي جميع الحالات، و"مهما كانت طبيعة الشخصية، ناظرة ـ رائية أو تقنية مشغولة، أو ثرثارة شارحة، أو صاحبة نظرة، أو صاحبة مشروع عمل أو صاحبة كلام، فإنا نكون في جميع هذه الحالات أمام نسق صغير منسجم من الأدوار السردية، نسق يمكن اعتباره حاصلا مباشرا "لدفتر تحملات" عام، وحاصل افتراضات مركزية عند زولا، إنه نسق، وتبعا لذلك، يكون منبثقا من دلائلية تلفظية لا من دلائلية ملفوظية. وباعتبارها فعلا في المقروئية، تكون الشخصية هي الخالقة لهذه المقروئية أيضا". وهذا معناه، أن بناء الشخصية ليس حدثا نصيا فحسب، بل هو أيضا جزء من سيرورة إعادة بناء ذاكرة تتم داخل الموسوعة. إننا نرى بعيون الشخصيات، ونتكلم بلسانها، ونعمل بأيديها، ولكننا في جميع هذه الحالات لا نقوم سوى بتشخيص "لمعرفة" هي جزء من موسوعة إليها ننتمي، ومنها نستمد المعاني، وانطلاقا منها نؤول في الوقت ذاته.
 
سعيد بنگراد

الصفحات