أنت هنا

قراءة كتاب سميولوجية الشخصيات الروائية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سميولوجية الشخصيات الروائية

سميولوجية الشخصيات الروائية

نقدم لقراء العربية طبعة جديدة، مزيدة ومنقحة، لكتاب فيليب هامون "سميولوجية الشخصيات الروائية"، وهي الدراسة التي تناول فيها مجموعة من القضايا الخاصة ببناء الشخصية في النص السردي.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
أما النوع الثالث من الشخصيات فيكمن دورها في ربط أجزاء العمل السردي بعضها ببعض. ويحتاج الإمساك بهذا النوع من الشخصيات إلى إلمام بمرجعية السنن الخاص بالعمل الأدبي. "فهذه الشخصيات تقوم، داخل الملفوظ، بنسج شبكة من التداعيات والتذكير بأجزاء ملفوظية من أحجام متفاوتة (جزء من الجملة، كلمة، فقرة)، ووظيفتها من طبيعة تنظيمية وترابطية بالأساس. إنها علامات تنشط ذاكرة القارئ. أو هي الأداة التي من خلالها يمتلك الخطاب ذاكرة، تتحول إلى مرجعية داخلية لا يمكن فهم الأحداث دون استحضار هذه الذاكرة.
 
استنادا إلى هذا التأطير العام، يلتقط المؤلف ثلاثة مستويات في وجود الشخصية: المستوى الخاص بمدلولها، وذاك الذي يعود إلى دالها، ليختم السلسلة بالحديث عن مستويات الوصف. فاستنادا إلى مفهوم العلامة اللسانية يمكن التعامل مع الشخصية باعتبارها مورفيما فارغا، أي بياضا دلاليا، وهي بذلك لا تحيل إلا على نفسها. وهو ما يعني أنها ليست معطى قبليا وكليا وجاهزا، إنها تحتاج إلى بناء، بناء يقوم بإنجازه النص لحظة "التوليد"، وتقوم به الذات المستهلكة للنص لحظة "التأويل".
 
ويتجلى هذا المورفيم الفارغ من خلال دال لا متواصل يحيل على مدلول لا متواصل كذلك. فكما أن المعنى ليس معطى في بداية النص ولا في نهايته، وإنما يتم الإمساك به من خلال النص كله، كما يقول بارث، فإن ملامح الشخصية لا تكتمل (لا تتلقى دلالاتها النهائية) إلا مع عمليات التلقي (القراءة)، ونهاية "مختلف التحولات التي كانت سندا لها وفاعلا فيها". ومع ذلك، فإن مدلول الشخصية لا يتشكل من خلال التكرار فقط، بل يتحدد من خلال كل أشكال التقابل أيضا، أي استنادا إلى مجموع العلاقات التي تنسجها الشخصيات في ما بينها. بعبارة أخرى، إن النسق سابق على الشخصية وهو المحدد لها.
 
وهذا هو مصدر أهمية تحديد وإحصاء المحاور الدلالية التي تساهم في تشكيل الشخصية في تقابلها أو تشابهها أو تطابقها مع شخصيات أخرى، لا باعتبارها فردا معزولا. إن هذه النقطة أساسية في فهم المضمون الحقيقي للشخصيات التخييلية، ذلك أن أي عمل سردي لا يمكن أن يتشكل إلا من خلال الشبكة التواصلية الداخلية للنص، فهي التي تحدد تطور كل شخصية وهي التي توجهها نحو نقطة نهائية معينة (ولو مؤقتة).
 
وإذا كانت الشخصية مدلولا، أي عنصرا في علاقة (كما هو الشأن مع العلامة اللسانية)، فإنها لا تظهر إلا من خلال دال متقطع، أي من خلال" مجموعة من الإشارات نطلق عليها "السمة"، أو مجموع الخصائص التي تكتسبها الشخصية من خلال فعل السرد ذاته. وفي هذا الإطار، عادة ما يتحدد اختيار اسم شخصية معينة، انطلاقا من الوقع الذي يحدثه المظهر الصوتي للدال، أي من خلال إيحاءاته السلبية أو الإيجابية. وهذه المسألة ليست مجانية، فالمؤلف يشير إلى ما يؤكد هذا بالاستناد إلى الكثير من الوقائع في تاريخ الكتابة.
 
وهناك الكثير من المؤلفين الذين كانوا يعتمدون في اختيار أسماء شخصياتهم الطاقة الصوتية التي يشتمل عليها، سلبا أو إيجابا. فعلى سبيل المثال تتميز الأسماء التي كان يختارها زولا إما بإيحاء شعبي، وإما بإيحاء أرستقراطي، وفي الحالتين معا، سيكون الاستقرار على اسم معين جزءا من الاستراتيجية السردية. ويستحضر فيليب هامون، لكي يثبت أن هذه العملية كانت أحيانا تستغرق زمنا طويلا، ما يسميه "الملفات التحضيرية ("وسخ" تركه زولا يؤكد كيف كان هذا الروائي مترددا في انتقاء أسماء شخصياته)، أي محاولة التعرف على البدايات الأولى عند المؤلفين. فعادة ما يقف الكاتب عند اختيار اسم معين ويجرب عدة أسماء قبل أن يستقر على اسم بعينه.
 
يسهم هذا المظهر الصوتي (أو طريقة تركيبه) بشكل كبير في تحديد السمة الدلالية للشخصية (انظر مثلا كيف تختلف الأسماء في روايات نجيب محفوظ من حي إلى حي، ومن طبقة اجتماعية إلى أخرى). بل إن الأمر قد يصل إلى إمكانية استشراف الفعل المستقبلي من خلال دال الشخصية ذاته، ومعنى هذا أن مجموعة من البرامج السردية قد تكون متوقعة انطلاقا من هذا المظهر الصوتي.
 
أما فيما يعود إلى مستويات الوصف، فإن مردودية هذه المقولة معروفة جدا في اللسانيات، واعتمادها في تحليل الشخصية هو الاعتراف بوجود مستويات متعددة في النص، والاعتراف أيضا بوجود شبكة من العلاقات تحدد في نهاية المطاف مكونات النص السردي. وكما هو الشأن مع العلامة اللسانية، فإن الشخصية لا تتحدد من خلال موقعها داخل العمل السردي (فعلها) فقط، ولكن من خلال العلاقات التي تنسجها مع الشخصيات الأخرى أيضا. إنها تدخل في عمليات تبادل اجتماعي، ضمن مرجعية النص، مع وحدات من مستوى أعلى (العوامل) أو مع وحدات أدنى (الصفات المميزة التي تحدد فردا قابلا لأن يصبح جزءا من خانة تنتظم في محور دلالي أو تركيبي). بناء على هذا، يمكن تحديد بنيتين مختلفتين تشيران في الواقع إلى مستويين متباينين من التحليل:
 
ـ بنية الممثلين.
 
ـ بنية العوامل.

الصفحات