أنت هنا

قراءة كتاب فتيان الزنك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فتيان الزنك

فتيان الزنك

كتاب " فتيان الزنك " ، تأليف : سفيتلانا أليكسييفيتش ، ترجمة :

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 8

لا أريد أن أكتب المزيد عن الحرب. أريد أن أحيا مجدَّداً وسط "فلسفة الاختفاء" بدلاً من "فلسفة الحياة". وأن أجمع مجدَّداً خبرة اللاوجود إلى ما لا نهاية. عندما أنهيت كتابة "ليس للحرب وجه أنثوي"، بقيت فترة طويلة لا أستطيع رؤية الدم ينزف من فم طفل لدى إصابته بجرح بسيط. كنت في وقت الاستجمام أهرب بعيداً عن الصيَّادين الذين يلقون السمكة بعد انتشالها من أعماق المياه على الرمل في الضفَّة بمرح، إذ كان يصيبني بالغثيان مرأى عينيها الجاحظتين الجامدتين. يوجد لدى كل إنسان احتياطي من القدرة على تحمُّل الألم؛ الجسدي أو النفسي، لكنه نفد لديَّ منذ وقت بعيد. فكنت أكاد أجنُّ حين سماع عويل قطَّة دهستها سيَّارة، وأبعد ناظري عن دودة أرضية مسحوقة. أو ضفدعة يابسة في الطريق... وجال في خاطري مراراً أن الحيوانات والطيور والأسماك لها الحق أيضاً في كتابة تاريخ آلامها. وسيُكتب في يوم ما.

وفجأة! إذا كان من الممكن قول "فجأة"، انصرمت السنة السابعة من الحرب. لكننا لا نعرف أي شيء عنها باستثناء الريبورتاجات التلفزيونية البطولية. وبين فترة وأخرى نُرغم على أن نرتجف لمرأى النعوش الزنكية الآتية من مكان بعيد، والتي تضيق بها أرجاء البيوت البائسة المبنية من الألواح الخرسانية الجاهزة المعروفة باسم «خروشوفكا». فتطلق صليات الرصاص تحية للعزاء. ثم يسود الصمت من جديد. إن عقليَّتنا الميثولوجية راسخة لا تتزعزع؛ فنحن أهل العدالة والعظمة، ونحن على حق دائماً. لكن آخر ومضات فكرة الثورة العالمية تحترق وتتحوَّل إلى رماد... ولا يلاحظ أحد أن لهيب الحريق يستعر في بيتنا. فقد بدأت بيريسترويكا غورباتشوف، وانطلقنا بحماس للقاء الحياة الجديدة. فماذا كان في انتظارنا في المستقبل؟ وماذا كانت قدراتنا بعد تلك السنوات من السبات الاصطناعي؟ أما فتياننا فكانوا يُقتلون في مكان بعيد ما، من أجل قضية مجهولة ما...

الصفحات